أرجع، الدكتور شرفي شمس الدين، أستاذ محاضر بمعهد الآداب واللغات بجامعة الشهيد عباس لغرور بولاية خنشلة، ارتفاع نسبة المقروئية في الجزائر لدى جيل السبعينيات خاصة، إلى ثلاثة عوامل رئيسية تتعلّق بالتنشئة الأسرية والسياسة التعليمية في البلد، إلى جانب دور الإعلام المرئي في تشجيع القراءة أنا ذاك، داعيا إلى هجر الصحافة الصفراء، وتشجيع القراءة العميقة القائمة على التركيز والانتقائية، مع ضرورة تفعيل دور المكتبات العمومية، ودعم الكتاب وكذا تشجيع الترجمات، من أجل صناعة جيل يقرأ وينتقي ما يقرأ، لتكون بذلك نخب مؤثرة تساهم بشكل أساسي في الرفع من نسبة المقروئية.
أوضح، الدكتور لـ»الشعب»، في هذا الإطار، أن العوامل الرئيسية الثلاثة التي صنعت جيلا يقرأ في السبعينيات تتمثل في التنشئة الأسرية الكثير من المثقفين الكبار، الروائيين، شعراء، مبدعين، أكادميين، نشأوا في اسر لها نصيب وافر من العلم والثقافة، مثلا الشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة، فكلما كانت الأسرة واعية بقيمة التحصيل المعرفي والثقافة، كان نصيب أفرادها من القراءة أوفر.
ثم السياسة التعليمية، يعرف الدكتور السياسة التعليمية في هذا الصدد بأنها، نظام الحوافز المعتمدة في المنظومة التعليمية، فقد كان التلاميذ المتفوقون في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، يكافأون بجوائز عبارة عن قصص أطفال وكتب علمية وثقافية، وكان التنافس حادا من أجل الحصول على هذه الجوائز لأن الوعي بأهمية القراءة وضرورة المعرفة كان كبيرا حينها.
دور الإعلام المرئي في تشجيع القراءة، أحسن مثال على هذا الدور حسب ذات المصدر، هو حصة تلفزيونية مشهورة كانت تبث سابقا كل خميس على المباشر، بالقناة العمومية، وتتضمن أسئلة وأجوبة ومسابقات على المباشر بين طلبة الأقسام النهائية، حيث كانت شعبية جدا، لكن للأسف يضيف الأستاذ استبدلت بحصص أخرى تروج لتسطيح الفكر وتزييف الوعي كحصة الألغاز الخمسة.
ومن أجل رفع نسبة المقروئية المتدنية جدا، دعا الدكتور إلى ضرورة هجر القراءة السطحية الأفقية، وتشجيع ودعم القراءة العميقة العمودية وتفعيلها، ويكون ذلك من طرف الدولة وبمشاركة قوية للنخبة.
قال الأستاذ مفصلا «القراءة السطحية هي قراءة الجمهور العريض لأنها قراءة غير متخصصة وتفتقر إلى التركيز وتقوم على العشوائية في الاختيار، والسبب الكبير في تدهور القراءة وانخفاض المقروئية يرجع إلى هذا النمط، اقصد ما يسميه المتخصصون بالصحافة الصفراء، اي صحافة الفضائحية التي تقوم على النقد السلبي والتركيز على المساوئ، فضلا عن التعميم المتسرع للحوادث الجزئية المعزولة، وكذا اعتمادها على التشويش البصري وكثرة الصور غير المترابط».
وأضاف الدكتور» هذا النوع من القراءة يزرع في الضحايا وهم المعرفة، ولكنها في الواقع معرفة سطحية وزائلة وساذجة غير مبنية على أسس منطقية وبراهين عقلية، وخطر هذا النوع من القراءة يكمن في أنه يصرف ضحاياه عن منابع المعرفة الحقيقية، أي عن الكتاب المتخصص لأنه يقوم على نوع من الإدمان العقلي للمواد غير المترابطة موضوعتيا ومنهجيا وعقليا، الغالب عليها أنها مواد موجهة للاستهلاك العام لا أكثر».
دعم الكتاب ضرورة لجعله
في متناول كل الفئات
أما القراءة العميقة، فيقصد بها حسب ذات المتحدث، القراءة الأكاديمية وقراءة النخبة كونها تقوم على التركيز وعلى الانتقائية، وتحتاج إلى دعم مستمر من قبل الجهات الوصية والمتمثل في ثلاثة عناصر مهمة.
هذه العناصر هي أردف الأستاذ، تشجيع الترجمات، أي ترجمة ما يكتب باللغات الأخرى إلى العربية، حتى يتسن لأكبر شريحة أن تقرأ ما يكتب ويصدر عبر المعمورة، هذا إلى جانب ضرورة دعم الكتاب الذي كان قائما سابقا، وذلك من أجل جعله في متناول كل الفئات، فضلا عن إنشاء المكتبات العمومية وتفعيل دورها خدمة للقراءة.
قراء عاصمة الولاية من دون مكتبة عمومية منذ 12 سنة
مدينة خنشلة، تفتقر في الوقت الحالي، إلى مكتبة عمومية تستقبل القراء، بعدما تمّ غلق وتهديم قاعة على حفطاري منذ 12 سنة، والتي كانت تحتضن مكتبة تحتوي أمهات الكتب، وتقع بقلب المدينة.
وقد تمّ في هذا الإطار، إنجاز مكتبة بلدية بحي الكاهنة بمكان بعيد مغير معروف، وأنهيت الأشغال بها منذ سنوات، لكن لم يتم فتحها لحد الآن لأسباب مجهولة، وقد حاولت «الشعب» الاتصال برئيس بلدية خنشلة لسماعه حول موضوعي عدم فتح المكتبة الجديدة ووجهة الكتب التي كانت بمكتبة على حفطاري، إلا أن الأمر تعذر علينا.
قطاع الثقافة بالولاية، عمل منذ سنوات على انجاز مكتبات نصف حضرية بالدوائر، منها ما تمّ تشغيلها كمكتبتي قايس والحامة، ومنها ما هي في طور الاجراءات للتشغيل خلال السنة الجارية.
هؤلاء من زرعوا فينا
حب القراءة والمعرفة
أبى الدكتور شرفي شمس الدين خلال لقائه بـ»الشعب»، إلا أن يرفع تحية إجلال وإكبار لروح معلمي مدرسة داودي عبد المجيد، لما كان لهم من دور مهم جدا في بناء جيل السبعينيات، منهم والده محمد الصالح شرفي، وماجري احمد رحمهم الله، وبلحسين فاتح السعود والسيدة ماجري مليكة حفظهم الله.
هذا إلى جانب، شخصية مهمة جدا بخنشلة، وهو عمي صالح مشراوي رحمه الله، صاحب أول مكتبة خاصة، حيث كان يساهم بقدر كبير جدا في زرع ثقافة القراءة والمعرفة بخنشلة، كان يتبرع بالجرائد والكتب والمجلات خدمة للقراءة فلم يكن همه الربح بقدرما كان همه نشر ثقافة القراءة والمعرفة.