لا تعتزم القوات التي يقودها المشير خليفة حفتر، وقف هجومها على العاصمة الليبية، ولا تفكّر أبدا القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني في الاستسلام وتسليم العاصمة طرابلس. وفي الوقت الذي يكتفي فيه المجتمع الدولي بدور المتفرّج، تظلّ المعركة مفتوحة على جميع الاحتمالات.
في الرابع أفريل الجاري، باغت حفتر الجميع، وأعلن عملية عسكرية ضخمة لاكتساح العاصمة طرابلس، ومنها السيطرة بالكامل على كامل التراب الليبي.
الخطوة الخطيرة لمن نصّب قائد لما سمي الجيش الليبي، المتحكّم شرق وجنوب ليبيا، جاءت لفرض سلطة الأمر الواقع، والاستحواذ على القيادة وليس توحيدها، بالإخضاع بدل الحوار أو التفاوض.
لقد مزّق حفتر، خارطة طريق الأمم المتحدة للتسوية السياسية، وأفشل انعقاد مؤتمر وطني جامع، طال انتظاره وكان مقرّرا مابين 14 و16 من الشهر الجاري.
وسبق لحفتر، أن اعتبر قبل 3 سنوات، أن الجلوس مع المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا برناردينوليون، «مضيعة للوقت»، ولا يستبعد أنه بات ينظر بنفس النظرة للمبعوث الحالي غسان سلامة، إذ لا يرى فيه «سوى كاتب تقارير لمجلس الأمن الدولي، يقيّم فيها الوضع العام في البلد بشكل دوري».
ولا يوجد ما يفسّر، إعلان الهجوم على طرابلس، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس، متواجد بها وبصدد الأجوبة على الصحفيين، سوى أنه يستند إلى قوّة أكبر من منظمة الأمم المتحدة التي يعتبرها مجرّد سكريتاريا تابعة لمجلس الأمن الدولي.
توفير الغطاء؟
وفي معظم المناطق التي سيطر عليها الجيش الليبي، وضعت صور عملاقة للمشير خليفة حفتر في لوحات إشهارية موزّعة على الطرقات.
ويفهم من ذلك أن المشير، مهتم بصناعة صورة دعائية لنفسه «كزعيم للبلاد»، بشكل يتجاوز دوره كقائد للجيش، معين من قبل مجلس النواب الليبي الذي يكتسب الشرعية الدولية.
لقد قدم حفتر نفسه لشركاء ليبيا الدوليين، على أنه «قاهر الإرهاب»، غير «المتسامح مع التطرّف»، ولا يتفاوض مع أية جماعة أو تيار إسلاموي حتى ولو كان معتدلا.
وأظهر هذا العسكري، أنه يحسن التفاوض مع القوى الدولية الكبرى، إذ أبدى استعداده للتعامل معها جميعا رغم التنافس فيما بينها، شريطة توفير الغطاء والدعم بأي طريقة كانت.
آخر فرصة؟
عندما قرّر حفتر اجتياح طرابلس، فعل ذلك بطريقة استعراضية تحدى فيها الأمم المتحدة، وقال أنه «سيسيطر على العاصمة في ظرف 48 ساعة».
لكن الطريق نحو هذا الهدف، ظهر أنه مفخّخ بألغام ضخمة، إذ تلقى رد فعل عنيف من قبل القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، بل وبات هدفا لعملية «بركان الغضب».
ودخلت معركة طرابلس يومها الخامس عشر، دون أن يسيطر حفتر على منطقة صغيرة بشكل نهائي.
وقد اتبعت، القوات الموالية للوفاق أسلوب حرب العصابات والتراجع التكتيكي والقيام بهجمات مباغتة بغطاء الطيران الحربي، ما جعل نجاح هجوم الجيش الليبي في غاية الصعوبة، إذ لم يكن فاشلا أصلا.
وكلما تأخّر دخول الجيش الليبي إلى العاصمة، كلما وضع حفتر وداعميه الدوليين في موقف محرج للغاية، خاصة بعد توثيق الأمم المتحدة سقوط ضحايا مدنيين، وقصف أحياء سكنية في قرب محيط المطار القديم.
وحتى من ناحية موازين القوى بين الفريقين المتقاتلين، لا يختلف جيش حفتر عن قوات الوفاق، فتركيبتهما من مليشيات تتقن حرب الشوارع والقتال في المساحات المفتوحة، وتمرّست على ذلك منذ سنة 2011.
كل هذه العوامل، مع ازدياد الضغط الدولي بفعل الفوضى الحاصلة جراء الهجوم، قد تجعل من الهجوم على طرابلس آخر فرصة، للمشير حفتر ليكون «زعيم ليبيا الأول و»الرجل القوي الذي يمكن أن تراهن عليه القوى الدولية الداعمة له».
ضغط النفط والوقت
ومع استمرار القتال وارتفاع عدد القتلى والجرحى ووجود آلاف النازحين وتحذيرات منظمة الصحة العالمية من كوارث وبائية، لم يبق أمام حفتر متسّع من الوقت لإنهاء ما بدأه، فإما التراجع إلى المواقع السابقة أو الاستمرار في عملية عبثية تفاقم الأزمة وتعيدها إلى نقطة الصفر.
معركة طرابلس ستزيد الضغط على الفاعلين الأساسيين في المشهد الليبي من الخارج، والذين اكتفوا لحدّ الآن ببيانات مطالبة حفتر بالوقف الفوري للعملية.
الأمم المتحدة تتحمّل المسؤولية الأخلاقية والدولية، على تدخّل الناتو في ليبيا سنة 2011، وما تبع ذلك من انتشار السلاح وظهور المليشيات وأمراء الحرب، وتتضاعف مسؤوليتها اليوم أكثر من أي وقت مضى، إذا ما عجزت عن تحقيق تسوية سياسية في أقرب الآجال والاكتفاء بمشاهدة طرف يهاجم آخر بالأسلحة.
وكلما تأخّر حسم المعركة، كلما زاد حرج الداعمين لحفتر، بسبب التداعيات الإنسانية والاقتصادية للهجوم.
ومن هذه التداعيات، ارتفاع أسعار النفط، إلى ما فوق الـ70 دولار للبرميل الواحد، ورشّحت منظمات نفطية متخصّصة، أن تحدث قفزة نوعية في السعر إذا ما طالت المعركة، وستأخذ وقتا طويلا لتعاود الهبوط.
ومن أشدّ الرافضين لارتفاع أسعار النفط، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي مارس ضغوطا كبيرة على منظمة الأوبك، ورمى بثقل الدبلوماسية الأمريكية كله على شركاء دوليين من أجل تعويض حصة إيران في الأسواق الدولية، بعدما أعاد فرض العقوبات الاقتصادية عليها، لتفادي ارتفاع الأسعار.
ومن هذا المنطلق، يفهم موقف الولايات المتحدة الأمريكية، من عملية حفتر، عندما أبلغته عن طريق وزير الخارجية مايك بومبيو، «أنها لا تدعمه»، وإذا ما استمرت أسعار النفط في الارتفاع فستنتقل إلى لهجة أشد، يفهم من خلالها «أنه مجبر على التراجع».
انتعاش التهديدات
والمستفيد الأكبر، من معركة طرابلس، هم تجار الأسلحة والجماعات الإرهابية التي ستعاود الخروج من جحورها مندسّة وسط فوضى حرب المليشيات.
وحرب المليشيات، من أكبر العوامل المساعدة على انتعاش تجارة الأسلحة الخفيفة والنصف ثقيلة، إذ تتولى الشبكات المتخصّصة، عملية توفيرها على حساب أمن دول الجوار.
وصرّح رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، أن المستفيد الأكبر من هجوم حفتر على طرابلس هي الجماعات الإرهابية التي هزمت وتراجعت في وقت سابق.
ومع طول مدة المعارك، يجب انتظار توافد الأخبار السيئة القادمة من ليبيا، لأن الوضع حينهما سيكون مفتوحا على عدة احتمالات.