الأستاذ حسين بلخيرات في حوار مع “الشعب”:

التدخلات الأجنبية سبب في تعقيد الأزمة الليبية

حاورته: إيمان كافي

 

الانتخابات مرهونة باستتباب الأمن والانفراج
تعاقب ٤ مبعوثين أمميين مؤشّر على التمسك بالتسوية السياسية

 عندما التقى الرئيس الفرنسي في ماي الماضي بالأطراف الفاعلة في ليبيا وجمع حول طاولة واحدة كلا من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج،وقائد الجيش الليبي الوطني خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، واتفق الجميع على إجراء انتخابات في نهاية السنة، تنفّس كثيرون الصّعداء، واعتقدوا بأن لقاء باريس كتب آخر فصول الأزمة الليبية، لكن الواقع على الأرض أجهض هذا الأمل الكبير، حيث تفجّر الوضع في العاصمة طرابلس، وحاولت مجموعات مسلّحة إعادة الأزمة إلى المربّع الأول،وتجلّى بوضوح أن الخروج من النفق المظلم قد لا يكون في القريب العاجل.
 للاطلاع على التطورات السياسية والأمنية في ليبيا، ولمعرفة حظوظ التسوية السياسية هناك، حاورت “الشعب” الدكتور حسين بلخيرات أستاذ محاضر في كلية العلوم السياسية بجامعة الجلفة، فكان الحوار التالي.

- ”الشعب”: عاشت ليبيا صائفة ساخنة جراء المواجهات الدموية التي شهدتها  العاصمة طرابلس والتي وضعت العملية السياسية على المحك.. ما هي قراءاتكم لهذه التطورات؟
- الأستاذ حوسين بلخيرات: من المؤسف أن حالة الانفلات الأمني الأخيرة جاءت عكس السياق العام الذي يشير إلى بداية انفتاح الأطراف الليبية على تدشين مسار البناء المؤسساتي، هذا الانفلات الأمني الذي خلّف ما يقارب 120 قتيل، يلفت انتباهنا إلى عدة نقاط، أولها أن هذا الانفلات غير منفصل عن حالة الانقسام السياسي الحاصل،
ولذا من المهم تدشين مسار جدي لبناء مؤسساتي ينهي هذه الحالة.. الشيء الثاني المهم في هذا السياق، هو مراجعة وتعديل الترتيبات الأمنية في العاصمة طرابلس كمرحلة أولى تمهّد لاتخاذ خطوات عملية ملموسة في اتجاه بناء مؤسسات أمنية مستقرة، الأكثر من ذلك أن التنظيمات الإرهابية عادة ما تستغل حالات الانفلات الأمني من أجل القيام بأعمال إرهابية تؤثر على واقع الاستقرار الأمني، خاصة إذا تعلّق الأمر باستهداف منشآت حيوية مثل ما حدث مؤخرا مع الاستهداف الإرهابي للشركة الوطنية الليبية للنفط.. وما دام هناك خطر أمني رئيسي يهدّد الليبيين فالتركيز يجب أن يكون على إنهاء حالة الانقسام السياسي وبناء المؤسسات الأمنية.

- تصريحات ومؤشرات كثيرة تعكس بأن الانتخابات الليبية قد لا تجري في نهاية العام، كما تحدّد في لقاء باريس.. ما تعليقكم؟
- تنظيم الانتخابات في ليبيا تؤثر فيه مجموعة من العوامل، الأول مرتبط بالاتفاق على الإطار القانوني الذي سيتم على أساسه تنظيم الانتخابات، والعامل الثاني هو تطورات الوضع الأمني الذي يجب أن يتوفر فيه الحدّ الأدنى لتنظيم هذه الاستحقاقات.. ثم مواقف القوى الدولية الخارجية والتي تبدومتضاربة اتجاه هذه المسألة.

- ألا تعتقد بأن للتدخلات الخارجية دور كبير في عرقلة جهود حلّ الأزمة الليبية؟
-  علينا أن نفّرق بين نوعين من تعاطي القوى الخارجية مع الوضع في ليبيا.. أما الأول فهي الدول التي تتدخل في ليبيا بهدف التأثير في صناعة المشهد الداخلي هناك ارتباطا بأجندة سياسية خاصة بها، والنوع الثاني هو الدول التي تسعى إلى إيجاد تسوية سلمية لهذه الأزمة بما ينعكس إيجابا على الوضع الداخلي العام في ليبيا وعلى الوضع الإقليمي والدولي أيضا.. بالمختصر هناك من يتعامل مع الأزمة الليبية باعتبارها قضية نفوذ، وهناك من يتعامل معها باعتبارها قضية استقرار، ولذلك من المهم أن تدرك جميع الأطراف التي تؤثر تدخلاتها بشكل سلبي في اتجاه تعقيد الأزمة الليبية، أن هذا التعقيد لن يخدم لا الاستقرار الداخلي في ليبيا ولا الاستقرار الإقليمي والدولي، خصوصا وأن الأوضاع الهشة في الدول أصبحت هي البيئة الحاضنة المفضلة لانتشار التهديدات الأمنية ذات التأثير العالمي مثل الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والهجرة غير النظامية.. المشكلة أن هذه الأوضاع تجعل بعض الدول تهدّد باستمرار باستخدام القوة العسكرية وهو ما يزيد في تعقيد الأزمة أكثر من حلحلتها.

- كيف يمكن للأمم المتحدة أن تدفع العملية السياسية في ليبيا في ظلّ هذه الظروف؟
- من المهم إذا تكلمنا عن جهود الأمم المتحدة في سياق تسوية هذه الأزمة، أن نشير إلى أن ذلك يقع في صميم عمل هذه المنظمة الدولية، إذ من بين الأهداف الأساسية لهذه المنظمة هو التوصل إلى تسوية للنزاعات الداخلية والدولية.
من الناحية العملية تعاقب أربعة مبعوثين أممين على الأزمة الليبية، وهو من جهة مؤشر على حرص المنظمة الدولية على التوصل إلى تسوية سلمية لهذا النزاع، ومن جهة أخرى على تعقّد الأزمة التي تستدعي تكثيف الجهود.
أبرز ما تمّ التوصل إليه في سياق الجهود الأممية هو توقيع اتفاقية في ديسمبر 2015 والايجابية الأساسية لهذا الاتفاق أنه أعطى بعدا خارجيا لمسألة الشرعية التي تعثر التوافق عليها داخليا من خلال تأسيس حكومة الوفاق الوطّني والتي أصبحت تشكل أمام المجتمع الدولي الممثل الرسمي للدولة الليبية.. لكن لو دققنا في مضمون هذا الاتفاق سنجد أنه اتفاق قانوني يصلح لكي يشكّل قاعدة للتوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة وليس هوالذي يتضمن هذا الحل في حد ذاته.. بمعنى أن المطلوب هو ربط مضمون هذا الاتفاق بحل سياسي شامل يراعي جميع الأطراف.
ما يجب التنويه إليه في هذا السياق، أن جهود منظمة الأمم المتحدة، مهما كانت ذات فعالية، فإنها تحتاج أيضا إلى جهود الدول بشكل منفرد في التوصل إلى التسوية السياسية المطلوبة ومنظمة الأمم المتحدة تدرك جيدا الدول التي تلعب دورا إيجابيا في هذا السياق.

- أيّ مخرج للأزمة الليبية بعد كل هذه السنوات من العنف والفوضى؟
- أعتقد أن الحل الأمثل للأزمة في ليبيا هو ذلك الذي يجب أن يستند إلى منطق المصالحة الوطنية وذلك لعدة أسباب: أولا الوضع الليبي لا تؤثر فيه الأطراف السياسية فقط، ولكن مجموعة متنوعة من الميليشيات العسكرية، وهؤلاء لن يقتنعوا بالاندماج في مسار البناء المؤسساتي سياسيا وأمنيا إلا في إطار يتأسس الحل فيه على مصالحة وطنية شاملة.
ثانيا، يشير الواقع الميداني إلى أن المحسوبين على النظام السابق يشكّلون طرفا أساسيا في المشهد الليبي، ولذا أي حل للأزمة لا يمكن أن يتجاهل هؤلاء ولا يمكن تقبل ذلك إلا في سياق مصالحة وطنية شاملة.
ثالثا، إن أحد الأسباب الرئيسية لتعقيد الأزمة الليبية،هي تلك المتعلقة بالتدخلات الأجنبية، وتدشين مسار وطني للمصالحة سيحصر بشكل كبير تفاعلات الأزمة على المستوى المحلي الليبي مع مراعاة الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه أطراف خارجية في دعم هذا المسار.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024