يتفق الجميع على أن لا سياسة ناجحة بدون نخبة مثقفة يكون على عاتقها لعب دور الرقيب والموجه والموعي في القرارات وتسييرها، وتعود لها مسؤولية التنوير وخلق التوازن بين الساسة والمجتمع، وهو دور لا جدوى من التهرب منه، حسب الكاتب الصحفي عبد الحكيم أسابع من جريدة النصر بل لا بد على كل مثقف كما يشير من خلال هذا الحوار أن يلتزم بالممارسة السياسية، ويساير ويتابع ويشارك في كل القرارات السياسية، وأن يبتعد عن التهميش والانعزال.
«الشعب»: إلى أي مدى يمكن للمثقف أن يكون شريكا للسياسي ويساهم في صناعة القرار؟
الكاتب الصحفي عبد الحكيم أسابع: ظلت الكثير من الأسئلة تُطرح على مرّ العشريات الماضية، حول ثنائية الثقافة والسياسة وعلاقة المثقف بالسياسة: هل المثقف ملزم بأخذ مواقف سياسية؟، وهل له أدوات السياسة التي تمكّنه من إبداء الرأي أو أخذ مواقف في قضايا راهنية ومحورية؟، وهل على المثقف أن يكون معنيًا بالسياسة أو منتميا لها.
وقد تعدّدت الآراء في هذا السياق، إذ يرى بعض المتتبعين بأنه من الضرورة بمكان أن نفرّق بين الفعل السياسي المنظم داخل مؤسسات محددة، والفعل السياسي الحر الذي لا يرتبط إلا بنسق فكري خاص منفصل عن الأفراد والمؤسسات، ومن ثم نفرق بين المثقف السياسي والسياسي المثقف.
وكيف يمكن التفريق بين الفعلين؟
من الحجج التي يقدمها أصحاب هذا الطرح أن الفعل السياسي المنظم يقتضي الارتباط بمنظومة تفرض على منتسبيها رؤية موحدة مسبقة، على غرار المنخرطين في تيارات حزبية ما، وطنية ديمقراطية أو إسلاماوية.
أما الفعل السياسي الحر ـ برأيهم، فهو وعي مستقل عن أي ارتباط، إنه يتعالى نظريا على مواثيق الأفراد والأحزاب والمؤسسات السياسية، و من هنا، فإن المثقف ينتمي، أو يستحسن ـ حسب هؤلاء، أن ينتمي، إلى الفعل السياسي الحر، ويمارس دوره السياسي، من خلال رؤيته السياسية الخاصة، وليس، بالضرورة، من خلال انخراطه في حزب سياسي، باعتبار أن ‘’الأحزاب السياسية في بلداننا لم تعرف، إلى الآن، طريقها إلى الديمقراطية’’.
كيف تقيّم كإعلامي ومتابع عن كتب للمجال السياسي في البلاد مكانة المثقف في دائرة السياسة؟
المثقف هو جزء أساسي وفاعل في المجتمع بغض النظر عن مدى مشاركته في قيادة هذا المجتمع، ويأتي ذلك من كون منتجه الثقافي يساهم في تنوير الرأي العام والتأثير فيه وتعديله، لأن الثقافة هي زبدة الوعي الاجتماعي، ومؤشر على مدى التقدم الذي بلغه المجتمع، لكل ذلك فإنه يمكننا القول أن عمل المثقف هو عمل سياسي بامتياز.
ما هي الأسباب وراء ابتعاد المثقف الجزائري عن دائرة السياسية؟ هل هو قرار فردي أم تهميش ممنهج؟
لأن التجارب السابقة التي أكدت أن رداءة السياسة تنجر عنها رداءات أخرى تماما مثل رداءة التفكير تنجر عنها كوارث تصيب المجتمع، تسلل أصحاب المال الوسخ إلى المؤسسات المنتخبة، فأرى بأن النخبة ملزمة بالضرورة باتخاذ موقف سياسي وتقديم القدوة للقطاعات الأقل تعليما، لأن المثقف يتمتع بقدرة بالغة على التعبير وتوصيل الأفكار البناءة، وتحويل التصورات والأفكار إلى ممارسة وواقع معيش، وهكذا نكرس العمل السياسي الحقيقي الذي يرتكز جوهره على الحكامة وحسن التدبير.
كيف السبيل إلى بناء ثقافة بنّاءة وفعّالة في معالجة قضايا البلاد المختلفة وإعادة تصالح المثقف مع عالم السياسة؟
لا أعتقد وبرأيي أن ثمّة فائدة من إبداعات المثقف إذا هو لم يحمل هموم الوطن في قلبه وعقله؟ ويرفض الانخراط في الفعل السياسي، والمثقف الذي يتوهَّم الحياد فيما هو مصيري بالنسبة لوطنه وأمته، إمَّا أنه لا يدرك قيمة وجوده، أو أنه يترقَّب ما تؤول إليه الأمور ليغنم سلامته ورزقه.
صحيح بأنه بالإمكان أن نجد، عبر التاريخ، سياسيا كبيرا من غير أن يكون مبدعا، لكن يستحيل أن نجد مبدعا عظيما من غير أن يكون سياسيا أيضا، فالمثقف ضمير وموقف وليس شرطا أن يتحزَب أو يعتلي كرسياً، وإذا ما تمَ تهميشه أو استدراجه، فلأنه لم يُبدع أدواته الثقافية والتنظيمية التي تمكِنه من التأثير والقدرة على التغيير.
شهدت الحملات الانتخابية السابقة للمحليات والتشريعيات مشاركة مثقفين كثر، تمت تعبئة العديد منهم من قبل التشكيلات السياسية هل هي قناعة منهم في المشاركة في التغيير أم ركوب موجة الظهور والمصالح الشخصية؟
الحاصل، أنه من الضروري إعطاء المثقف دوره الحقيقي الذي يمكّن الجزائر من أن تكون في مستوى رائد ولو بالنسبة للدول العربية، وبالتالي تعزيز موقعنا كبلد نموذجي أخذ تجربته بدمه وكنموذج عاش العشرية السوداء وخرج منها منتصرا.
إن ترشح المثقفين في مختلف الاستحقاقات الماضية أراه أمر طبيعي، لأن هذا المثقف هو كائن إنساني يتفاعل مجتمعه ويتلمس بدقة وإحساس مشاكله ومواجع المواطن وبالتالي هو القادر على نقلها وليس الآخر الذي يتقن فن المراوغة والمماطلة، وأقصد أصحاب ‘’الشكارة’’ و’’الانتهازيين’’.
ومن هنا أدعو المثقفين الذين تتاح لهم الفرص الانخراط في السياسة في إطار حزبي أو خارجه، لكي لا يتركوا الفراغ لذلك الذي همّه هو بطنه ومصلحته الخاصة، أو من لهم تعصب لجهة أو منطقة أو من له تطرف فكري أو انتماء متحيز، فإذا ما حدث ذلك فلا يجب على المثقف أن يتباكى على ملك ضاع منه بل عليه أن يتحمّل مسؤوليته كاملة فالتاريخ لا يرحم.