النّاقد كه يلان حنفي / العراق

التّسويق لمصطلح نهاية الشّعر وإسدال الستار على زمنه

ن ــ لعراجي

اعتبر النّاقد كه يلان حنفي وهو متابع للشأن الادبي العربي على وجه العموم، بأن تصاعد موجة التقانة التي غيرت أشكال العلاقات في المجتمع وغذت الرغبة الإستهلاكية لدى الكائن الإنساني، بحيثُ يفوق عدد الذين يرتادون المتاجر على من يحضرُ المناسبات الثقافية والفعاليات الأدبية ونشوء العالم الشبكي بموازاة العالم الواقعي.
مبرزا بأن ذلك يفتحُ الباب على أسئلة ملحة حول مصير المعطيات الفكرية والأدبية، ولعلَّ الشعر كجنس أدبي تقع عليه أكثرمن غيره تداعيات هذه التحولات المتسارعة، وما يحدو بنا لاستشراف مستقبل الشعر في عالم رقمي هو تسويق بعض الأوساط الثقافية لمصطلح نهاية الشعر، وإسدال الستار على زمن الشعر متذرعين بأن الشعر لا يستجيب لمتطلبات الإنسان المعاصر، لذلك ما على الشعراء إلا الإنسحاب من المشهد لمن يكون أكثر قدرة على شق الطريق في فضاء تسيّدت فيه قيم الاستهلاك ومنطق الرأسمالية.
إلاّ أنّ حنفي يعتبر أنّه من الخطأ الانسياق وراء هذا الاتجاه دون تأمل ما مرَّ به الشعر من التطور، وما اجترحه الشعراء من أشكال وقوالب شعرية جديدة بحيث لم تَعُدْ اللغة الشعرية رهنَ صيغ نمطية، بل انطلقت نحو تجريب أشكال جديدة دون أن تخسر اعتبارها لدى المتلقّي.
 وما قام به روّاد الشعر الحر في العراق من ارتياد أفق جديد ونجاحهم في إعادة تشكيل ذائقة المتلقي دليل على ما في الشعر من الإمكانيات على التنويع وتحويل البدهيات إلى مادة شعرية، بجانب ذلك حافظ رواد الشعر الحديث على جمهورهم، كما أنّ الشعر يتداول على مواقع التواصل الاجتماعي.
غير أنّ كل ذلك لا يقنعنا بأنه لا توجد تحديات كبيرة بالنسبة للشعر في زمن تشيء القيم والمبادئ وتعمق الأزمات الإنسانية على المستوى الروحي، ووقوعه في فخ الصورة. من هنا يتبين بأن الأزمة ليست مرتبطةً بعجز الشعر بقدر ما هي أزمة إنسانية في عالم لا يتوقف عن ضخ السلع على الأسواق، فبالتالي يكبرُ حجم الحاجات المادية ويختفي البعد الروحي، كما تضمحلُ الأحلام لأنَّ وسائل الإعلام تُوهَم بأن العالم لا يكون أفضل مما هو عليه الآن، لذلك لا مبرر لرغبتك في بناء عالم مغاير، حيثُ استعاض الإنسان أحلامه الكبيرة بالتغيير بتحولات على المستوى الشكلي. هنا لابُدَّ من التساؤل حول أشكال شعرية جديدة أو ما يسمى بالومضات والشذرات، هل هو رمق أخير للشعر أو نوع آخر من الشعر يلائم مع مواصفات العصر؟
 السرعة، الإيجاز، التبسيط، نعتقدُ بأن محاولة كتابة هذا النوع من الشعر سبقت ظهور المجتمع الشبكي، إذا فتشت دواوين الرواد تجد أنها لا تخلو من الجمل الشعرية المختصرة والعبارات المركزة ربما يأتي أُنسي الحاج في مقدمة من راق له هذا اللون.
معتبرا أيضا أن الشاعر والفيلسوف السوري أدونيس لا يمانع إيراد جمل مكثّفة في قصائده، بحيث يمكن التعامل ببعض جمله كوحدة مستقلة، ومن الملاحظ أن هذه الجمل الشعرية مطعمة بالحكمة وتعبرُ عن رؤية فلسفية عميقة، لا غرو أن أختم الكلام عن الشعر بموقف أحد أبرز فلاسفة القرن العشرين، وهو ميشل فوكو الذي كان قد أعلن عن رغبته لإعطاء رسالة دكتوراه لمن يعطي له بيتين من الشعر. هل تُعزى رغبة الفيلسوف إلى ما يمتلكه الشعراء من الجنوح واستئثارهم بحلم التغيير؟

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024