البروفيسور عبد الرحمان دراجي باحث في العلاقات الدولية لـ”الشعب”:

”الربيع العربي” محاولة فاشلة لرسم الخارطة العربية

حاورته: فضيلة بودريش

جهود الجزائر في علاج النزاعات الإفريقية والعربية محل اعتراف وتقدير

تحدث البروفسور عبد الرحمان دراجي باحث في العلوم السياسية، عن تأثيرات ما يسمى بـ«الربيع العربي” على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقال معتقدا، أن محاولات قوى خارجية إعادة رسم خارطة للمنطقة باءت بالفشل، بعد بروز تحديات أخرى أسقطت الاستراتيجيات والخطط المدسوسة في الماء، وسلّط البروفيسور دراجي في حديثه لـ«الشعب” الضوء على جهود الجزائر الدبلوماسية لإنهاء الصراع في كل من ليبيا ومالي على وجه الخصوص، مشيدا بدورها الريادي في منطقة الساحل بعد أن راهنت على الحوار وجلوس الفرقاء حول طاولة واحدة للتفاوض، كما تناول قضايا دولية أخرى من بينها القضية الأم “فلسطين” والصحراء الغربية التي وصفها بتصفية استعمار وتقرير المصير هو الحل.

- ”الشعب”: ما هي آثار “الربيع العربي “بعد 7 سنوات من الدمار عبر العديد من الدول العربية.. ومتى تتوقعون نهايته؟
- البروفسور عبد الرحمان دراجي: سجّلت نظرتين وموقفين نحو ما يسمى بـ«الربيع العربي”، الأولى تعتقد أنه إرهاصات وتراكمات فجّرتها الجبهات الداخلية وجاءت بشكل عفوي على غرار ثورة الياسمين بتونس، وهناك من يرى بأنه مؤامرات لقوى خارجية خططت من أجل تغيير خارطة الشرق الأوسط، ومن ثم إعادة بناء هذه المنطقة الإستراتجية التي تمتد من أذربيجان إلى  شمال إفريقيا، وبعض الدول الغربية لم تنجح في تحقيق أهدافها، على اعتبار أنها حاولت قدر الإمكان قلب الأمور لصالحها، حيث انتظرت أن تقلب هذه “الثورات” الأنظمة، ثم تتمّ إعادة بناء هذه الدول، وبالتالي محاولة إيجاد بعض النخب التي تقود هذه الدول وتكون معها متقاربة في المصالح، لكن كل ذلك لم ينجح، ولو نأخذ على سبيل المثال ما يحدث من مشاكل في ليبيا من عدم استقرار وغياب الأمن، وفوق ذلك الانقسام المسجل، حيث هناك حكومة شرعية في طرابلس وأخرى في الشرق وثالثة في الخارج، علما أن المجتمع الليبي يوجد فيه أزيد من 250 قبيلة، ومقارنه بالوضع قبل فترة “الربيع العربي”، فإنه متدهور بل صار في ليبيا بانوراما من التنظيمات.
 والجدير بالإشارة إلى أن قضية ليبيا يمكن وصفها بالمشكل المعقّد، حيث لا الأمم المتحدة استطاعت حله ولا جهة أخرى، لا يخفى أن الدبلوماسية الجزائرية بذلت جهودا جبارة، حيث حاولت تقريب وجهات النظر، قوى أخرى عرقلت عملها وحاولت تخريبها بطريقة أو بأخرى، أما في الشقّ المتعلق بمتى ينتهى” الربيع العربي”؟ ..لا يمكن لأحد أن يتكّهن بذلك، فقد تحتاج هذه الدول إلى عقدين أوعقدين ونصف من الزمن لتستعيد استقرارها.

على الليبيين الجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض

- على ذكركم للتحديات التي تواجهها ليبيا في الوقت الراهن، لا يخفى أن الجزائر ركزت وراهنت على مصالحة تجمع الفرقاء.. إلى أي مدى يمكن لهذه المصالحة أن تُنهي هاجس التفرقة والصراعات التي أنهكت الشعب الليبي؟

- بالفعل إنها الخيار الوحيد، لا يوجد أي خيار آخر في الوقت الحالي، علما أنه لو أن دولة أخرى حاولت التدخل في ليبيا، تجد نفسها أنها استحدثت مشكلا آخر الليبيون في غنى عنه. الأزمة في ليبيا حلّها بيد الليبيين وحدهم، ومن الضروري تجنب الإقصاء لحل المشكل، وتكريس نوع من التسامح بين الليبيين، وبالتالي  فتح الحوار فيما بين الجميع من أجل الوحدة الوطنية وحتى يتمّ تطهير ليبيا من بقايا تنظيم القاعدة الإرهابي المتكون من عدة جنسيات. وخلاصة القول أنه ينبغي الجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض، والأمر لا يقتصر على ليبيا وحدها بل في سوريا واليمن كذلك.

- الصحراويون مازالوا يطالبون بحقّ تقرير مصيرهم بعد أن انتظروا كثيرا واستعملوا جميع الخيارات المتاحة، بداية من العمل الدبلوماسي إلى غاية الكفاح المسلح.. حسب تقديركم متى نرى الصحراء الغربية تنعم بالحرية والاستقلال؟
- يمكن القول أنه في السياسة كل شيء ممكن، وفي نفس الوقت كل شيء غير ممكن، وقد يتحقّق الهدف الذي يناضل من أجله الصحراويون خلال أسبوع، لو الطرف الآخر أصغى وجلس إلى  طاولة الحوار، ومن ثم القبول بخيار التفاوض قد يطول، لكن حقّ تقرير مصير الشعب الصحراوي حق مضمون في مواثيق الأمم المتحدة والقوانين الدولية، وفي الحقيقة الصحراء الغربية انتصرت دبلوماسيا، خاصة على خلفية أن الإتحاد الإفريقي دفع بالقضية نحو الأمام، بعدما كانت نوعا ما مغيّبة، وننتظر اليوم من الأمم المتحدة أن تخرج من حيّز القرارات، وتحاول قدر الإمكان وضع نوع من الضغوط غير المباشرة على المغرب، ولنعلم أن هذا الأخير ليس بمفرده، بل لديه مظلة دولتين غربيتين يتلقى دعمهما وحمايتهما، وأعتقد أنه في أي نقاش لحل القضية الصحراوية تقحم هاتان الدولتان نفسيهما لسدّ منافذ الشرعية، لكن ينبغي أن تأخذ هذه الدول بعين الاعتبار أنه إذا لم تحل قضية الصحراء الغربية، يبقى مشكل الساحل الإفريقي عالقا.
وبالموازاة مع ذلك يجب الإشارة إلى أن الصحراء الغربية بيدها ورقة أخرى والمتمثلة في العودة إلى المقاومة المسلحة، لكن من شأن ذلك أن يفتح أبواب جهنم على المنطقة بما فيها مالي والساحل الإفريقي بشكل عام، إذا تقرير المصير هو المدخل المؤمن للأمن واستقرار المنطقة برمتها.
           
عودة السلم إلى منطقة الساحل ليس مستحيلا

- ما رأيك في الدور الذي لعبته الجزائر دبلوماسيا لإطفاء بؤر التوتر بالساحل الإفريقي؟
-  دور الجزائر كان مشرفا جدّا، حيث ارتكز على الحكمة والرويّة، ويمكن وصف مبادرة الجزائر في مالي على سبيل المثال، بالكبيرة والمهمة تماما مثل دورها في ليبيا، رغم أطماع بعض القوى الخارجية في ثروات مالي، لكن بعد ما تعرضت له مالي خاصة بسبب الأيادي الخارجية التي عبثت بها، يبدوأن إعادة السّلم إلى منطقة الساحل الإفريقي  سيكون صعبا لكنه ليس مستحيلا.

- على ضوء هذه التحديات كيف يمكن إعادة السلم إلى المنطقة؟
- بعد الانتخابات في مالي، ينتظر من القيادة الجديدة الكثير من النزاهة والتماسك، وعلى اعتبار أن النزاهة والحوكمة والانضباط، تخلق الإجماع الوطني المنشود في مالي، والحلول يمكن التوصل إليها لإنهاء الصراعات من خلال طاولة المفاوضات.

- ما هو وضع ومستقبل القضية الفلسطينية بعد عاصفة “الربيع العربي” الذي بدأ يتلاشى، وبعد فشل محاولات رسم خارطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، لكن وسط استمرار التهديدات الأمريكية؟
- الجلي أن تاريخ القضية الفلسطينية حافل بالربيع العربي، أي من خلال تاريخ الانتفاضات، لكن تطور القضية الفلسطينية يتوقّف على مدى وحدة مختلف الفصائل الفلسطينية، ولا يخفى أن الخلافات ستطيل الوقت وكون عامل الوحدة جدّ مهم من أجل تحقيق نتائج إيجابية على أرض الواقع، وحتى يقطع الطريق في وجه من يحاول المتاجرة بأمّ القضايا العربية.
وأشير إلى فشل محاولة بناء منطقة شرق أوسط جديد بعد اقتحام العراق، لأنه في الوقت الراهن صارت توجد نزاعات إقليمية أخرى من طرف العديد من الدول، وفي ظلّ وجود بانوراما من التنظيمات على التراب السوري وهذا ما خلق نوع من  اللاّاستقرار، أضف إلى ذلك أزمة اليمن.

 الإرهاب والإسلاموفوبيا في أوروبا المتعددة الثقافات أحد مؤلفاتي

- طرحت في السوق الدولية العديد من المؤلفات التي صدرت لك بأمريكا وأوروبا، ولك كتب تحت المراجعة لا تزال في أدراج مكتبك، هل يمكن للقارئ أن يأخذ فكرة عن ذلك؟
 - بالفعل لديّ كتاب يحمل عنوان “حرب العصابات” في القرى والمدن، حيث يتناول تاريخ الثورة الجزائرية مع أمثلة أخرى من حروب العصابات في الصين والفيتنام والبرازيل، أي سلطت الضوء على كيف كانت حروب العصابات، وعكفت على دراسة معظم النماذج لحرب العصابات وظهر أمر أساسي يتمثل  في أنه بمعظم الحروب، يتم وضع نظرية ثم تطبق ويكون واضعها شخص معين، لكن في تجربة ثورة التحرير المجيدة لم تكن نظرية حيث جاء التطبيق مباشرة، وهذا سر قوة الثورة الجزائرية، بل وصارت نموذجا يحتذى به عالميا، والدليل على ذلك اتخاذها نموذجا في البيرو وبعض المناطق في أمريكا اللاتينية.
بينما الكتاب الثاني يتناول الثورة الجزائرية من 1954 إلى غاية 2000، أي بعد المصالحة الوطنية ويحمل عنوان “الإخوان في العقيدة ..أعداء في السلاح”. والكتاب الثالث حول حروب العصابات في الجزائر ومسيرة جبهة التحرير من الولادة إلى غاية الأزمة، ولديّ كتاب آخر عن الإرهاب والاسلاموفوبيا في أوروبا المتعددة الثقافات، صدر في ألمانيا في جوان 2007، وينقسم إلى شقين حيث الشق الأول يتناول ظاهرة الإرهاب ومفاهيم حول التصورات الخاطئة والعمليات الإرهابية في أوروبا ومن وراءها، وكذا قضية الاسلاموفوبيا ويغطي حتى أمريكا وأوروبا ومعاناة الجالية المسلمة، ولدي كتب أخرى تحت المراجعة على غرار كتاب “طريقة تغيير أنماط العنف في المغرب العربي”.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024