د. حسين بلخيرات أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجلفة لـ «الشعب»:

الخلاف بين إيطاليا وفرنسا تحكمه المصالح وصراع النفوذ

حوار: إيمان كافي

توتّر غير مسبوق تشهده العلاقات بين فرنسا وإيطاليا على خلفية أزمة الهجرة غير الشرعية والأوضاع في ليبيا التي ساهمت في زيادة تدفّق المهاجرين على الساحل الإيطالي، وذلك عقب نشوب حرب كلامية بين روما وباريس، حيث اعتبر مسؤولون إيطاليون أن فرنسا من بين الدول التي تقف وراء مأساة المهاجرين في البحر المتوسط بسبب نهبها لثروات إفريقيا وإشاعتها الفقر بين شعوبها، وقد صعّدت هذه التصريحات النارية من حدّة الخلافات بين البلدين، خاصة وأن إيطاليا تؤاخذ فرنسا على محاولة عزلها داخل البيت الاوروبي بعد توقيعها معاهدة التعاون والاندماج مع ألمانيا مؤخرا.
للوقوف عند خلفيات هذا التوتر وتداعياته على مستقبل العلاقات بين البلدين وأيضا على ظاهرة الهجرة السرية والازمة الليبية، كان  لـ « الشعب» هذا الحوار مع الدكتور حوسين بلخيرات، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجلفة.


«الشعب»: تشهد العلاقات الفرنسية -الإيطالية توتّرا غير مسبوق بفعل التصريحات اللاذعة لوزير الداخلية ونائب رئيس الحكومة الايطالية الذي عبر الأول عن أمله بأن يتحرر الفرنسيون من رئيس «بالغ السوء»، واتهم الثاني فرنسا بالمسؤولية عن أزمة المهاجرين بسبب إفقارها لأفريقيا، ما هي قراءتكم لهذا التصعيد الكلامي وإلى أي درجة يمكن أن تصل حدّته؟
حوسين بلخيرات: الخلاف الإيطالي -الفرنسي يحمل أكثر من بعد، أما الأول فهو ذلك المرتبط بالتّحول العام في البيئة السياسية بالقارة الأوربية،  فالتقسيم التقليدي بين أحزاب اليمين وأحزاب اليسار لم يعد صالحا لوصف البيئة السياسية في أوربا وأصبحنا أقرب إلى تقسيم جديد بين أحزاب شعبوية وأحزاب ليبرالية، وهذين التيارين يختلفان في مسائل عديدة ذات طابع جوهري، ففي الوقت الذي يمثل التيار الليبرالي السلطة في فرنسا والتيار الشعبوي القيادة في إيطاليا، فإن الخلاف المشهود يندرج في أحد أبعاده ضمن هذا السياق، ثم لا يمكن إنكار من جهة أخرى أن هناك قضايا تثير «التنافس المصلحي» بين الدولتين وهوما يعتبر محفزا جوهريا للخلاف أيضا.
 يجزم كثيرون بأن اتهامات السّاسة الإيطاليين لفرنسا فيها الكثير من الحقيقة، خاصة ما تعلق باستغلالها لثروات إفريقيا وإسهامها في إفقار شعوبها ما يضطرهم للبحث عن حياة أفضل خارج بلدانهم، فما تعليقكم؟
التصريحات الإيطالية ليست فريدة في هذا الطرح، فلقد سبق للرئيس الروسي أن صرح في وقت سابق بأن أغلب المهاجرين إلى أوروبا يأتون من مستعمرات فرنسية سابقة.. كما سبق للصين أيضا أن اعترضت على الطريقة التي تدير بها فرنسا علاقاتها مع عديد مستعمراتها السابقة والتي تعيق بالنسبة إليها جهود الاستثمار الصيني في القارة السمراء، خاصة ما يتعلق بمسألة تنظيم المدخرات المالية لعدد من الدول الإفريقية من خلال البنك المركزي الفرنسي،لذلك فإن انتقاد علاقة فرنسا بعدد من مستعمراتها الإفريقية السابقة ليست سابقة إيطالية حيث تبنتها العديد من الدول خاصة الكبرى منها.
التصريحات النارية للسّاسة الإيطاليين وضعت الأصبع على الجرح، لتعكس بأن معضلة الهجرة قد لا يكون لها حلّ، فإلى متى ستبقى جحافل المهاجرين السرييّن لقمة سائغة لحيتان المتوسط؟
الخلاف الإيطالي الفرنسي حول مسألة الهجرة منذ وصول الحكومة الإيطالية الجديدة بدأ مع الاتهامات التي وجهتها باريس بتهرب روما من استقبال سفينة «اكواريوس» التي تقل مئات المهاجرين وقد جاء الرد قوي آنذاك من طرف وزير الداخلية الإيطالي «ماتيوسالفيني» الذي صرّح بأن فرنسا ليس من حقها محاسبة إيطاليا على عدم استقبال المهاجرين طالما أنها هي نفسها لم تحترم التزاماتها الأوربية المتعلقة باستقبال حصص اللاجئين والمهاجرين المتفق عليها منذ سنة 2014 واستمر السجال السياسي بين الدولتين داخل المؤسسات الأوروبية حول مسألة الهجرة واللجوء خاصة في قمة «بروكسل « في الصيف الماضي.     
التيار الشعبوي في أوروبا بما في ذلك الموجود بسدة الحكم الايطالية حاليا، له مواقف مختلفة حول مسألة الهجرة سواء في تفسيره للظاهرة أوفي كيفية التعامل معها من حيث أنه منفتح على إلقاء اللوم على السياسات الاستعمارية، وقد وجد في علاقة فرنسا مع عدد من مستعمراتها السابقة، نموذجا جيدا لتبرير وجهة نظره بالشكل الذي ينفي ذلك التبرير الذي طالما تم الترويج له في الخطاب الأوروبي والذي يربط ظاهرة الهجرة بظروف السياسة الداخلية لعديد المستعمرات الإفريقية السابقة وخاصة الفرنسية منها، وهوتحول ملفت في الخطاب الأوروبي خاصة وأنه أصبح يصدر كمواقف رسمية.
 لا شك أن السجال السياسي الايطالي -الفرنسي غير مرتبط بمسألة الهجرة فقط، حيث دعم وزير الخارجية الإيطالي «السترات الصفراء» وتمنى رحيل ماكرون، كما أبدت روما رفضها لاتفاقية «اكس لاشابيل» التي وقعتها ألمانيا وفرنسا الثلاثاء الماضي لتعزيز التعاون بينهما؟
 فرنسا وألمانيا هما الواجهتان الأساسيتان للتيار الليبرالي في أوربا والاتفاقية الجديدة التي تم توقيعها لتعزيز التعاون الاقتصادي والدفاعي هي تدشين لمسار التكيف مع التحولات الملفتة للانتباه والتي تعرفها القارة الأوربية.
هناك نقاش في أوربا الآن حول مسائل عديدة منها العولمة وأثارها السلبية في أوربا، العلاقة مع القوى الكبرى وتحديدا روسيا والولايات المتحدة، السياسة الدفاعية الأوربية المستقلة، آثار الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوربي ومستقبل هذا الأخير، إلى غيرها من القضايا وكل منها يثير جدلا عميقا بين التيارين الليبرالي والشعبوي والحكومة الإيطالية ذات التوجه الشعبوي من الطبيعي أن يكون لها خلاف في المواقف مع أقوى دولتين ممثلتين للتيار الليبرالي أي فرنسا وألمانيا ولذا كشفت إيطاليا بشكل صريح عن تشجيعها لحركة «السترات الصفراء» ذات الطابع الشعبوي لتحويل مطالبها من مطالب ذات طابع اقتصادي إلى مطالب ذات طابع سياسي متمثلة في التخلص من حكم التيار الليبرالي في فرنسا.
 العاصفة التي تهزّ العلاقات الإيطالية الفرنسية مرتبطة أيضا بالملف اللّيبي، فما قولكم ؟
واضح من تضارب المبادرات التي تطرحها كل من فرنسا وإيطاليا في الملف الليبي، أن هناك خلافا عميقا بين الدولتين في التعامل مع الملف الليبي لا من حيث النظرة للأطراف الليبية المختلفة ولا من حيث مضمون المبادرات المطروحة.  في كل الأحوال هذا الخلاف يغذيه من جهة التنافس المصلحي بين الدولتين في الوضع الليبي ومن جهة أخرى الخلاف حول انعكاسات هذا الوضع على القارة الأوربية وتحديدا مسألة الهجرة واللجوء.
 هذه العاصفة تؤثر بالتأكيد على الوحدة الأوروبية وتعكس مدى الخلل الذي بات يتهدد البيت الأوروبي الموّحد خاصة مع صعود الشعبويين إلى مراكز القرار، فما تعليقكم؟
هناك في أوربا الآن ما يقارب 47 حزبا يمثل التيار الشعبوي وبعضها وصل إلى سدة الحكم، هذا التيار له وجهة نظر محددة  في مؤسسات الاتحاد الأوربي مبنية على مرتكزين أما الأول فهو قضية عدالة توزيع الفوائد والتكاليف بين دول الاتحاد، والثاني هوقضية التوازن بين السياسات الوطنية والالتزامات داخل مؤسسات الاتحاد.
مع ذلك فإن مستقبل الوحدة الأوربية مرتبط على الأقل بثلاثة عوامل يتعلق الأول منها بمساحة انتشار التيار الشعبوي في سدة الحكم في عديد الدول، والثاني يخص مدى القدرة على تأسيس سياسة دفاعية أوربية مستقلة، أما العامل الثالث فهوتعزيز آليات مواجهة الأزمات الاقتصادية خصوصا وأن بعض دول الاتحاد تعاني من مشكلات اقتصادية قابلة للانتشار.   

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024