تعد ولاية عنابة من بين مدن الجزائر التي تنام على تراث مادي ولا مادي هائل، يعبر عن عراقتها وتعاقب الحضارات عليها، حيث لا يمكن لأي زائر أن يدخل هذه المدينة دون أن تكون له زيارة للمواقع الأثرية والمعالم التاريخية التي تتوفر عليها بونة، والتي أهّلتها لأن تكون واجهة سياحية بامتياز.
من لم يسمع بالمعلم الشهير «لالة بونة»، ومن لم يزر متحف «هيبون» و»مسجد أبو مروان» «والمدينة القديمة»، لا يحق له القول بأنّه يعرف هذه المدينة أو قام بزيارة لها والتجوال بشوارعها وأزقّتها، فعنابة عاصمة الساحل الشرقي، والتي تلقّب بجوهرة المتوسط زادها تألّقا وجمالا الآثار والمعالم التاريخية المنتشرة عبر مختلف مناطق الولاية، على غرار القصبة التي تعتبر من أشهر المعالم المنتشرة بأغلب جهات الوطن، حيث تعتبر إرثا تاريخيا، وتحتوي «قصبة عنابة» على العديد من البيوت التي تتوسّط حدائق واسعة، وتأخذ شكل معمار أندلسي، ناهيك عن الصناعة التقليدية التي تتميز بها المدينة من صناعة الخزف والفخار والجلود والزرابي..
ويطلق على أزقة القصبة أو المدينة القديمة أسماء الأضرحة الكائنة بها، حيث تشكّل أهمية لدى سكان «بلاص دارم» على غرار «سيدي خليف»، «سيدي أبو مروان الشريف»، «سيدي بلعيد»، وتعتبر منطقة «الفنقة» أو»بوقصرين» وتقع بالقرب من الجسر الذي يعرف في عنابة بـ «قنطرة الهواء» التي أسّست في العهد الفاطمي تحفة بحد ذاتها.
غير أنّ المعلم التاريخي «القصبة» بحاجة إلى التفاتة فعلية من قبل السلطات، حيث تكاد جدرانه تنهار على ساكنيه، ما ينم على الاهتمام غير الكافي بالتراث المادي لعنابة، وهو ما وجب الالتفاف له أكثر.
مسجد بزخرفة تركية أندلسية
كما يعتبر مسجد «أبو مروان الشريف» من ضمن أقدم المعالم الإسلامية الموجودة في الجزائر، وقد أشرف على بنائه وتأسيسه «الليث البوني» الذي ينحدر من عائلة كريمة في عنابة تعرف بـ»دار النيار»، وقد حوّل هذا المسجد خلال فترة الاستعمار سنة 1832 إلى مستشفى عسكري، ويحمل المسجد ضريح الإمام أبو مروان الشريف، ليتحول جزء منه إلى مدرسة لتعليم القرآن والجهة المتبقية إلى مسجد للمصلين.
مسجد أبو مروان معلم تشتهر به عنابة، يستقطب كل سنة ما يقارب 1000 زائر من داخل الوطن وخارجه، أخذ تصميمه المعماري من الزخرفة التركية، أما المئذنة المربعة وأحادية الشرفة فقد استمدت من الطراز الأندلسي لمسجد قرطبة.
كما تشتهر بونة بكنيسة «القديس أغسطين» التي شيّدت فوق هضبة بالقرب من موقع «هيبون»، وتعود فكرة هذا الإنشاء للأسقف «دوبوش» عام 1839م كتخليد لذكرى القديس أغسطين، ليتم بناء هذا الصرح في الفترة الممتدة بين عامي 1881 و1900م.
200 معلم أثري بموقع هيبون
في حين أنّ موقع «هيبون» والذي يتوفّر على أكثر من 200 معلم أثري، من بينها 10 مواقع ومعالم مصنفة، فيعد من أشهر ما تتميّز به بونة من أثار، ويتوفّر هذا الموقع على حمامات رومانية، تعرف باسم حمامات الشمال لتموقعها في الحي الشمالي للمدينة، والتي تعتبر من أكبر الأبنية الأثرية القديمة وأجملها، ويبلغ طولها 75م و60م عرضا، تحتوي على مسبح كبير مكشوف وقاعة المياه الباردة المعروفة بـ «فريجيداريوم»، التي يبلغ طولها 30م وعرضها 15م، وزوّدت الصالة من الداخل بثلاثة حنفيات في الزوايا، حيث تحتضن كل حنفية حوضا للمياه كمغطس، كما تتوفّر الصالة على العديد من التماثيل منها تمثال «اسكولابيوس» العملاق و»أفروديت» و»منرفا»، إلى جانب تمثالي «هيراقليوس» و»ديونيسوس»، وتعتبر القاعة من أجمل صالات العروض للشخصيات المتنوعة، كما تتوفر على الكتابات التذكارية المتنوّعة، والتي تتحدّث عن تواريخ وشخصيات هامة مثل الفيلسوفين «سكولابوس» و»فرونتون».
كما يتوفّر الموقع أيضا على المسرح الروماني والذي يتربّع على مساحة تقدّر بـ 28 هكتارا، إلى جانب «الفوروم الروماني» والذي يظهر على شكل ساحة رباعية مستطيلة ومكشوفة، ومحاطة بأروقة معمدة في موقع يتوسّط مدينة عنابة عمرانيا بشكل تقريبي، وتحيط به الأبنية العامة والأكثر رونقا في المدينة، والشبيهة بالعديد من المدن الأثرية بسوريا.
ما يمكن القول فقط أنّه بالرّغم من الاهتمام الذي حضيت به بعض المواقع الأثرية ببونة، إلاّ أنّ العديد منها ما يزال بحاجة إلى التفاتة السّلطات المعنية لإعادة تأهليها وترميمها، حتى تكون وجهة سياحية بامتياز، على غرار «المدينة القديمة» والتي تحكي جدرانها وأزقّتها تاريخ بونة العريق.