د. بن صايم بونوار، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة تلمسان لـ «الشعب»:

مؤشرات قوية لنجاح «جنيف 2» في تفعيل الحل السّلمي للنزاع الصحراوي

حوار: فضيلة دفوس

تقف جريدة «الشعب» في حوارها، اليوم، مع الدكتور بن صايم بونوار، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة تلمسان، عند آخر تطورات القضية الصحراوية، وتحدد جولة المفاوضات الجديدة المزمع عقدها يومي 21 و22 مارس الجاري، بجنيف، بين جبهة البوليساريووالمغرب بحضور الجزائر وموريتانيا كطرفين ملاحظين، وذلك تحت إشراف المبعوث الاممي الى الصحراء الغربية هورست كوهلر.
الحوار يبحث في حظوظ نجاح المائدة المستديرة الثانية القادمة خاصة مع تصريحات االطرف المغربي الذي يصرّ على رفض مناقشة تقرير المصير ويتمسّك بالحل أحادي الجانب الذي فصّله على مقاسه خارج إطار الأمم المتحدة، مع أن هذه الأخيرة تؤكّد بأن جولة المفاوضات الجديدة يجب ان تجري دون شروط مسبقة، وأن الحل يجب أن ينبثق عن اتفاق طرفي النّزاع.

 «الشعب» من المزمع عقد جولة ثانية من المحادثات بين جبهة البوليساريووالمغرب في 21 و22  مارس الجاري بجنيف، ما توّقعكم بشأن هذه الجولة، وهل يمكن ان تشهد تقدما في مسار السلام؟
د. بن صايم بونوار: رغم أن إحراز تقدم في الملف الصحراوي صعب في الوقت الراهن  نسبة إلى ما أظهرته جبهة البوليساريو والمغرب في الجولة الأولى من تمسّك بخيارات مبدئية يصعب المساومة بشأنها، فالأمل يبقى قائما بإمكانية نجاح الجهود التي يبدلها المبعوث الاممي هورست كوهلر في تجاوز العراقيل التي لازالت تعترض مسار السلام في الصحراء الغربية مع العلم أن موقف البوليساريو في المائدة المستديرة الأولى التي انعقدت في ديسمبر الفارط، كان متناعما الى أقصى الحدود مع الشرعية الأممية والقرارات الدولية ذات الصلة بالمسألة الصحراوية.  
 الأمم المتحدة التي ترعى المفاوضات، تشدّد على أنها يجب ان تتمّ دون شروط مسبقة، لكننا للأسف الشديد، نرى المغرب يصرّ على وضع العقدة في المنشار، ويؤكد أنه لن يتفاوض إلاّ على الحلّ الأحادي الجانب الذي فصّله على مقاسه، فما تعليقكم؟
مشكلة عملية التفاوض في الوقت الراهن أننا أمام مأزق غريب يجسّده الطرف المغربي، فبينما  تصرّ المنظومة الأممية على طرح كل البدائل والمخارج للتفاوض بغية تفعيل الحل السياسي والتحدث بشأن كل المقترحات، تقبلت جبهة البوليساريو نسق الأمم المتحدة من حيث أنها قدمت الى جنيف دون شروط مسبقة بنية التفاوض على حل ينهي النزاع، بينما لا يتقبل الطرف المغربي  مناقشة خيار استفتاء تقرير المصير وهوالخيار الأصل والرئيسي والقانوني والسياسي للقضية مقابل إدراج خيار «الحكم الذاتي» المستحدث والذي لا يشكّل مخرجا يحظى بقبول دولي، فالمغرب إذن يريد تنازلات صحراوية دون مقابل.
 أليس للأمم المتحدة أوراق ضغط تمكّنها من جعل الطرف المغربي يحضر الى جنيف لبحث تطبيق استفتاء تقرير مصير الصحراويين ؟
للأسف الشديد، لا تتمتّع المنظومة الأممية بعناصر القوة التي تجعلها تفرض الحلول على الأطراف المتنازعة في العالم وليس فقط في النزاع الصحراوي، ويرجع الأمر أيضا لحدود صلاحياتها، كما أنها تقع رهينة مصالح القوى الكبرى العضوة، وجوهر قوتها ذوطبيعة أخلاقية، يتمثّل في شرعية القانون الدولي وأعراف السياسة الدولية، وما عدا مبادئ القانون والسياسة لا يمكنها استخدام أوراق ضغط أخرى.
 هل بإمكان الموقف الامريكي الداعم لحل عادل للقضية الصحراوية ان يحدث الفارق هذه المرة ويضغط باتجاه تسوية سريعة يتّفق عليها طرفا النزاع؟
الموقف الأمريكي يمكن أن يكون فارقا في طريق الحل النهائي للقضية الصحراوية، وكلمته وازنة عند صناع القرار في المملكة المغربية مع أنه لفرنسا وإسبانيا المسؤولية والدور الرئيسيين، هل بالفعل يمكن الرهان على المواقف الأمريكية تجاه النزاع ؟ أعتقد أن المسؤولية الأخلاقية الكبيرة تقع على الولايات المتحدة، لأن مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها هومبدأ لطالما دافعت عنه سياستها الخارجية، وهومبدأ اشتهر ضمن المبادئ الأربعة عشر للرئيس الأمريكي السابق وودروويلسون، والذي تمّ عبره صياغة عالم ما بعد الإستعمار. ومؤخرا أظهرت الإدارة الامريكية مواقف تدعم  مسار الحل في الصحراء الغربية وبالخصوص تقرير المصير.  
  على ذكر الموقف الأمريكي، ما قراءتكم لقرار الولايات المتحدة المتعلق بالمساعدات المالية المقدمة إلى المغرب والذي جاء بصياغة جديدة عن القرار السابق لسنة 2018، بحيث لم يعطِ أية إشارة بشأن مقترح الحكم الذاتي المغربي، أومسألة دعم الاستثمار في الصحراء الغربية المحتلة ؟
لقد عبّر الموقف الأمريكي حاليا على وقوفه إلى جانب الشرعية الدولية مدعوما بقرارات الهيئات القضائية الدولية (لا سيما الأوروبية) حول عدم شرعية استغلال الموارد والإمكانات الاقتصادية في الصحراء الغربية من طرف المغرب، وهذا في حدّ ذاته يشكّل دفعا لمسار الحل، وتأكيدا على أن  الإقليم الصحراوي مازال من الأقاليم الخاضعة للاستعمار والمعنية بتقرير المصير.
 الجولة الثانية من محادثات جنيف تأتي في ظل تحول هام في النزاع الصحراوي-المغربي، الذي أصبح يحظى باهتمام القوى العظمى، وهوما تجسده الزيارة الأخيرة لوفد عن البرلمان والكونغرس الأمريكيين إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين ولقاء الرئيس الصحراوي ما تعليقكم؟
لم تكفّ قضية الصحراء الغربية من استقطاب الإهتمام العالمي في مستويات متعدّدة: الرأي العام العالمي، شخصيات اعتبارية دولية، تنظيمات المجتمع المدني العالمي، أحزاب سياسية، المؤسسات التشريعية للقوى الكبرى وغيرها من آليات عمل الدبلوماسية العمومية، لكن الأمر يختلف لما يتعلق الأمر بمواقف السلطات التنفيذية لهذه الدول، وهذا راجع أساسا في تقديري إلى اختلاف كيفية مقاربة المصالح الوطنية لهذه الدول، وهوأمر يتوجّب على طرفي النزاع إدراكه، إن عملية كسب التأييد الدولي لا يجب أن تتحوّل إلى عملية ابتزاز تقدّم بموجبه أطراف النزاع تنازلات سيادية للقوى الكبرى.
فشل ذريع يواجه المغرب في التأثير على موقع ومكانة الجمهورية الصحراوية داخل الاتحاد الأفريقي، وموقف الأخير الثابت من النزاع في الصحراء الغربية، الذي تعزز بإنشاء آلية ’’تورويكا‘‘ من أجل مرافقة الأمم المتحدة في مساعيها لتصفية الإستعمار من الصحراء الغربية ؟
لقد طمح المغرب بانضمامه مجددا الى المنظومة الإفريقية أن ينقل المعركة إلى داخل مؤسسات الإتحاد الإفريقي، وأن يحدث شرخا في العمل الإفريقي-الإفريقي، بشكل يسهّل عليه تجاوز استفتاء تقرير المصير وفرض الحكم الذاتي؛ لكنه يصطدم الآن بواقع آخر، فالدول الإفريقية في معظمها نالت استقلالها بعد حروب تحرير مريرة وعنيفة تكلّلت باستفتاء تقرير المصير، والجزائر أبرز هذه الدول وستحتفل قريبا بعيد النصر، بينما نال المغرب استقلاله عبر تجربة تاريخية مختلفة، وأيضا لأن المساس بمبدأ الحدود الموروثة عن الإستعمار قد يجرّ القارة بأسرها إلى عدد كبير من النزاعات والحروب، هذه المبادئ التي تسير عليها منظومة العمل الإفريقي هي التي شكّلت ولا تزال دعامة ضمان الأمن والسلم والإستقرار في إفريقيا.
 أكيد ان المغرب الذي نراه يتطاول على الشرعية الدولية يستقوي بأطراف تحميه مقابل مشاركته نهب ثروات الإقليم المحتل، ففي ظل هذا التواطؤ من ينصف الصحراويين ؟
يستفيد المغرب من علاقات قوية مع القوى الغربية، ومن دعم بالمال والإستثمار من بعض الدول العربية، كما يستفيد من تجارب بعض الكيانات في عمل اللوبيهات ووسائل الضغط الدولي وكسب الحلفاء، وبغض النظر عن مآلات مثل هذه السياسات، فإنها تترك خيارين رئيسيين للطرف الصحراوي: العدالة عن طريق القانون، أوالعدالة عن طريق القوة، والجزائر وموريتانيا حريصتان باعتبارهما دولتين ملاحظتين على تبني خيار السلم والقانون، وتفادي انزلاق الحلول إلى النزعة العسكرية. عن طريق القانون، أوالعدالة عن طريق القوة، والجزائر وموريتانيا حريصتان باعتبارهما دولتين ملاحظتين على تبني خيار السلم والقانون، وتفادي انزلاق الحلول إلى النزعة العسكرية.
على ذكر التواطؤ الدولي مع الاحتلال المغربي، ما قراءتكم للاتفاق الموقع بين المغرب والاتحاد الأوروبي، ولماذا لم نسجّل استنكارا من المجموعة الدولية؟
كما سبق لي وأن أشرت، فإن لعبة المصالح الدولية أقوى مفسّر لسياسات القوى الكبرى، وهي أساس قراءة الإتفاقات المختلفة الموقعة بين المغرب والإتحاد الأوربي لاسيما المتعلقة منها بالصيد البحري والثروات الباطنية، وعلى الرغم من عدم شرعيتها من الناحية القانونية، فإن المجموعة الغربية لا يهمها في المحصلة سوى تحقيق مصالحها ورفاه مواطنيها، ولوعلى حساب بؤس وشقاء الصحراويين.
 الصحراويون يدركون جيّدا بأن معركتهم صعبة، لكنّهم عازمون على المقاومة والصمود الى غاية النصر، فما قولكم؟
 إن قضيتهم قضية مبدأ، وهي إلى غاية الساعة قضية وجود وبقاء، وهي أيضا قضية لطالما اعتبرتها المجموعة الدولية هامشية في منحنيات الصراعات العالمية، وهي ضد حليف استراتيجي للغرب، لذلك أمكن القول بأن الصحراويين يعيشون وضعا حرجا جدّا في ظل مواجهتهم جبهة واسعة من المصالح المتشابكة، وفي ظل حرمانهم من مواردهم وثرواتهم، وفي ظل تمسّكهم بالعمل السياسي السلمي؛ إنها فعلا معركة صعبة لكنها ليست مستحيلة، وقد أحسنت حين قسّمت مراحل القضيّة إلى ثلاث: مقاومة، فصمود فانتصار، يعيش الشعب الصحراوي الآن فترة الصمود في مواجهة الهجمة الشرسة التي تستهدف حقوقه وثرواته ووجوده، وسيتبعها حتما انتصاره، فقط نتمنّى أن لا يكون ذلك باستخدام القوة العسكرية، وأن يتمّ التمسّك دوما بالآليات السياسية والقانونية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024