دخلت الحرب في اليمن عامها الخامس، لكن هذه المرة في ظل ظهور بوادر انفراج الوضع، على ضوء اتفاق السلام المتوصل اليه في السويد، تحت إشراف المبعوث الأممي، مارتان عريفيتس، ودخول وقف القتال حيز التنفيذ بين القوات الحكومية والحوثيين، وينتظر أن يتم الانطلاق في مسار تسوية جدي مع مطلع 2019. إن كان اليمنيّون رحّبوا بهذا التطور الجديد إلا أنّهم مازالوا يتذكّرون تعقد الوضع في البلاد، وما تحمّلوه من ويلات المعارك العسكرية وفشل المبادرات السياسية، في وقت ضربوا فيه بكارثة انسانية، حيث انتشرت الأوبئة والمجاعة بين ملايين الناس، على خلفية انهيار كلي لاقتصاد البلاد، أمام أنظار المجموعة الدولية التي واصلت مساعيها من أجل حل النزاع وإنقاذ الشعب اليمني من ويلاته ازدادت الأوضاع السياسية صعوبة وتعقيدا في ظل غياب دولة المؤسسات وظهور كيانات سياسية وعسكرية جديدة أصبحت تمثّل «أمرا واقعا» نتيجة لدورها الفعال في الحياة السياسية والعسكرية في اليمن.
أما الوضع العسكري، فقد بقي هو الآخر «ضبابيا ومتعثّرا»، وبقيت الكثير من الجبهات العسكرية مفتوحة بين الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس، عبد ربه منصور هادي، المدعم من طرف «التحالف العربي» الذي تدخل في البداية بتسع دول ليقتصر اليوم على السعودية والامارات العربية، من جهة، والحوثيين من جهة أخرى، لتشهد الخسائر البشرية تصاعدا رهيبا، إذ بلغت أكثر من 10 آلاف قتيل و50 ألف جريح 2015.
وعليه تبدو الحرب في اليمن معقدة، فالأطراف المتصارعة متعدّدة ومناطق السيطرة تداخل بين القوى على الأرض، حيث تسيطر القوات الشرعية بالكامل على محافظتين هما «ابين» جنوب شرق البلاد و»المهرة» شرقي البلاد وبشكل جزئي على «محافظة لحج»، إضافة الى محافظة «شبوة «جنوبا، ومعظم مديريات «الجوف» شمالا في في وقت تبسط قوات الحوثي سيطرتها على الجهة الغربية من البلاد، حيث تضع يدها على مركز صنع القرار العاصمة صنعاء، يضاف اليها محافظة «الحديدة» ذات الاهمية الاستراتيجية غرب البلاد. وبعد أربع سنوات من الاقتتال الدامي الذي أتى على الأخضر واليابس في هذا البلد، استقر وعي دولي بأن لا حل للنزاع إلا بالضغط على الأطراف الحقيقية في هذا الصراع.
بوادر لحلحلة الأزمة اليمنية
كلّلت الجهود الدولية لحل الصراع سنة 2018 بإعادة كسر الجليد بين المتناحرين في اليمن من خلال إعادة بعث مفاوضات سلام جديدة برعاية أممية بعد جمود دام عامين من الزمن، وبالرغم من أن كل المحاولات السابقة في سويسرا أو الكويت أو عمان باءت بالفشل، وإن تمكنت في بعض الأحيان من وقف الإقتتال لبضع الساعات أو أيام معدودة تحت الضغوط الأممية أو الدولية ليس إلا لإيصال بعض المساعدات والإعانات الإنسانية لضحايا المأساة.
وجاءت الدعوة الأممية لعقد مفاوضات جديدة بجنيف في 6 سبتمبر 2018، لتحيي الأمل من جديد لدى اليمنيين حيث أثمرت عن اتفاق لوقف إطلاق النار في مدينة الحديدة ذات الاهمة الاستراتيجية، إلى جانب اتفاق آخر لتبادل إطلاق آلاف الأسرى والمعتقلين واللّذين شكّلا أهم نجاح حققته المشاورات، لاسيما وإن بعثة أممية عسكرية توجد بعين المكان لمراقبة وقف إطلاق النار واحترام ترتيباته.
مأساة إنسانية تتحدّى الضمائر
تحمّل المدنيّون في اليمن العبء الأكبر في القتال وصاروا ضحايا لما يصفه ناشطون بـ «إنتهاكات جسيمة للقانون الدولي» من قبل كل أطراف الصراع، والى غاية مطلع أكتوبر الماضي قتل 4125 شخصا من المدنيين وجرح 7207 في اليمن، حسب إحصائيات الأمم المتحدة.
ومنذ مارس 2015، قتل أكثر من 6800 شخص وأُصيب 35 ألف شخص آخر، ولم يكن الموت بكل أنواع أسلحة الدمار الشامل السلاح الوحيد للقتل إنما زاد الوضع سوءا بانتشار الامراض والاوبئة التي باتت تهدد حياة الملايين من الاشخاص، حيث أكد مسؤولون أمميون أن الهيئة تخسر الحرب ضد المجاعة في اليمن في ظل وضع قاتم جدا يتفاقم تدريجيا الى ان بات يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وبات يقترب من نقطة اللاعودة، ويستحيل بعدها تجنب خسائر جديدة في الارواح. وتسبّبت الكوليرا في قتل أكثر من 2000 شخص وحوالي مليون شخص يعانون من حالات الإسهال الشديد، في مختلف المحافظات حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية.
وحسب آخر الإحصاءات الأممية، فإن أكثر من 22 مليون شخصا بحاجة الى مساعدات إنسانية في اليمن منهم 18 مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأكثر وفي ظل هذا التدهور، يواجه الإقتصاد اليمني ومعه عملة البلاد الريال «خطر الإنهيار الوشيك» من جراء الحرب، ويدفع في هذا الاتجاه تهاوي ايرادات البلاد من النقد الأجنبي ومعه يتهاوى احتياطي البنك المركزي، حيث دعا مجلس الامن الدولي إلى ضرورة «اتخاذ اجراءات فورية لتحقيق استقرار اقتصادي في البلاد، والذي بات تحقيقه في غاية الصعوبة».