تسجل النساء دائما، حضورهن في كافة الأحداث الدولية، سواء كانت مآسي أو انجازات، إذ يخلّدهن التاريخ كضحايا نزاعات وأزمات، أو كقائدات ملهمات يصنعن تقدم الأمم، ويبرزن كدليل على وحشية المجتمع أحيانا وكشعاع على تحضّره أحيانا أخرى.
تمثل المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، نموذجا للمرأة القائدة والملهمة، فهي تصنع الرفاه لشعبها وتضمن لبلدها التفوق الاقتصادي على الصعيدين الأوروبي والعالمي، وتثبت مكانته إلى جانب الخمسة الكبار، حتى وصلت السنة المنصرمة إلى مطالبة فرنسا بالتنازل عن مقعدها الدائم في مجلس الأمن لصالح أوروبا، وهي تترأس حاليا مناصفة مع باريس هذه الهيئة التنفيذية الدولية، لعهدة كاملة.
في جنوب المتوسط، تمثل آلاف الإفريقيات نموذجا للمرأة المضطهدة، الفارة من عنف تختلف أنواعه، أملا في حياة أفضل، لكنها تتعرض لأبشع أنواع المعاناة في طرق الهجرة غير الشرعية، وفي مراكز تجميع المهاجرين إلى أن تهلك في عرض البحر الأبيض المتوسط.
في كل مناطق النزاعات تسجل النساء في قوائم طويلة، لضحايا الإرهاب كسبايا أو مغرر بهن إلى جانب جماعات الدمويين، وكقصص حية تحكي أبشع أنواع الاقتتال الداخلي، مثلما هو حاصل في سوريا، اليمن، الصومال وغيرها.
المرأة الإفريقية تتقدّم
تختلف أوضاع النساء من بلد إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، باختلاف المناخات السياسية، إذ تتعزز مكانة المرأة وتتطور وفقا لتوفر عديد العوامل، على غرار الديمقراطية، الحريات الفردية والجماعية، وفوق ذلك وجود إرادة سياسية قوية تضمن تجاوز التفاوت الحاصل بين الجنسين. ويلعب الاستقرار السياسي، دورا محوريا في تحديد تقمص المرأة لأدوار مهمة داخل كل دولة.
ففي القارة الإفريقية لا تعاني البلدان من أي عقدة أو مركب نقص تجاه تقليد النساء مسؤوليات عليا، حيث ترأست إلين جونسون سيرليف جمهورية ليبريا وكاثرين بانتزا جمهورية إفريقيا الوسطى لمرحلة انتقالية، لكن بصمتهن لم تبرز بالشكل الكبير بسبب الصعوبات المعقدة التي واجهتهن كالتقلبات السياسية والنزاعات المسلحة والاقتصاد المتهاوي، ومع ذلك يبقى وصولهن للمنصب أمرا في غاية الإيجابية.
فيما قادت الدبلوماسية الجنوب إفريقية نكوسازانا دلاميني زوما مفوضية الاتحاد الإفريقي، لعهدتين، وعملت على حل أزمات كبرى عرفتها دول مثل مالي، السودان، الكونغو الديمقراطية وبحيرة التشاد أين أحدثت جماعة بوكو حرام الإرهابية رعبا ومجازر بشعة.
ووجهت إفريقيا رسالة إلى العالم مفادها، أنها تقدر عاليا دور المرأة الإفريقية في الحياة السياسية، وأنها جزء من يوميات الشعوب الأفريقية تساهم بما تستطيع في اقتراح الحلول وتقديم الأفضل من أجل تجاوز عتبات الفقر والأمراض والأوبئة وبلوغ نسب معينة من التنمية، ولا تحمل مسؤولية أي فشل محتمل احتراما لمبدأ «المساواة» في الحقوق والواجبات بين الجنسين. يعتبر اعتلاء الإفريقيات مراتب المسؤولية في مناخ سياسي معكر، دليل على الشجاعة وعلى فرض الذات.
ميركل..نموذج المرأة النّاجحة
في الضفة الشمالية للمتوسط، وبحكم الاستقرار السياسي والمؤسساتي، يعتبر نجاح النساء نتيجة حتمية لظروف طبيعية، تنسجم فيها كافة المتطلبات من الحريات وحقوق الإنسان وارتفاع المستوى المعيشي والثقافة المجتمعية التي لا تطرح عائقا.
ألمانيا التي تقودها المستشارة أنجيلا ميركل منذ 4 عهدات متتالية، حققت نموا اقتصاديا مذهلا، وتعتبر حجر الزاوية في استمرار الاتحاد الاوروبي وعدم تفككه، كما تلعب دور رياديا في مواجهة أزمة اللاجئين التي تفجرت سنة 2014، بفعل الأزمات المسلحة في الشرق الأوسط.
لم تر فرنسا أن تعيين فلورانس بارلي وزيرة للجيوش، سيقلل من النجاعة العسكرية لأدائها الدفاعي والعملياتي على أرض مختلف البلدان في إفريقيا وآسيا، وهو الموقف نفسه لايطاليا التي أسندت حقيبة الدفاع للوزيرة اليزابيتا ترينتا.
نتائج وفواعل الأزمات
على الصعيد الأمني، ارتبطت النساء ارتباطا وثيقا بالظاهرة الإرهابية العابرة للأوطان، وسجلن في إحصائيات أممية طويلة، كضحايا للعمل الإرهابي وكفاعلات فيه.
في الشمال الشرقي لنيجيريا، أين تنشط الجماعة الإرهابية بوكو حرام، اتخذت النساء وبالأخص الفتيات، كدروع بشرية للتنظيم، حيث يتم اختطافهن بالمئات من المدارس والثانويات، ويسبين في غابات استوائية كثيفة، يتم وضعهن كطوق نجاة للإرهابيين أثناء العمليات العسكرية للجيش النيجيري والقوات التي تدعمه من التشاد ودول إفريقية أخرى. واعتمد التنظيم الدموي، على فتيات في عمر الزهور للقيام بتفجيرات انتحارية، ضد أهداف مدنية كالأسواق، المساجد، الكنائس والقرى والمداشر.
قصص مُرعبة بسبب «داعش»
في الشرق الأوسط، أين ظهرت الجماعة الإرهابية المعروفة باسم «داعش»، لا تنتهي قصص النساء مع هذا التنظيم. فقد كن بالمئات كسبايا، في العراق وسوريا، وكانت النساء الأزيديات عينة للاستغلال الفظيع للمرأة، حيث تعرضن لأبشع أنواع العنف والتمييز.
عادت جائزة نوبل للسلام لسنة 2018، للناشطة الحقوقية الأزيدية، نادية مراد، والطبيب الكونغولي دينيس موكويغي، وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس، تعليقا على فوز نادية مراد بالجائزة « أنها عبرت بصوتها عن رفضها للإساءات التي لا توصف في العراق، عندما استهدف بوحشية الدمويون العنيفون من داعش الشعب الإزيدي، وخصوصاً النساء والفتيات».استغل التنظيم الإرهابي بشكل محكم وسائل التواصل الاجتماعي، لامتهان الجريمة الالكترونية في أبشع صورها، حينما جند نساء للإيقاع بفتيات من مختلف دول العالم وضمهن للتنظيم، واستطعن استقطاب المئات من مختلف الدول الأوروبية. في الوقت الذي تستعد القارة الإفريقية، للتعامل مع معضلة عودة ما يسمى بـ «المقاتلين الأجانب»، تبحث أوروبا مسألة إعادة عائلات تنظيم داعش الإرهابي المتواجدات في سوريا وقدمن من فرنسا وألمانيا وبعض الدول الاسكندينافية.
ضحايا العنف الجسدي
تكشف تقارير أممية عن أرقام مرعبة، للنساء ضحايا العنف الأسري، إذ تحدث مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، عن مقتل 137 امرأة يوميا على يد أزواجهن أو شركائهن أو أقاربهن عالميا. وذكر التقرير أن نصف القتيلات سنة 2018، أزهقت أرواحهن على يد أقرب الناس إليهن.
وتصدر منظمة أوكسفام الخيرية، تقارير سنوية دورية، عن وضعية النساء المهاجرات، وقالت إن 80 ٪ من اللواتي بلغن ليبيا عبر طرق الهجرة غير الشرعية يتعرضن لكل أنواع العنف (الجسدي والمعنوي). وتمنح المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة، بطاقة اللجوء للنساء اللواتي، يثبت أن حياتهم محل خطر حقيقي في بلدانهم الأصلية.
نساء مقاومات
في الوقت الذي تبرز المرأة في مراتب المسؤولية وفي قوائم الضحايا في مناطق النزاعات وأماكن الفقر والأوضاع المزرية، تسجل المرأة الفلسطينية والمرأة الصحراوية، نفسها في قوافل مقاومة الاحتلال. فالمرأة الصحراوية، تقود ملحمة الكفاح السلمي ضد الاحتلال المغربي، وتساهم في الترويج لعدالة القضية في مختلف المحافل الدولية، وقيادة مؤسسات الدولة بمخيمات العزة والكرامة، والمشاركة في طاولات المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة.
اعتلاء المرأة الصحراوية الصفوف الأمامية للكفاح، يؤكد النجاحات التي حققتها الدولة الصحراوية على صعيد الديمقراطية وتكريس المساواة وتعبئة كل فئات المجتمع في معركة الاستقلال والتحرّر، عبر تقرير المصير. بفلسطين، تظل المرأة، رمزا للأرض المغتصبة، تقاوم الاحتلال مثلما تقاومه أشجار الزيتون العريقة، فهي تقود مسيرات العودة والتصدي للجرافات الصهونية لتمنعها من هدم المنازل القرى. وسطع نجم عهد التميمي، تلك الفتاة التي صفعت جنديا اسرائيليا، أثناء مسيرة سلمية، وحركت العالم كله عندما سجنت دون السن القانونية، فاضحة الاحتلال في أبشع صوره وبطشه ضد الإنسان الفلسطيني. وقدمت الفلسطينية، لبلدها عشرات الآلاف من الشهداء والأسرى الذين قاوموا المحتل الصهيوني بكل ما أوتوا من قوة، ولازالت صامدة في معركة جديدة ضد بلدها يقودها تحالف دولي يرمي إلى تصفية القضية من جذورها.