اعتبر الدكتور حسام حمزة، الأستاذ المحاضر بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية، في حديث لـ «الشعب» أن مستوى الخطر الارهابي بمنطقة الساحل مازال مرتفعا، محذّرا من إمكانية تنامي هذه الظاهرة بسبب تزايد الاقتران بين مختلف التنظيمات الارهابية والاجرامية، واستمرار حالة الفشل في الحوكمة الأمنية، مرورا بعودة الدمويين من مناطق التوتر بالشرق الاوسط، ووصولا الى ضعف التنمية وغيابها في بعض الاحيان. قال الدكتور حسام حمزة، أن المبادرات الاقليمية لمكافحة الارهاب فشلت حتى الآن في كبح تنامي هذه الآفة، ونفس النتيجة - كما أضاف- خلصت إليها التدخلات العسكرية الغربية التي اعتبرها محكومة بالمصالح الاستراتيجية للأطراف المتدّخلة. ختم حديثه بالتشديد على أن المكافحة الناجحة للارهاب، تستدعي القضاء على الأفكار و الاسباب المفضية اليه، ليس بالأساليب العسكرية، بل بالتنمية والمواجهة الفكرية التي تدحض الفكر التكفيري العدمي وتمنع تحوّله الى عنف فيزيولوجي.
«الشعب»: سنوات مرّت على محاربة الإرهاب في منطقة الساحل، ما هي النتائج المحقّقة بنظركم؟
الأستاذ حسام حمزة: للأسف الخطر الإرهابي في الساحل ماض في التمدد، التزايد والاقتران بين مختلف التنظيمات الإرهابية والإجرامية في مقابل استمرار حالة التقهقر والفشل في الحوكمة الأمنية للمناطق الصحراوية في أغلب دول المنطقة باستثناء الجزائر، فبعد أن كان تنظيم القاعدة، التنظيم الوحيد الناشط في الساحل قبل عشر سنوات، فإن الأخير يحتضن حاليا 5 تنظيمات إرهابية نشطة على الأقل كلها تحمل فكرا عدميا ورؤى مناهضة للإنسانية.
وفي هذه الحال، يمكننا القول بأن المبادرات الإقليمية لمكافحة الإرهاب فاشلة لحد الآن في كبح تنامي هذه الآفة، الحاصل فقط أننا نشهد حركية تغير في أقطاب تمركز الإرهاب بين الفينة والأخرى، إذ تتجه التنظيمات الإرهابية دوما للتمركز والنشاط فيما يعرف «بالبؤر الرمادية» حيث تكون سلطة الدول متراجعة أو غائبة تماما، وحيث يعاني السكان من غياب شبه تام للتنمية فيسهل إغراؤهم وكسب مساندتهم. وعليه، فإنه كلما استمر التراجع في دور الدولة في الساحل فإن الإرهاب سيستمر في التنامي.
تدخلات تثير الجدل والتساؤل
التدخلات العسكرية الغربية في الساحل مازالت تثير الكثير من الجدل بين من يراها ذات جدوى ومن يعتبر أنها محكومة بأهداف ومصالح أخرى، ما قولكم؟
سواء تعلق الأمر بالساحل أو بأقاليم أخرى في العالم، وسواء كانت ذريعة التدخل هي مكافحة الإرهاب أو ذريعة أخرى غيرها، فإن حصيلة التدخلات العسكرية الأجنبية أثبتت دوما أثرها الفادح في هدم البنيات الأمنية المحلية والإقليمية وتقويض استقرارها، ذلك أن الدول المبادرة عادة ما تختار توقيت التدخل لكنها تعجز دوما عن توقيف الحرب التي تترتب عنه في التوقيت الذي تريده، علاوة على هذا، فإن الثابت حاليا لدى دارسي العلاقات الدولية أن قرارات التدخل تحكمها أساسا المصالح الإستراتيجية للأطراف المتدخلة مهما بلغت واقعية المسوغات الإنسانية والمعيارية التي يبررون بها تدخلهم. في حالة الساحل، أو لنقل في ليبيا 2011 ثم في مالي، 2013 لم يختلف الأمر عما ذكرناه، ذلك أن الانفلات الأمني الذي انجر عن كلا التدخلين كان مدمرا وبارتدادات إقليمية وعالمية تتواصل حلقاتها إلى غاية اليوم، ولو لم تتطلب المصلحة الإستراتيجية لفرنسا وعدد من دول غرب أوربا وحلف شمال الأطلسي تلك الضربات لما شهد العالم ما شهده في الدولتين.
المكافحة الناجعة للإرهاب تتحقق بالتنمية
ألا تتفقون معي في كون محاربة الإرهاب لا يمكن أن تقتصر على الخيار العسكري فقط؟
طبعا أوافقكم، لأن الإرهاب لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يختزل في العنف الفيزيولوجي أو المادي، وليس هذا الأخير سوى تجليا من تجليات المسار الذي ينتج الفعل الإرهابي. لنعلم أنه حتى العنف الرمزي اليوم هو جزء من الإرهاب، من هنا، فإن المكافحة الناجعة للإرهاب تستدعي أولا تقصي جذوره والأفكار المفضية إليه والأسباب التي تساعد على استفحاله، وإن القضاء على هذه العناصر لا يتحقق أبدا بالأساليب العسكرية بل بالتنمية والمواجهة الفكرية والثقافية التي تدحض الفكر التكفيري العدمي وتمنع تحوله إلى عنف فيزيولوجي.
كثيرون يخشون عودة الدمويين من مناطق التوتر لتعزيز صفوف التنظيمات الإرهابية بالساحل وغرب إفريقيا، هل تؤيدون هذا الطرح ولماذا في اعتقادكم تحول الساحل بالذات إلى مرتع للتنظيمات الدموية؟
ذكرنا سابقا بأن الإرهاب ينشط ويمتد داخل ما يعرف بالبؤر الرمادية أو السوداء، وهي بؤر للفلتان الأمني التام تغيب عنها سلطة الدولة وتشكل البيئة الأكثر مواءمة للتنظيمات الإرهابية كي تنتشر وتتمدد. ويبدو أن كثيرا من المناطق حاليا في ليبيا وفي مالي وفي شمال نيجيريا، وحتى في دول غرب إفريقيا، تنطبق عليها تلك الخصائص، فمن المنطقي إذن أن يلجأ الدمويون على حد وصفكم إلى هذه المناطق بعد أن ضيق الخناق عليهم في الشرق الأوسط (عودة ارهابيي داعش)، وللأسف، وبالنظر إلى هذه الظروف، فإن الساحل مرجح لأن يتحول إلى الحاضنة الأولى للإرهاب على المستوى العالمي في حال استمر تراجع الدول وعجزها الوظيفي.
حسابات للتخلص من الأعباء
راهنت فرنسا على مجموعة (الساحل 5) العسكرية ليتولى الأفارقة بأنفسهم محاربة الإرهاب، أين موقع هذه المجموعة في ميدان الحرب على الإرهاب وهل فعلا بإمكانها أن تواجه الدمويين وبإمكانياتها المحدودة؟
واحد من الأغراض الرئيسة لإنشاء مجموعة 5 ساحل هو مكافحة الإرهاب في دول الإقليم وتعزيز التنسيق بين دول المجموعة في مجالات الأمن والدفاع ، وهو ما يعد في رأينا سعيا فرنسيا واضحا للتخلص من الأعباء العسكرية والمالية التي تتطلبها مكافحة الإرهاب في الإقليم، ودعوة ضمنية للدول المنتمية إليه لتحمل عبء حماية الأمن الإقليمي.
أنشأت دول مجموعة 5 ساحل لهذا الغرض «قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب» في نوفمبر 2015، لكن الحاصل أن هذه القوة ظلت حبرا على ورق إلى غاية فيفري 2017 حين أعيد إحياؤها بمسمى جديد هو «القوة المشتركة لمجموعة 5 ساحل». وبالرغم من الجهود الفرنسية لإقناع دول مجلس الأمن بمنح تفويض لهذه القوة - وبالتالي الحصول على تمويل أممي - إلا أنها لم تحصل منه إلا على موافقة لنشر القوة دون منحها تفويضا. هنا بدأت المعاناة الحقيقية للمجموعة من أجل تمويل القوة التي بادرت بإنشائها، خاصة وأن الميزانية التي وضعت لنشرها قدرت بـ600 مليون دولار وهو المبلغ الذي عجزت الدول المنتمية إليها عن تأمينه بما أنها تصنف ضمن أفقر بلدان العالم. وحتى بعد الجهود الدبلوماسية الفرنسية للحصول على مصدر بديل لتمويل القوة لم يتم تأمين سوى نصف المبلغ تقريبا أو أكثر بقليل.
في ظل هذه الوضعية المالية الصعبة والمرهونة بمساعدات الأجانب، وبعد الاختلالات التي سجلتها قيادة القوة على إثر المناورة العسكرية التي أجريت في نوفمبر 2017 (عملية هاوبي) يمكن الحكم بأن ما تصبو إليه هذه القوة لا يزال بعيد المنال وأن الفاعلية المرجوة في مكافحة التنظيمات الإرهابية في المنطقة لن تتحقق لمجموعة 5 ساحل إن استمر هذا العجز المادي العملياتي.
بعض الدول كدولة مالي أدركت أن خيار المصالحة هو حتمية لإعادة الأمن والاستقرار، ما تعليقكم؟
تقوم فكرة المصالحة على الحوار بين الفرقاء دون إقصاء أو ترجيح لمصلحة طرف على حساب طرف آخر وعلى تغليب المصلحة العليا للوطن قبل كل شيء، وهذا ما كان يغيب دوما عن مبادرات الحل في مالي ، التي اعتمدت على الاصطفائية في اختيار المحاورين وعقلية الإملاء في فرض رأي القوي على الضعيف أمر أدى دوما إلى فشلها.
يبدو أن صناع القرار والفاعلين المحليين في مالي اقتنعوا أخيرا بأن مصلحة الجميع ستتحقق فقط بالحوار الجاد والصادق ضمن مشروع للمصالحة الوطنية الشاملة يضمن الوحدة الترابية لمالي ويؤسس لمشروع تنموي عادل ومنصف لمناطق الشمال .