تقف جريدة « الشعب» اليوم مع السيد عبد الرحيم مقداد، أستاذ وباحث في العلوم السياسية بجامعة وهران2،عند تطورات الوضع في ليبيا على ضوء استمرار التصعيد الناتج عن العملية العسكرية التي يخوضها المشير خليفة حفتر في العاصمة طرابلس مند أسابيع، والتهديد بانزلاق الوضع إلى حرب أهلية ستزلزل أمن المنطقة كلّها.
«الشعب»: ما هي قراءتكم للمشهد الليبي اليوم على ضوء التصعيد العسكري الذي يقوده المشير خليفة حفتر؟
الأستاذ عبد الرحيم مقداد: إن السيطرة على العاصمة طرابلس نزاع جديد ينذر بتفجر الأوضاع المتأزمة أصلا في ليبيا، والتي لم تعرف الاستقرار منذ إسقاط نظام معمر القذافي قبل ثماني سنوات، في ظلّ تنازع السلطة والسيطرة بين الفرقاء المدعوم كل منهم من هذه الجهة أو تلك، حيث إن آخر الأخبار تشير إلى تقدم قوات المشير خليفة حفتر نحو العاصمة طرابلس، لتقوم قوات الوفاق بردع هذا التقدم.
وعليه، يمكن القول إن ما يحدث في ليبيا هو بمثابة معركة كرّ وفرّ، تقدم وتراجع، بين قوات الوفاق وقوات المشير خليفة حفتر، فهي معركة غير محسومة لأي طرف لحدّ الساعة، وهي تعمل على تفجير الأوضاع الداخلية وخلط الأوراق الإقليمية والدولية.
سيف التقسيم يهدّد كيان ليبيا
مؤشرات قوية تؤكد أن التصعيد في ليبيا تؤجّجه التدخلات الخارجية، فما أهداف هذه الجهات من خلط الأوراق في ليبيا؟
بالفعل، فإنه لم يعد من الممكن في عالم اليوم عزل أي تطوّرات محلية عن محيطها الإقليمي والدولي، بحكم جملة التشابكات المصلحية القائمة، وبفعل الحساسيات التي تخلّفها هذه التطورات المحلية.
لذلك، فإنه في الشأن الليبي، نلاحظ سطوة الدور الخارجي على مجريات الأحداث، حيث وضعت بعض الأطراف يدها على الكثير من مفاصل الدولة عبر أطراف ليبية تتسابق في الهرولة للخارج والاستقواء به ضد خصومها، هذا ما يمكن توصيفه بالمراهقة السياسية التي ساهمت بشكل مباشر في تأزيم الوضع وإضعاف مؤسسات الدولة، الأمر الذي يهدّد كيان الدولة بمخطط تقسيم ليبيا إذا استمر الأمر على ما هوعليه.
وإذا حاولنا التعرض لأهداف التدخلات الأجنبية، فإننا سنجد أن لكل جهة أهدافها الخاصة، منها من لها أهداف اقتصادية وترغب في ضمان حصتها من العقود والصفقات، ومنها من تسعى إلى تحقيق أهداف من شأنها حفظ أمنها القومي، وهناك من تسعى لتأجيج الوضع في ليبيا لترتفع أسعار النفط والاستفادة من حصة ليبيا، كما نجد أنه يوجد أطراف تعمل على دعم أيديولوجية معينة على حساب باقي التوجهات، فهي تهدف لبسط نفوذها الإيديولوجي، وبالتالي الحصول على نفوذ سياسي أكبر، هذا إلى جانب وجود جهات تهدف لجعل ليبيا سوقا لبيع أسلحتها.
ما موقف الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي من عرقلة العملية السياسية في ليبيا؟
نجد أن كل من رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيوغوتيريس يدعوان لوقف إطلاق النار في ليبيا، لكن في المقابل لا تزال العمليات العسكرية متواصلة، وفي نفس السياق فقد دعت الهيئتين أطراف النزاع في ليبيا إلى العودة الى طاولة الحوار، إذ أنه لا حلّ عسكري في نزاع من هذا النوع حسب موسى الفقي، الذي دعا كذلك لحل الأزمة بالطرق السلمية والسياسية، وقد شاركه في الطرح الأمين العام للأمم المتحدة، لكن كل هذه الدعوات لم تطبق على أرض الواقع في ظلّ انعدام آليات فرض هذه الدعوات.
في المقابل، يمكن اعتبار التهديد بإرسال قوة حفظ سلام تكون عازل بين مناطق تمركز قوات المشير خليفة حفتر في المناطق التي كانت تحت سيطرته قبل هجوم طرابلس وبين قوات حكومة الوفاق، من شأنه تأجيج الوضع في ظلّ الرفض للتدخل الخارجي المباشر، في هذه الأثناء نجد حكومة الوفاق تستقوي بالاعتراف الدولي الذي تحظى به في حين الأطراف الأخرى تعتبر خارجة عن الشرعية، فالأمم المتحدة تعمل على تحقيق بنود اتفاق ابو ظبي بين السراج وحفتر، الذي اعتبر آنذاك خارطة طريق للخروج من الأزمة الليبية، وصارت تعتبر الخروج عن الاتفاق خروج عن الشرعية، وهذا ما يغيض باقي الأطراف ويدفع بها للتصعيد العسكري وعلى رأسهم المشير خليفة حفتر، خاصة بعد زيارة السراج لبعض العواصم الأوروبية والتي أكد قادتها على إدانة العمل العسكري، وهذا ما يرفضه المشير خليفة حفتر لأن العمل المسلح هو وسيلته الوحيدة للتوسع وكسب مزيد من النفوذ وجلب المزيد من الحلفاء لصفه، وهذا ما سيقوض جهود العملية السياسية.
على شفا الحرب
محاولات دول الجوار، إقناع فرقاء ليبيا بالجنوح إلى السلام لم تأت ثمارها، ما سبب هذا الإخفاق ولما يصرّ الليبيون على الانزلاق إلى حرب أهلية؟
مواقف دول الجوار في دينامية ترتبط بمسار الصراع المسلح على الأراض في ظلّ الإعتراف الدولي بحكومة الوفاق، فنجد أن مواقف بعض الدول ابتعدت عن الإدانة المباشرة لحملة حفتر وفي نفس الوقت غير داعمة لما يقوم به وغير واثقة من قدرة حكومة الوفاق على حسم الخلاف وإنهاء الأزمة دون إدماج المشير خليفة حفتر في المشهد.
كما نجد أن هناك محاولات لإقناع الفرقاء بالجنوح للسلام لكنها في معظمها باءت بالفشل في ظلّ غياب قنوات التواصل الرسمية مع المشير خليفة حفتر، الذي يفضل تعزيز موقفه الدولي بطرق واتصالات سرية، خاصة ذلك الاتصال المسرب بينه وبين الرئيس ترامب.
أما الأطراف الليبية فهي تدفع بالبلاد للإنزلاق نحو حرب أهلية من حيث لا تشعر، ففي ظلّ تمسك حكومة الوفاق بأحقيتها في قيادة البلاد سياسيا تحت غطاء الشرعية الدولية، نجد كذلك تعنت المشير خليفة حفتر الذي يتمسك هو الآخر بأحقيته في قيادة البلاد عسكريا.
في ظلّ هذا التصور لكلى الطرفين فإنه كل منهم يعمل على تحقيق مسعاه بتجنيد أنصار له والزجّ بهم في حرب أهلية غير محسومة.
تضخيم الوجود الإرهابي لعرقلة الحل
في ظلّ الفوضى الأمنية ألا تخشون بأن تتحوّل ليبيا إلى منطقة استقطاب للإرهابيين الفارين من مناطق التوتر بالشرق الأوسط؟
بطبيعة الحال هناك اتجاه لبعض الدول الفاعلة في الأزمة ومخابراتها بتضخيم الوجود الإرهابي في ليبيا من خلال تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وهذا يدخل فيما يسمى بمحاولة خلق تهديد وجودي لتبرير البقاء والحفاظ على المصالح من خلال العمل على استدامة الأزمة كما حدث في العراق وسوريا.
ولعلّ هذا التنظيم الإرهابي أصبح شركة ذات أسهم تساهم فيها بعض الدول ويتمّ تحريكها وبعث نشاطها متى اقتضت الضرورة، وما التصريح الأخير والفيديو الذي ظهر فيه زعيم داعش الإرهابي البغدادي خير دليل، فقد تحدث عن انتهاء المهمة في سوريا وسيتم نقل النشاط إلى مناطق أخرى من بينها ليبيا، وعليه، فإن استدعاء التنظيم الدموي ليلعب ادوارا في المستنقع الليبي سيكون أكثر وضوحا في الأيام القادمة لعرقلة أي مسعى للحل، والحقيقة أن الارهاب على الرغم من وجود عوامل بنيوية في تزايد نشاطه، إلا أنه في جانب آخر أصبح عملا استخباراتيا يتمّ صناعته في مخابر الدول الكبرى.
لكن الاختلاف عن سوريا والعراق أن هذه العناصر الإرهابية ستقاتل لجانب من؟ أو هل ستسعى لتأسيس كيان مستقل؟ الإجابة على هذا الطرح الاشكالي تخضع لحجم خضوع التنظيم الإرهابي لمخابرات الدول القوية التي ستستعمله لتحقيق مصالحها. وفي هذه الحالة تهديد هذه الجماعات سيمتد لدول الجوار وسيخلق دوامة من حالة اللاأمن في منطقة شمال افريقيا.
لا تسوية خارج إطار الحوار
ما هو تصوّركم للمنحى الذي سيأخذه الوضع الليبي في قادم الأيام؟
لا شكّ أن التطورات الأخيرة في الأزمة الليبية والحرب الدائرة بين الشرق والغرب، فتحت المجال أمام سيناريوهات معقدة، فبعدما كانت الأمور تترنح بين ثلاث مسارات: الاستقرار، استمرار حالة العنف، والتقسيم، فإن معطى التدخل الخارجي وما يحمله من انعكاسات وخيمة قد يمثل منحى جديد في فصول الوضع الأمني المعقد في ليبيا. وعليه، فإن المجال مفتوح أمام ثلاثة اتجاهات بعيدة عن حالة الاستقرار.
الاتجاه الأول: ويتمثل في التدخل العسكري الأجنبي، ويزداد هذا الاتجاه رسوخا في حالة حسم قوات الوفاق في الغرب المعركة لصالحها، الأمر الذي سيدفع الدول الداعمة لحفتر للتدخل خوفا على فقدان مصالحها في ليبيا، وأبرز هذه الدول فرنسا خاصة بعد الفضائح التي ظهرت بدعمها لحفتر، سواء بالقبض على عناصر استخباراتية في الحدود التونسية، أو ما قام به وزير الداخلية الليبي بقطع اتفاقات أمنية كانت قد وقعت مع فرنسا، وفي المقابل، فإن الدول الداعمة لحكومة الوفاق لن ترضى بتقدم حفتر وتحقيق نصر عسكري يحرم أيضا هذا الطرف من مصالحه ويعزّز من احتمالات تدفق المهاجرين إلى الجنوب الأوروبي، وأبرز هذه الدول ايطاليا، وهو ما سيدفع في الأخير جميع الأطراف إلى الجلوس الى طاولة المفاوضات من جديد.
الاتجاه الثاني: ويتمثل في تفعيل الأداة الدبلوماسية وجلوس أطراف الأزمة الى طاولة المفاوضات من جديد، وهو السيناريو الأقرب في نظرنا، وسيبقى حفتر في الشرق ويستمر الوضع في حالة من العنف المنخفض إلى حين توصل الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة الليبية إلى توافق يضمن مصالحها، ويستمر الملف الليبي نحو الإدارة بدل الحل. هذا الاتجاه يعزّزه أيضا زيادة اللقاءات بين هذه الدول، كفرنسا وإيطاليا، لتنسيق المواقف بينها.
الاتجاه الثالث: ويتمثل في سيناريو التقسيم، ولكنه يبقى سيناريو مستبعد نظرا لعدم رغبة الأطراف الدولية في الاتجاه نحو هذا المنحى.