ملامح إعادة انتشار دمويي «داعش»

العمليات الأخيرة عمل «استعراضي» أم تحذير إرهابي ؟

جمال أوكيلي

إعادة إنتشار ما يسمى بالتنظيم الإرهابي «داعش» بدأت ملامحه تظهر هنا وهناك في عدة بلدان، ليس فقط كعمليات تنفذ في نقاط معينة وإنما كحضور في الميدان وما تبناه في باكستان مؤشر أولي على أن ما تم التحذير منه سابقا، ما بعد أحداث سوريا بصدد الارتسام وفق خطة دقيقة شرع فيها هكذا في بعض البلدان التي عانت الويلات منهم.

كان متوقعا أمنيا أن يغير «قادة» داعش إستراتيجيتهم، عقب الهزائم المتعاقبة التي لحقت بهم وطردهم من الموصل بحثا عن ملاذات أكثر حماية لهم، وكل التقارير الصادرة عن الأوساط المتابعة لهذا الشأن أشارت إلى ذلك من خلال الأرقام المقدمة عن الأشخاص المنضمين لهم واحتمال عودتهم إلى مناطق معنية.
في هذا السياق، فإن المنتدى الإفريقي الرفيع المستوى الخاص بالأجوبة الفعالة والمستدامة لمكافحة الإرهاب «مقاربة جهوية» الذي انعقد بوهران في ديسمبر ٢٠١٧ توقع عودة ٦ آلاف ارهابي من الشرق الأوسط إلى إفريقيا من ضمن ٣٠ ألف دموي.
هذا ليس تخويفا لأحد بقدر ما هو دق ناقوس الخطر، ودعوة استفاقة إلى كل من مازال يتهاون في هذا الشأن ولا يحمل الأمر على محمل الجد أو يعتقد أن هذه الظاهرة خاصة ببلدان معينة فقط هذا خطأ لا يغتفر إن سار هؤلاء على هذا الدرب أو اتبعوا هذا المنطق، الوقت ليس أبدا لمثل هذه النقاشات البيزنطية والفارغة التي تتلاعب بمصير أوطانها.
ما يحدث اليوم في أماكن ليست ببعيدة بافريقيا دليل واضح على ما أقرّه ذلك المنتدى خاصة في نيجيريا وتحوّل «بوكوحرام» إلى حركة إرهابية متعددة الجنسيات لم تعد تنشط في شمال هذا البلد، وإنما امتدت إعتداءاتها إلى خارج تلك الحدود بشكل حقا ملفت للانتباه يتطلب يقظة دائمة، عندما تضرب في التشاد ويصل صداها إلى مالي والنيجر في شكل تنسيق محكم بين هذه التنظيمات الارهابية والعمليات الأخيرة تشهد على ذلك.
قد يعتبر المتتبعون أن ما وقع في جنوب ليبيا يندرج في إطار مخلفات الضربات الموجعة التي تلقاها الإرهابيون في مصراتة وغيرها ومحو آثار وجودهم في معاقل، كانت تحت سيطرتهم، غير أن حادثة باكستان حرّكت الكثير ممن اعتقدوا بأن الإرهاب يكتب فصوله الأخيرة، وهذا غير صحيح.
هذا العمل المسلح المرتكب، وغيره مما نقف عليه في أكثر من نقطة قريبة وبعيدة، قد يكون استعراضيا أي أن الواقفين وراءه يبحثون عن الحدث الإعلامي من باب الدعاية كما اعتادوا على ذلك من قبل في العراق ، سوريا، وليبيا إلا أن خلفياتها تتطلب التحليل الدقيق منه:
- محاولة الخروج من الشرنقة إلى آفاق أخرى تستند إلى تكتيك جديد لا يعتمد على المواجهة المباشرة وإنما العودة إلى العمليات ذات التأثير السياسي والإعلامي.
- تفادي احتلال الأرض بالانتقال إلى السرية وهكذا يتقلص حجم هذا التنظيم من دولة إلى حركة ويفقد كل ما كان يحيط به من اتباع إلى أشخاص يعملون بطريقة العصابات.
- القيادات غير موحدة في قرارها تعمل وفق الظروف التي تتواجد بها كل في الجهة «المقيم بها» يتكيف مع أوضاعه كونها ما تزال متأثرة بتبعات ما كابدته في العراق وسوريا.
- الإسراع في إعلان المسؤولية عن العمليات الدموية هنا وهناك حتى في الدول الغربية هذا ما يدل على التخبط الذي يعيشه هؤلاء يستدعي المزيد من الحذر في هذه الأوضاع وكأنهم لم يتأثروا بما حدث لهم سابقا خاصة في تواصلهم الإعلامي.
لسنا هنا لتعداد الأعمال الإرهابية بعد انشطار «داعش» .. والتي أكثرها معقدة الفهم نظرا لعدة اعتبارات متداخلة في تداعيات النشاط الارهابي، بين كل هذه الحركات المتطرفة والجماعات الدموية وإنما حان الوقت أن يدرك الجميع بأن الإرهاب لا يتوقف عند «داعش»، بل كل من يتربص بسلامة الدول في جهات معروفة تلاقحت فيها كل أشكال الجريمة المنظمة، التهريب ، تجار الأسلحة، والمخدرات، وغيرهم  مع الإرهاب وتلك منابع تمويله لإطالة عمره.
ما يقع هنا وهناك لا يعني أن بقايا «داعش» استكملت عملية إعادة الإنتشار في جهات محددة سلفا بل هي تسعى جاهدة أن تكون «مقيمة» في تلك الأماكن ليس بالذهاب إلى هناك أفواجا أفواجا وإنما بـ «الاستخلاف» وإعلان «المبايعة» لتحضير الأرضية لـ «الهجرة» المعدة لاحقا..بالاعتماد على القائد في المقام الأول.
شدة أو نوعية العمليات الإرهابية الأخيرة في باكستان، ليبيا، مالي، وشمال نيجيريا والتشاد والصومال تكشف عن تكتيك جديد للجماعات الإرهابية في احتواء كل مخلفات العراق وسوريا، باستقبال المزيد من الارهابيين الذين يتحركون بحرية عندما أبدت بعض البلدان رغبة احتضانهم على أساس أنهم أبناؤهم.


 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024