الشّاعرة نايلة عبيد (تونس)

التحوّل الشعريّ الثالث في الانتقال مِن بلاغة الشّعر وتنميقه إلى الاهتمام بالحياة

ن ــ لعراجي

 

 الومضة الشّعرية لم تصبح في الشّعر العربي المعاصر نوعاً أدبياً مستقلاًّ

ولتعدّد التجربة المغاربية، ارتأينا أن نسلط الضوء أيضا على تجارب شعرية أخرى حاولنا التقرب من التجربة التونسية والعراقية والمغربية، تحدّثت الشاعرة التونسية نايلة عبيد بأن الأدب العربي المعاصر شهد التحوّلات الثلاث في طريقه إلى التطوّر والحداثة لأن التحوّل الأوّل في الانتقال من الضّعف والرّکود إلى القوّة والحرکة بخاصّة مع محمود سامي البارودي. الثاني مع خليل مطران الذي فتحَ بابَ الشعر العربي على مصراعيه على الغرب ولاسيما الغرب الفرنسيّ.

أضافت نايلة عبيد بأن التحوّل الشعريّ الثالث في الانتقال مِن بلاغة الشعر وتنميقه وبرج عاجيته إلى الاهتمام بالحياة والشعب، وهذا کان في کثير من شعر المهجر وشعر جماعة أبولو. وفي هذه المرحلة وبعدها «برزت الأوزان الخفيفة والإيقاعات السريعة والتناوب الإيقاعي وترديداته، کما برزت الإيقاعات الغنائية السريعة الصافية فأفادَ الشعراء مِن هندسة الموشّح وهيمنة الرّباعيات والمزدوجات والنّظام المقطعي هيمنة طاغية».
في السياق ذاته، أبرزت أنّ ما شهدهُ القرنُ العشرون مِن تسارع في حرکة تطوّر الشعر وتجديده، يتوافق والمجال يقول يوسف، وفي هذا حركة التغيير المتسارعة التي هزّت العالم خلالَ هذا القرن الخال:  «نحنُ نجدّد في الشعر، لا لأنّنا قرّرنا أن نجدّد، نحنُ نجدّد لأنَّ الحياةَ بدأت تتجدّد فينا، أو قُل تجدّدنا، فنجاحنا مؤکّد ولا حاجة لنا بأي صراعٍ معَ القديم. القافية التقليدية ماتت على صخَبِ الحياة وضَجيجها والوزنُ الخليلي الرتيب ماتَ بفعلِ تشابك حياتنا وتغير سيرها.
 وکما أبدعَ الشاعرُ الجاهلي شکله الشعريّ للتعبير عن حياته، علينا نحنُ کذلك أن نبدع شکلنا الشعريّ للتعبير عن حياتنا التي تختلفُ عن حياته». لعبت القصائد الطويلة دوراً في ابتعاد الجمهور عن الشعر، وجاءت قصيدة الومضة لتعيد هذا الجمهور الذين تعبوا من الإسهاب والسرد الخطابي، والذين لم يعد لديهم من الوقت ما يکفي لقراءة الأشعار الطويلة المملة إلى هذا الفن الجديد.
وقد قيل: «البلاغة هي الإيجاز»، کما قيل «خير الکلام ما قلَّ ودلَّ». ويتداخلُ مع معنى الومضة، البرقية، ولذلك يقال: «القصيدة البرقية، القصيدة الومضة وهي قصيدة مکثفة ومختزلة جدّا». روّادها: ظهرت حرکة «الشعر المنثور» على يد أمين الريحاني، سنة 1910 و»النثر الشعري» علي يد جبران خليل جبران ابتداءً من کتابه «دمعة وابتسامة» سنة 1914، واستمرت في کتابات آخرين من أمثال مصطفى صادق الرافعي، أورخان ميسر، حسين مردان وغيرهم. حتى ظهرت قصيدة النثر عام 1954، متأثرة بالآداب الأجنبية والموروث الشعري شهدت قصيدة النثر تحولات فنية وفکرية، تتوافق والتحول الفکري والحضاري للعالم المعاصر، حيث مال کتاب قصيدة النثر إلى اللجوء إلى التوقيعات والومضات الشعريّة الخاطفة التي كانت نصاً مکثفاً يميل إلى الإدهاش والمفارقة. «کان لعز الدين المناصرة، قصب السبق في التأسيس في  لهذا النمط من القصيدة «المفرقعة»، «القنبلة الموقوتة»، کما أثّر بوقائعه الغريبة  
في جيل كامل من الشعراء مشرقا ومغربا: أحمد مطر ومظفر النواب من العراق، سيف الرحبي من عُمّان ونادر هدي وزياد العناني من الأردن، وروز شوملي ومحمد لافي من فلسطين وعبد الله راجع ومحمد بن طلحة وحسن نجمي ومحمد بوجبيري وجلال الحکماوي من المغرب مثلما سبق له، أن أثّر في قصيدته الطويلة «مذکرات البحرالميت 1969» في قصيدة «صور» لعباس بيضون عام 1974. ومنذ أوائل الثمانيات استطاع المناصرة أن يجذب زميله محمود درويش إلى حلقة الکنعاني الخاصّ، فقد انتقل إليه درويش في التسعينات. يشکّل عزالدين المناصرة إلى جانب نزار قباني، مظفر النّواب، أمل دنقل وأدونيس، شعراء الرفض الوجودي، بعد هزيمة 1967 والهزائم التي توالت على العرب، وأغلبهم يملکون تجربة عميقة وتمرسا وفهماً للحداثة؛ سواءً في التشکيل الموسيقي أو التصوير، کما استطاعوا في محاولتهم التوفيق في إيجاد معادل موضوعي شعري عبر عنصر المفارقة والسخرية الحادة.
يبدو أنّ الومضة الشعرية لم تصبح حتى الآن في الشعر العربي المعاصر، نوعاً أدبياً مستقلاً قد استقرّت أعرافه وتأصّلت تقاليده، بالرغم من اندفاع الشعراء المبدعين اليوم نحوها، ولکن لها مکان متميزٌ باعتبارها أحد التنويعات البارزة في الحداثة الشعريّة؛ بما أنّ  الومضة الشعريّة تحاول إلغاء الشکل القديم للقصيدة العروضية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024