يجد المغرب نفسه اليوم محاصرا بالشّرعية الدولية المطالبة إيّاه بالإذعان للقرارات الأممية بخصوص الصّحراء الغربية المشدّدة على تنظيم الاستفتاء بهذا الإقليم المحتل لتقرير مصير شعبه بعيدا عن التّحايلات السياسية التي عوّدنا عليها، والتّلاعبات الإدارية المتعلّقة بإحصاء السّاكنة الأصليّين.
لم نستغرب أبدا من التّصريحات الأخيرة الصّادرة عن عمر هلال الدبلوماسي المغربي في المنتظم الدولي حول السّقف الذي حدّده تجاه تعامل بلاده مع القضية الصّحراوية على أنّها لا تمنح أكثر من الحكم الذاتي، علما أنّه يدرك بأنّ هذه الصّيغة الوهمية سقطت سقوطا حرّا ما دام وافق على الذهاب إلى جنيف للجلوس إلى المائدة المستديرة رفقة الوفد الصّحراوي وتحت إشراف المبعوث الأممي.
منذ الوهلة الأولى توقّعنا بأنّ المغرب لا يساير أبدا المقاربات الجديدة التي يحملها كوهلر، كونها لا تتماشى مع «رغباته العميقة» التي تتلخّص في طرح مفاده تقديم الصّحراء على طبق من ذهب إلى هذا البلد، وهذا أمر مستحيل ومرفوض جملة وتفصيلا، ولن يقبل به مهما كانت طبيعة النّضال لاحقا.
بالرّغم من ذلك، فإنّ كل الأطراف ذات النّوايا الحسنة استجابت لدعوة المبعوث الأممي وتنقّلت إلى جنيف، وتفاديا لأي قراءات خاطئة أو تصعيد في الموقف التزم الجميع الصّمت منذ تاريخ اللّقاء ٥ و٦ ديسمبر ٢٠١٨، ولم تكن هناك أي أحاديث تتعلّق بمجريات الإجتماع، وأوّل من اخترق أو انتهك هذه القاعدة هو الممثّل المغربي في الأمم المتّحدة الذي شارك مع وفد بلاده عندما صدر عنه ذلك الكلام غير المسؤول، الذي للأسف أراده كرسالة لمؤطّري هذا الملف وبالأخص كوهلر لتقويض مساعيه وتكسير مبادرته وقتلها في المهد، وحتى إفشاله وإحباط معنوياته كما فعلوا ذلك مع المبعوثين الأمميّين الذين ذاقوا الأمرّين على يد المغاربة إلى درجة الإهانة، كما حدث ذلك مع كريستوفر روس خاصة عندما صنّفوه في خانة «شخصية غير مرغوبة» يمنع عليه دخول أراضيهم، هل يعقل أن يعامل موظّفا أمميا ساميا بهذه الطّريقة الخارجة عن الأطر الدبلوماسية المعمول بها؟
هذه الذّهنية العدوانية ما تزال سارية المفعول، وما ورد على لسان هلال مؤشّر على حملة شعواء ستشن على هذا الرّجل، من قبل الأوساط السياسية والإعلامية المغربية المتطرّفة التي كانت وراء انسحاب المبعوثين الأمميّين وتخلّيهم عن الملف بشكل نهائي. وهناك من طالب بإعفائه من مهامه رفضا للإهانات الصّادرة عن تلك الأطراف تجاههم لمدة طويلة جدّا لم يتركوهم هؤلاء تأدية مهامهم في ظروف لائقة، وحتى عادية بل وضعوهم تحت طائلة الضغوط المتواصلة إلى غاية ذهابهم الطوعي جرّاء ما تعرّضوا له من تشويش على مهامهم المكلّفين بها أمميا، ففي كل مرّة يختلق المغرب سياقا معيّنا من الغموض السياسي ليعمل فيه، وهو عبارة عن فترة فراغ يروج فيها لطروحاته الباطلة، ويوهم الرأي العام الدولي بما يسمّيه بواقعيتها وهو الوصف الصّادر عن اللوبي التّابع له في البلدان الغربية، بالرّغم من الأصوات الحرّة الأخيرة، الداعية إلى عدم الاعتراف بما يقوم به المغرب في الصّحراء الغربية كونه إقليما محتلا ولا توجد أي سيادة للقوّة الغاصبة على أرضه.
هذا الحصار المحكم للشّرعية الدولية على المحتل تزداد اتّساعا لدى الرأي العام العالمي خلال الفترة الرّاهنة انطلاقا من قناعة ثابتة ألا وهي السّير على تلك الخطى الثّابتة للأمم المتحدة الرّامية إلى إيجاد تسوية عادلة للقضية الصّحراوية، وفق ما أقرّته لوائح مجلس الأمن من انسحاب فوري لقوات الاحتلال، وتنظيم الاستفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة.
هذا ما تلمّح له مصادر لها صلة بالملف وأخذ المغرب في فهم مضمون هذه الرّسالة، ألا وهي تقرير مصير الشّعب الصّحراوي عن طريق خيار الاستفتاء، وهو الحل المعمول به في كل النّزاعات التي طال أمدها، وهذا بإعادة الكلمة الفاصلة والنّهائية إلى الصّحراويّين، هذه الصّيغة السياسية تقلق المغرب كثيرا إلى درجة استعماله مبدأ الغاية تبرّر الوسيلة، ونعني سعيه الحثيث والمتواصل لتوقيف أي عمل في هذا الشّأن كونه لا يستطيع رفض ذلك في حالة تثبيته من قبل المبعوث الأممي كتوصية قائمة لدى مجلس الأمن للشّروع في التّرتيبات المادية والبشرية للاستفتاء.
والأمر لا يتوقّف عند هذا الحد بل أنّ الصّحراويّين بحوزتهم ملفا موثقا يتعلق بإحصاء السّاكنة منذ مسيرة العار في ١٩٧٥ (سنة الغزو المغربي للصّحراء الغربية)، أراد إحداث تغيير جذري في التّركيبة البشرية للقبائل الصّحراوية، وهذا بإضافة موجات أخرى تحسّبا لأي موعد للاستفتاء بإعداد قوائم جديدة تفوق الرّقم المتفق عليه ٧٥ ألف صحراوي، غير أنّه أعلن بأنّه أحصى ١٢٠ ألف صحراوي معتقدا بأنّ الأمور تمر بكل هذه السّهولة.
لكن الصّحراويّون وقفوا بالمرصاد، وطالبوه بالكف عن هذه المهاترات والادّعاءات والأكاذيب وهذا بالاحتكام إلى شيوخ القبائل الذين يعدّون المرجعية الوحيدة لمعرفة الناس من هم الصّحروايّون ومن هم الغزاة، هذا ما أزعج كثيرا المغرب الذي تخلّى عن حساباته بعد أن انكشف أمره، عندما أراد «إعمار» الإقليم الصّحراوي بغير الصّحراويّين دفعهم رغم أنفهم، ورفضهم إلى أرض غير أرضهم والآن نحن في السنة ٤٣ من الاحتلال.
كل هذه الحيثيات السياسية توحي بأنّ المغرب ليس شريكا مؤهّلا لأي تسوية للقضية الصّحراوية، بدليل اعتراضه على كل المساعي الأممية ونسفه لجميع الجهود المبذولة في هذا الإطار، وإلحاقه الضّرر المعنوي بالمينورسو وتهجّمه على كل من يتفوّه بكلمة حق تجاه الصّحراويّين في المحافل القارية والدولية، والتّشويش على البيانات المؤيّدة للقضية الصّحراوية على مستوى مصلحة الإعلام بالأمم المتحدة، وغيرها من محاولات المساس بصورة نضال الصّحراويّين.