الباحث الجامعي رابح زاوي لـ « الشعب»:

المصالح الجيوسياسية والأطماع تظل دائما المحرك الأساسي لأي تدخل خارجي

حوار: فضيلة دفوس

دفع التدخلات الخارجية يمرّ عبر تقوية مؤسسات الدولة وخلق جبهة داخلية قوية

امتلاك سياسة خارجية نشطة وفعالة يسمح للدول بالدفاع عن مواقفها أوقات الأزمات

الوضع في الجزائر يسير نحوإيجاد مخرج فعّال للأزمة الراهنة

توقف السيد زاوي رابح، أستاذ وباحث جامعي في العلوم السياسية بجامعة مولود معمري بتيزي وزو في حديثه مع «الشعب»، عند ظاهرة التدخّلات الخارجية في شؤون الدول وما يمكن أن تثيره من تداعيات خاصة أثناء الأزمات، كما حاول قراءة مسار الحراك الذي تشهده الجزائر، وأبدى تفاؤله بقرب الوصول الى مخرج حيث قال: «بالنظر إلى التلاحم الموجود بين الشعب بكافة أطيافه ومؤسسة الجيش والأمن الوطني، وسلمية التفاعل الموجود، فالوضع يسير وبخطى ثابتة نحوإيجاد مخرج فعال لحل الأزمة الراهنة خاصة - كما أضاف - أن كل الأطراف يهمها الحفاظ على المكتسبات الموجودة، وعلى مؤسسات الدولة القائمة، مشيدا بحماس شريحة الشباب الواسعة، التي يمكن التعويل عليها في عملية استكمال مسار البناء مستقبلا».


«الشعب» علمتنا التجارب أن الأزمات السياسية تبدأ صغيرة ولا تكبر إلا بفعل التدخلات الخارجية التي تعمل على تعقيدها وفي بعض الحالات تحوّلها إلى كتلة من نار وحرب مدمرة فما تعليقكم؟

رابح زاوي: صحيح، من الضروري هنا الإشارة إلى نقطة هامة، وهي تلك المتعلقة بأن الدولة الوطنية في العصر الحديث تعاني عدة أزمات كان لها تأثير مباشر على مكانتها وديمومتها وحتى على علاقتها مع محيطها، من الصعب جدا على أي دولة أن تعيش بمعزل عن المحيط الجيوسياسي الذي تتواجد فيه، فلا هي قادرة على الانعزال ولا تستطيع الحفاظ على سيادتها الكاملة بالنظر إلى التحديات الراهنة، لهذا في اعتقادي أن أية أزمة سياسية داخلية تعرفها الدولة هي بمثابة امتحان حقيقي للدولة ومؤسساتها، وللشعب الذي يعتبر ركيزة أساسية في تنظيمها ووجودها، لهذا كلما كان هناك اتفاق واضح المعالم بين الدولة ومؤسساتها مع الشعب على أن أي أزمة لها حل وأي حل يجب أن يضع الحفاظ على استمرارية الدولة على سلم الأولويات.
أما ما تعلق بالشق الثاني والخاص بمسألة التدخلات الخارجية، هنا في اعتقادي يجب أن ندرك دائما أن المصالح الجيوسياسية والأطماع الخارجية تظل دائما المحرك الأساسي لأي تدخل خارجي، وعندما نقول تدخل خارجي لا يجب ان يقتصر في أذهاننا على مسألة التدخل العسكري الذي يعتبر أعلى درجات التدخل، بل يمكن كذلك أن يشمل على التدخل السياسي من خلال محاولة توجيه مخرجات الازمة السياسية بالشكل الذي يرضي تلك الأطراف، أومن خلال التدخل الإقتصادي الذي بإمكانه التأثير ليس فقط على النشاط الإقتصادي وإنما هوتحدي لمكانة الدولة في الإقتصاد العالمي، كما لا يفوتنا هنا أن نشير إلى مسألة التدخل الدبلوماسي الذي يعلب حاليا دورا كبيرا في التأثير على توجهات الدولة الخارجية وممارسة الضغط عليها في المحافل الدولية.
لهذا يمكن القول أن الأزمات الداخلية التي تعرفها الدول ظاهرة صحية لتفاعل الشعب مع الأنظمة السياسية القائمة، وكلما وجدت طريقها للحل بما يحقق للدولة إستمراريتها كلما كبح هذا التدخل الخارجي ومنع تطور الأزمة لتأخذ أبعادا أخرى، ولعل أبرز مثال على ذلك نجد الحالتين السورية والليبية، فكلاهما كان في امكانهما تفادي التدخل العسكري بالصورة التي قضت على مقومات ومعالم الدولة وجعلت من امكانية اعادة بنائها مسألة تأخذ من الوقت والجهد والإمكانات الشيء الكثير.

من الصعب الفصل بين محيط الدولة الداخلي والخارجي

- مبررات كثيرة تسوقها الجهات الخارجية للتدخل قصد تأجيج أزمة دولة معينة، تارة باسم الدفاع عن الديمقراطية وطورا لمحاربة الأنظمة الديكتاتورية، فمن أين تستمد هذه الجهات شرعية التدخل في شؤون الآخرين؟ وهل من حقها التدخل أساسا؟
 
  أعتقد أنه من الصواب الإجابة عن الشق الثاني من السؤال، والمتعلق بمدى شرعية التدخل، أكيد أن الإجابة هي لا، لا يحق لأية دولة التدخل في شؤون الدول الأخرى بالطريقة التي تؤثر عليها وعلى وظائفها، ولكن ما يحصل حاليا وتقريبا منذ نهاية الحرب الباردة، هوأن النظام العالمي الجديد الذي ترأسه الولايات المتحدة الأمريكية جعل الدول تعيش في محيط جيوسياسي يجعل من الصعب جدا الفصل بين محيطها الداخلي والخارجي، وهوما جعل وظائف الدول تتآكل مع مرور الوقت وجعل سيادتها تتراجع لصالح فواعل جديدة، وهنا نذكر على سبيل المثال الشركات المتعددة الجنسيات، البنك العالمي، صندوق النقد الدولي، دون أن ننسى المنظمات الدولية غير الحكومية، كلها فواعل جديدة تتفاعل في النظام الدولي بالطريقة التي يسلب من الدولة حيزها ومجالها الحقيقي.
أما بالنسبة للمبررات التي تسوقها تلك الفواعل على غرار الدفاع عن الأنظمة الديمقراطية ومحاربة الأنظمة الدكتاتورية وحماية الأقليات، هي كلها مبررات وفقط، ولا يعني الإستناد عليها إطلاقا أنها على حق أوأن ذلك يمنحها الأفضلية والأحقية في القيام بذلك، هنا نشير مثلا إلى تدخل حلف شمال الاطلسي في ليبيا، ألم يكن هذا التدخل تحت غطاء أممي وبمباركة الأمم المتحدة وبعد استصدار قرار أممي باسم حماية الأهالي والسكان، لكن ما هي النتيجة؟، هي اسقاط نظام كامل ودفع دولة إلى حافة الفشل الدولاتي، بل أكثر من ذلك التأسيس لواقع جديد على أساس عرقي وطائفي. من جهة أخرى يمكن الإشارة إلى التدخل بإسم الديمقراطية في هايتي مثلا من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، ونضيف لها تدخلها الأخير في فنزويلا.
في اعتقادنا، يجب دائما النظر إلى الهدف الحقيقي القائم وراء أي تدخل خارجي في أية أزمة سياسية داخلية، وفي أي منطقة، إلى الدوافع الحقيقية، إلى المصالح الموجودة، إلى ما تمثله تلك الدولة من مكانة في محيطها الجيوسياسي، إلى ما تمثله من قيمة في محيطها من أنماط الصداقة أوالعداوة، هذا كله يجعل باقي المبررات المسوغة تسقط بمجرد فهم ذلك.

شبكات التواصل الاجتماعي تعطي أبعادا دولية للأزمات

- تدويل الأزمات أصبح أمرا أكثر سهولة بفعل وسائل الإعلام الحديثة، فمنصّات التواصل الاجتماعي تكون في بعض الأحيان كمنصّات لإطلاق الصواريخ المدمرة، ما قولكم؟
 
  صحيح، من الصّعب جدا ربما في الوقت الراهن عدم الإعتراف بالمكانة الحقيقية لمنصّات التواصل الإجتماعي في عالم اليوم، هي في حقيقة الأمر جعلت عملية تبادل البيانات والمعلومات تسير بتدفق عال جدا، يجعل من الصعب التحكم فيها، التدقيق في هوية ناشريها، من جهة، ومن جهة أخرى يجب أن نشير إلى الشريحة الواسعة التي تتفاعل معها، وهي بالملايين اليوم.
اعتقد أننا هنا لا يجب أن نشير فقط إلى مسألة التدويل لأنها مسألة لها شق سياسي وآخر خاضع للتداول في الخارج، لكن أؤمن أن هذه المواقع ساهمت بشكل كبير جدا في إعطاء أبعاد دولية للأزمات المطروحة، ونقل عملية التفاعل مع تطوراتها من المستوى الداخلي إلى المستوى الدولي. كما يبرز هنا عامل آخر متعلق بالبيانات الحقيقية المتداولة حول حقيقة تلك الازمات، وأبرز مثال يمكن ذكره هنا هوحادثة الهجومات الكيماوية التي اتهم بها النظام السوري، وهوالأمر الذي انعكس على تصاعد حدة الضغط على النظام في دمشق وتزايد التفاعل مع الشعب السوري إن صحّ القول.

الوحدة .. جدار في وجه أي تدخل خارجي

-  هل هناك وسائل وطرق يمكن نهجها لمنع التدخلات الخارجية؟
 
  لا أعتقد بوجود وصفة جاهزة يمكن الإعتماد عليها في مسألة دفع التدخلات الخارحية، إنما هناك مسار متكامل يجب بناؤه، بدءا من تقوية مؤسسات الدولة، وتدعيم المجتمع المدني بالشكل الذي يخلق جبهة داخلية قوية مستعدة للدفاع عن الدولة وثوابتها، دون أن ننسى أيضا امتلاك الدولة لسياسة خارجية نشطة وفعالة وحضورا دائما في المنظمات الدولية بالشكل الذي يسمح لها بالدفاع عن مواقفها، كما أن العامل الإقتصادي في اعتقادنا يلعب دورا هاما في هذا الجانب.

- الشباب الجزائري الذي يقود حراكا من أجل التغيير مدرك جيدا لمخاطر تدويل أي أزمة داخلية لهذا فهوقد رفع جدارا منيعا ضد التدخلات الخارجية، فما تعليقكم؟
 
  أكيد، من حق الجزائر أن تفخر بشبابها، الشباب الجزائري أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه مدرك بشكل كبير أهمية النضال السلمي والاحتجاج الراقي، كما انه مدرك لأهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة، وهي مؤسسات منه وإليه، دون أن نغفل هنا التلاحم الشعبي الكبير بين مختلف أطياف المجتمع، ورفعهم لمطالب تعكس وعيهم ورغبتهم في المساهمة في مسار بناء الجزائر التي ينشدونها.
 أما ما تعلق بإدراك الشباب لمخاطر التدويل، هوأمر بدا واضحا جدا ومنذ اليوم الأول من خلال رفضهم للتشبيهات التي حاولت بعض الأطراف تسويقها للحراك الشعبي القائم بالنماذج الأخرى، هوحراك يعكس ظاهرة صحية للمجتمع الجزائري، والدليل هواللافتات التي يرفعها الشباب عاليا، منددين بأي تدخل خارجي في الشأن الداخلي، وتأكيدهم على التلاحم بين الشعب ومؤسسة الجيش والأمن الوطني.

نحوإيجاد مخرج فعال للأزمة الراهنة

- حتى الآن المواقف الخارجية من الحراك في الجزائر ملتزمة بمبدأ عدم التدخل الذي هوعقيدة الجزائر في الأساس، ما قولكم ؟

 لا أحد قادر على تلقين الشعب الجزائري قيم الحرية والاستقلال، لأنهم من أكثر الشعوب التي ناضلت في سبيل تحقيق ذلك، بل ودفعت الغالي والنفيس، لهذا نحن ندرك قيمة الحرية وقيمة العيش بسلام، وتبنينا لخيار عدم التدخل هومن قبيل خياراتنا التي نفخر دائما بالدفاع عنها، وقد أثبتت العديد من الأزمات أن الموقف الجزائري القاضي بعدم التدخل هوموقف صحيح والدليل هوعودة الأطراف المتنازعة في آخر المطاف للموقف الجزائري، مثلما حدث في ليبيا، في مالي، وغيرها من المواقف التي عبرت عنها الجزائر وبثبات كبير جدا. هل أدرك الخارج هذا؟، اعتقد أن الرسالة قد وصلت ومنذ فترة طويلة والدليل هوأن ما صدر إلى غاية الآن هوعبارة عن بيانات تشيد بالمسار السلمي للحراك والتظاهر، بل إن أغلب المجلات والصحف العالمية نقلت تلك المشاهد الإيجابية للحراك، مثلما حدث ويحدث أيضا على مواقع التواصل الاجتماعي.

- ما هوتصوركم لمنحى الوضع في الجزائر؟
 
  بالنظر إلى التلاحم الموجود والذي أشرت إليه بين الشعب بكافة أطيافه ومؤسسة الجيش والأمن الوطني، دون أن نغفل مسألة السلمية في التفاعل الموجود، أعتقد أن الوضع يسير وبخطى ثابتة لإيجاد مخرج فعال لحل الأزمة الراهنة، كل الأطراف التي ذكرتها يهمها الحفاظ على المكتسبات الموجودة، يهمها الحفاظ على مؤسسات الدولة القائمة، وأمر إيجابي بحسب اعتقادي، ويمكن أن نضيف هنا عنصر هاما والمتمثل في حماس الشباب الشريحة الواسعة، والتي يمكن التعويل عليها في عملية استكمال مسار الدولة مستقبلا.

كلمة أخيرة

شكرا لجريدة «الشعب»، ونتمنى كل الخير للبلاد وللشعب الجزائري، المجد والخلود للشهداء الأبرار.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024