قالت «يلينا سبونينا»، مستشارة معهدة الدراسات الاستراتيجية بموسكو، لـ»الشعب»، أن انسحاب واشنطن من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، ورّد موسكو بتعليق العمل بها، خسارة للجميع، لأنها ستعيد التوّتر إلى العلاقات الدولية.
المستشرقة الروسية ومديرة مركز الشرق الأوسط وآسيا بروسيا، أوضحت في ذات الوقت، أن الدوافع التي قدمتها الإدارة الأمريكية في العلن للانسحاب من المعاهدة، ليست صحيحة، وإنما هناك أخرى خفيّة تتعلق بتنافس استراتيجي وصراع مصالح اقتصادية بالدرجة الأولى، مؤكدة أن القرار سيؤدّي إلى إطلاق سباق التسلح من جديد.
«الشعب»: أعلنت واشنطن، نهاية الأسبوع المنصرم، انسحابها من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، وردّت موسكو فورا، بتعليق العمل بها، لو نعود قليلا إلى الوراء، ماذا حققّت المعاهدة منذ توقيعها إلى اليوم؟
يلينا سبونينا: المعاهدة منذ توقيعها سنة 1987، حققّت أشياء كثيرة، ولعل أهم شيء نجحت فيه هو زيادة الثقة أيام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وأدت إلى القضاء على صواريخ بالستية بعيدة ومتوسطة المدى (500 و5500 كلم)، وهذا كان مهما جدا، لأن عددا من الصواريخ كان من شأنه أن يؤدي إلى تدمير بلدين وحتى نصف العالم.
وبالتالي فهي معاهدة مهمة جدا في مجال تخفيض الاسلحة الاستراتيجية، وتوقيف سباق التسلح والمساهمة في الحفاظ على الاستقرار والسلم الدوليين.
بادرت الإدارة الأمريكية، بالتمهيد للانسحاب من المعاهدة السنة الماضية، قبل أن ترسم الأمر، ماهي الدوافع الكامنة وراء هذا القرار باعتقادكم؟
روسيا لا تعتقد أنها انتهكت المعاهدة، بالعكس لقد عرضت على واشنطن القيام بتفتيشات مشتركة واقترحت على الأمريكيين القدوم والتعرف عن قرب على الصاروخ الذي أثيرت من حوله الشكوك.
لكن، الدوافع التي قدمتها الإدارة الامريكية للانسحاب من المعاهدة النووية، لا ترتبط أبدا بسلوك روسيا تجاهها، ولكنها تتعلق أساسا بمصالح الصناعة العسكرية في أمريكا، فطغاة الأموال في هذه الصناعة، يريدون أن يكونوا طليقي الأيدي ويجب عليهم التخلص من المعاهدة.
وهناك دوافع أخرى للإدارة الأمريكية، لكون المعاهدة لا تشمل دولا مثل بريطانيا والصين، هذه الأخيرة باتت على نفوذ واسع وقوة عسكرية متصاعدة في المحيط الهادي، وبالتالي سيسمح الانسحاب من المعاهدة لأمريكا أن تجابه الصين في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم.
الآن، وبعد انسحاب واشنطن وتعليق موسكو العمل بالمعاهدة، من الخاسر ومن الرابح في هذا الوضع الجديد؟
الرابح، كما قلت آنفا، هوالصناعة العسكرية الأمريكية، أمّا الخاسر، فكلنا خاسرون، لأن التوتر سيعود مجددا ليطغى على العلاقات الدولية.
ومن بين الخاسرين أيضا، الشعب الأمريكي، لأن حالة التوتر ستمتد إليه كماهو الحال بالنسبة لشعوب أخرى وبالأخص أوروبا، وبالتالي فالقرار سيرتد على الرئيس دونالد ترامب الذي يعتقد أنه يقوي مواقفه في الداخل، ولكنه مخطئ إذا ظن ذلك لأن الأمر يتعلق باتفاقية نووية.
هل انطلق سباق تسلّح جديد؟
أكيد، لأن تعليق العمل بمعاهدة تخصّ الأسلحة النووية المتوسطة المدى، سيؤدي بشكل آلي إلى واقع جديد هوالتصنيع العسكري وتطوير أسلحة استراتيجية جديدة، وهذا كله ليس في صالح السلم والأمن الدوليين، ومن حق المجموعة الدولية وأوروبا تحديدا أن تشعر بالقلق.