الخبير الأمني والاستراتيجي الدكتور حكيم غريب لـ«الشعب»:

المصالحة الوطنية أنموذج عملي لحل النزاعات في الساحل الإفريقي

حاورته: إيمان كافي

 

مازالت الجزائر دولة وفية لمبادئها بالإسهام في نشر ثقافة السلم والأمن، وملتزمة بدعم ومرافقة جهود المصالحة لتسوية العديد من الأزمات الدولية والإقليمية، وتحديدا في دول الجوار والساحل الإفريقي بالاعتماد على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي يعد أحد النماذج العملية في تسوية الأزمات الأمنية سلميا دون أي تدخل أجنبي ومثالا تقتدي به الدول المتضرّرة أمنيا ومسارا دبلوماسيا تنتهجه الجزائر في إطار جهودها لترقية ثقافة السلم والمصالحة الوطنية والتعايش السلمي على الصعيد الدولي، وللحديث حول كيف كانت تجربة الجزائر في المصالحة الوطنية مصدر إلهام للعديد من الدول المتضرّرة ومدى مساهمة تبنيها للسلم والمصالحة كأسلوب في استرجاع أمنها واستقرارها، كان لـ«الشعب» الحوار التالي مع الخبير الأمني والاستراتيجي الدكتور حكيم غريب.


«الشعب» تجربة الجزائر في  إقرار المصالحة الوطنية كانت ناجحة، وهي تثير اهتمام العديد من الدول التي تعاني من ظاهرة الإرهاب وعدم الاستقرار، من بينها دولة مالي التي  قرّرت استلهام هذه التجربة، ما تعليقكم؟
@@ الخبير الأمني والاستراتيجي الدكتور حكيم غريب: إن تجربة الجزائر تعدّ فريدة من نوعها في نشر ثقافة السّلم والحوار، حيث مكّنتها من تجاوز مرحلة العشرية السوداء بأقل الخاسر.
 وتؤكد المقاربة الجزائرية في مجال مكافحة الإرهاب وعي القيادة الجزائرية المبكر بأن الرد على الإرهاب والتطرّف العنيف لا ينبغي أن يقتصر حصرا على البعد الأمني فقط، فالمقاربة الجزائرية، اعتمدت على ثلاث استراتيجيات مهيكلة،ويتعلّق الأمر بمسار المصالحة الوطنية، ترقية الديمقراطية كمضاد للتطرف العنيف والإرهاب، وسياسة متعدّدة القطاعات لمكافحة التطرف التي ساهم فيها جميع الفاعلين في المجتمع من أجل استئصال منابع التطرف والإرهاب، وفي هذا السياق تكلّل مسار المصالحة الوطنية، بميثاق السلم والمصالحة الوطنية المصادق عليه عن طريق استفتاء شعبي سنة 2005، والذي سمح لآلاف الإرهابيين بتسليم السلاح والعودة إلى ذويهم.
أعتقد أن تجربة الجزائر مع المصالحة الوطنية يمكن أن تكون أنموذجا يقتدى به في دول الساحل الإفريقي خاصة دولة مالي، لأنها تجربة متكاملة ومنسجمة لجمع الفرقاء، وتكليلا للنجاح الذي حقّقته الوساطة الجزائرية التي قادت الماليين إلى توقيع اتفاق السلم والمصالحة في جوان 2015.
 على ذكر اتفاق السلم والمصالحة في مالي، ما تقييمكم لدور الجزائر في إقراره وتطبيقه؟
@@ إن الدولة الجزائرية حريصة على تسويق السلم والحوار بين الماليين، ومتمسكة بمرافقتهم في إنجاح عملية السّلام من خلال متابعة مسار تنفيذ اتّفاق «السّلم والمصالحة»، إن مرافقة الجزائر للعملية السّلمية متواصلة في الجارة الجنوبية التي نجحت مؤخرا في اجتياز الانتخابات الرئاسية، التي كلّلت بفوز الرئيس إبراهيم أبو أبكر كايتا بولاية ثانية ليكون إضافة جديدة في مسار تطبيق قانون الوفاق الوطني الذي سيضع البلاد على طريق الاستقرار ويدفعها إلى الأمام، ونستشف ذلك من خلال إعلان الرئيس كايتا تعزيز اتّفاق السّلم والمصالحة بقانون «الوفاق الوطني» المستلهم من ميثاق السّلم والمصالحة الذي طوى سنوات العشرية السوداء بالجزائر.

عراقيل في مسار السلم بمالي  
يعترض مسار السلم بدولة مالي العديد من العراقيل، كيف السبيل لتجاوزها؟
@@ في الحقيقية يبقي الوضع في مالي رغم النشاط المكثف للدبلوماسية الجزائرية والخطوات الهامة التي قطعتها الدولة هناك في طريق إعادة الاستقرار، مرتبط بالعديد من الصعوبات الداخلية، فعدد السكان يزيد عن 14 مليون نسمة، ويرتبط بحركات كبيرة من لاجئين ومهاجرين ونازحين، في ظلّ أوضاع اقتصادية صعبة، ومن جهة أخرى، فإنّ كثرة التدخلات الدولية تزيد الأمر تعقيدا، ومع ذلك ينبغي القول إنّ مالي ستشهد استقرارا كبيرا، لأنّ مسألة استغلال ثرواتها لا يكون إلا بتوفّر الأمن، ومن ثم فكل القوى الدولية ستعمل على تحقيق أمن المنطقة.
 تجربة المصالحة الوطنية في الجزائر يمكن أن يستفيد منها الأشقاء في ليبيا، وفي دول عربية كثيرة تعاني من أزمات أمنية وانقسامات داخلية، ما قولكم؟
@@  مما لا يدع مجالا  للشكّ، أن تجربة المصالحة الوطنية التي قادتها الجزائر قبل 13 سنة، فريدة من نوعها في التاريخ المعاصر، وقد أصبحت محل اهتمام المجموعة الدولية قاطبة كنموذج عملي للعيش معا في سلام، ولفضّ النزاعات الداخلية للشعوب، ومثلما تسعى دولة مالي إلى لملمة شتات الفرقاء مقتدية بتجربة المصالحة الوطنية في الجزائر، بعد توقيع اتفاق السلام الذي رعته الجزائر، تسعى دول أخرى على غرار ليبيا والعراق لوأد مرحلة الصراعات، حيث تبحث جميع الحساسيات المتناحرة على العيش معا في سلام، بالاستلهام من تجربة المصالحة الوطنية الجزائرية التي أثبتت نجاعتها منذ 2005 وظلت هذه النجاعة تتأكد وتتعزّز مع مرور السنوات.
المحيط الإقليمي مازال مثيرا لمخاطر كثيرة، أبرزها التهديد الإرهابي، كيف تتعامل الجزائر معها؟
@@ في الحقيقية إن الجزائر، كبلد مستقر وآمن في منطقة تتسمّ بانعدام الاستقرار وبمستوى كبير للتهديد الإرهابي، تبقي على مستوى عال من اليقظة والالتزام في مجال مكافحة الإرهاب وهذا التزام مرتبط بقيادة الجيش الشعبي الوطني، حقيقية ينعكس هذا الالتزام في تنفيذ سياسات واستراتيجيات وبرامج ومناورات تدريبية يومية تحذوها إرادة قوية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بلا هوادة، إضافة لعمل السلطات المحلية والحكومية على إنشاء مشاريع تنموية ضد عوامل الإقصاء والتهميش أو الظلم الاجتماعي، والتي تستغلها بشكل كبير الدعاية المغرضة للجماعات الإرهابية لأجل التعبئة والتجنيد، كما ينعكس هذا الالتزام من خلال تكريس الديمقراطية والمصالحة الوطنية ومكافحة الراديكالية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والحوكمة الرشيدة وكذا العيش معا في سلام، وحسب اعتقادي فإن هذه العوامل تشكل علاجات حقيقية للتطرف العنيف وللإرهاب.

التنمية شرط أساسي للاستقرار

كيف السبيل لإعادة الاستقرار إلى الساحل؟
@@  في الحقيقية إن معضلة الأمن تبقي عائقا أمام أي عملية سياسية وتنموية في ظلّ انتشار الجريمة المنظمة والإرهاب في المنطقة، فدول الساحل الإفريقي تواجه تحديات أمنية وتنموية تهدّد استقرارها، مما يستدعي تعاونا مكثفا لمساعدتها على تحقيق السلم والأمن والتنمية، وتجنب مزيد من التأزم للأوضاع، ومما زاد من خطورة هذه التحديات خلال سنة 2018، عودة الإرهابيين من بؤر التوتر في سوريا والعراق، تصاعد تهديدات الجماعات الإرهابية المتطرفة في عديد من دول المنطقة، حيث أكد مجلس الأمن الدولي في آخر تقرير له حول «السلم والأمن في أفريقيا» إن التهديدات الأمنية مازالت تحدّق بمنطقة الساحل الإفريقي وبشكل متزايد، مما اضطر بعض دول هذه المنطقة الأفقر في العالم، إلى تخصيص نسب كبيرة من ميزانياتها لمعالجة تلك التهديدات».
كلمة أخيرة
@@  إنه من إيجابيات المصالحة الوطنية والأبعاد الدولية التي اتخذتها، مصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على مبادرة الجزائر بالإجماع على لائحة تعلن من خلالها يوم 16 ماي يوما عالميا للعيش معا بسلام يندرج في إطار جهود ترقية قيم ثقافة السلم والمصالحة على المستوى الدولي. وهناك اعتراف دولي آخر من نتائج ترسيخ بلادنا لقيم السلم والتسامح والعيش معا، حيث كشف التصنيف الأخير الذي وضعته دراسة قامت بها مؤخرا المنظمة الأمريكية المختصة في الإحصائيات «غالوب» بأن الجزائر قد احتلت المرتبة الأولى إفريقيا والمركز السابع عالميا من حيث البلدان الأكثر أمنا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024