جدّد الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الغاشم على قطاع غزة، مستهدفا مباني وبنى تحتية ومكاتب إعلامية ومدنية، أدت إلى استشهاد عشرات الفلسطينيين وإصابة أزيد من 150 آخرين ، ويمتد الاعتداء الدموي إلى جملة التدابير الاسرائيلية - الامريكية، لتصفية القضية الفلسطينية وتنفيذ ما يسمى صفقة القرن.
أول خطوة قام بها بنيامين نتنياهو، عقب إعادة انتخابه رئيسا لحكومة الكيان الصهيوني، في الأيام القليلة الماضية، قصف سكان غزة المحاصرين العزل.
وبدأ طيران الاحتلال الإسرائيلي، الجمعة، عمليات قصف موسّعة ضربت مباني سكنية للمدنيين ومزارع ومكاتب إدارات إعلامية ومدنية، واستنفر فليق مدرعات على الحدود البرية مع القطاع.
العدوان خلّف كما جرت العادة، شهداء وجرحى، من بينهم أطفال ورضّع ونساء وشيوخ، ودمّر عددا من البنى التحتية الحيوية للفلسطينيين في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة المحاصرة بّرا وبحرا وجوا.
الهجمات الجوية التي ضربت 320 هدفا، زعمت الحكومة الصهيونية أنها لعناصر المقاومة، سجّلت وبُثت على وسائل الإعلام الدولية، بشكل استعراضي، مثلما كان الحال مع عملية اغتيال القيادي في حركة حماس عبر قصف جوي.
وتفتخر إسرائيل، بعمليات الاغتيال وتعتبرها إنجازا كبيرا، بحق أناس عزّل يطالبون بالاستقال ويمارسون حقّهم في الدفاع عن النفس ضد أبشع احتلال في التاريخ المعاصر.
المقاومة الفلسطينية لم تبق مكتوفة الأيدي، وأمطرت مستوطنات الاحتلال بصواريخ، صنعت وطوّرت محليا، أصابت العمق الاسرائيلي وأسقطت 5 إسرائيليين وأصابت 150 آخرين بالهلع والصدمة.
وبعد وساطة مصرية وأممية، عاد الهدوء من جديد إلى القطاع المحاصر، هدوء من المؤكد أنه لن يصمد طويلا.
أخطر شخصين
يجب الاعتراف أن إعادة انتخاب اليميني المتطرّف، بنيامين نتنياهو، على رأس حكومة الكيان الإسرائيلي، كان خبرا سيئا للغاية بالنسبة للفلسطينيين والشرق الأوسط بشكل عام.
فهذا الرجل الدّموي، حصل على عهدة انتخابية ثانية، ليطبّق برنامجه، الذي يقوم على هدف واحد فقط هو: «إنهاء شيء اسمه القضية الفلسطينية».
واللآفت، أن الداخل الإسرائيلي ورغم السجال الانتخابي، لم يظهر أحد من منافسيه القدرة على كبح مخطّطه الذي يفتح باب جهنم على المنطقة، وماعدا بعض كتاب الافتتاحيات بالصحف الاسرئيلية، الذين يحذّرون من انتفاضة ثالثة للشعب الفلسطيني لا يوجد في العالم من يستطيع أن يجبر هذا الدموي على التوقّف.
استمرار نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية هو في الحقيقة استمرار للحلف الثنائي الخطير الذي يشكّله مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد الشعب الفلسطيني، إذ يصر هذان الرجلان على التنفيذ الحرفي لخطة بدأت قبل 2016، كوعود انتخابية في أمريكا، وهاهي تتجسّد تدريجيا.
والهجوم الأخير على قطاع غزة، هو امتداد للاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الاسرائيلي ونقل السفارة الامريكية إليها، وشهر جوان ستعرض «صفقة القرن» التي أعدها صهر ترامب غاريد كوشنر.
وأعلن كوشنر مؤخرا أن الصفقة المزعومة «ستكرّس القدس المحتلة عاصمة للكيان الإسرائيلي ولن تأتي على ذكر حل الدولتين».
وبدأ كوشنر على إعداد ما تمسيه واشنطن «خطة السلام» منذ نحو عامين، ومن المتوقع أن يكشف عنها شهر جوان المقبل.
وتبدو الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب أكثر حرصا على تجسيد الأهداف التاريخية لإسرائيل من الحكومة الاسرائيلية نفسها.
فالرئيس الأمريكي أظهر رغبة شديدة في فرض سياسة الأمر الواقع، ومحو كل مرجعيات القانون الدولي الخاصة بالقضية الفلسطينية.
ولا يتردّد ترامب، في دعم العدوان الإسرائيلي، على غزة في كل مرة، وكتب على تويتر قبل 4 أيام «مرة جديدة، تواجه إسرائيل وابلا من الهجمات الصاروخية القاتلة من جانب حركتي حماس والجهاد الإسلامي، نحن ندعم إسرائيل 100 بالمائة في دفاعها عن مواطنيها».
وأضاف ترامب «لشعب غزة - هذه الأعمال الإرهابية ضد إسرائيل لن تجلب لكم شيئاً سوى المزيد من البؤس. أنهوا العنف واعملوا من أجل السلام - هذا يمكن أن يحدث».
الصفقة المسمومة
تغريدة الرئيس الأمريكي، تكشف ثنياها، الهدف من العدوان الاسرائيلي وجزء من الصفقة المسمومة التي ستطرح خلال أسابيع.
فقد خاطب «شعب غزة»، بينما هو شعب فلسطين، في إشارة إلى التخطيط المحكم لفصل المدينة المحاصرة عن الضفة الغريبة، وتشتيت الفلسطينيين على أرضهم بقوة الحديد والنار.
وعندما يقول «أنهوا العنف وأعملوا من أجل السلام»، فهو يريدهم قبول كل ما يخدم إسرائيل بشروطها وبسياستها، التي من بينها «القطيعة» مع القيادة الفلسطينية برئاسة محمود عباس.
بينما سعت إسرائيل من خلال الهجوم، إلى ليّ ذراع القيادة الفلسطينية، كي تنهي سلطتها الشرعية على قطاع غزة، والإذعان لضغوط «إدخال الأموال».
وسبق للحكومة الاسرائيلية أن سهلت إدخال مبالغ مالية معتبرة لدفع رواتب الموظفين في قطاع غزة، في خطوة لتأجيج الصراع بين الرئاسة الفلسطينية وحركة حماس.
وصرّحت الخارجية الفلسطينية معلقة على العدوان « شد الحبال» الهادفة إلى تكريس فصل القطاع عن الضفة الغربية بما فيها القدس، وابتزاز الطرف الفلسطيني لتحسين شروطه لفرض تهدئة طويلة المدى وبضمانات توفّر الأمن للمستوطنات في غلاف غزة دون أن تضطر دولة الاحتلال لدفع الأثمان المطلوبة».
وقالت أن نتنياهو، «من جهة أعطى الضوء الأخضر لضربة قوية، ومن جهة أخرى يتحدّث عن جاهزية اسرائيل لإدخال الأموال الى القطاع، في سباق مع الزمن ومحاولة قد تكون الأخيرة لإعادة ترتيب الأوراق وإلزام جميع الأطراف الفلسطينية في القطاع بالتفاهمات مع الجانب الاسرائيلي».