د. حميصي: الرقص الشعبي يوازي كل رقصات العالم الشعبية
أ. ابراهيم : نستطيع القول إن فن الإيماء في الجزائر اختفى
د. سلامة: لا يمكن تكوين مسرح بدون جسد
تتواصل بالباهية وهران فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان المسرح العربي، التي ناقشت أول امس في ندوتها الرابعة فن الإيماء والتعبير الحركي، وكانت الفرصة سانحة أمام الدكتور فائق حميصي من لبنان لتفنيد الراي القائل «العرب ضعفاء في فهم الجسد» مؤكّدا أنّ «الرقص الشعبي يوازي كل رقصات العالم الشعبية».
قال حميصي، خلال الندوة التطبيقية الموسومة بـ»حين تضيق العبارات يتسع الإيماء» شبكة فنون الإيماء والتعبير الحركي، أنّه «توجه في اتجاه الجسد والفن لكسر هذا الطابوه، مشيرا إلى تاريخ فن الحركات الايحائية أو البانتوميم ، وهو نوع من فن التمثيل الصامت المؤدى من قبل فنان أو مجموعة فنانين على خشبة المسرح ، بغرض التعبير عن الأفكار والمشاعر والآراء عن طريق الحركة الايحائية للجسم فقط.
أوضح أنّ التعبير الصامت أو الميم شكل مسرحي قديم عرف لدى الشعوب القديمة كاليونانيين والرومانيين واليابانيين والصينيين، بيد أنه نشأ في المسرح اليوناني للدلالة على التقليد والمحاكاة، كما عرفه المسرح الروماني» تقليدا للطبيعة الإنسانية، وكانت عروضه في البدايات تتضمن النقد الاجتماعي والسياسي، ولعلّه كان الوسيلة الفعالة للهروب من مخاوف الكلمة المنطوقة».
وقد عاد نفس المتحدّث إلى الموروث الشعبي، ليؤكد أن «الوطن العربي كان سباقا بفنونه وآدابه التي اعتمدت بشكل كبير على فن استخدام الإيماء والحركة» في إشارة منه إلى بعض النماذج الشعرية وما ورد في كتاب الاغاني الأصفهاني وشخصية «أشعب» إحدى الشخصيات الطريفة في التاريخ العربي الأسلامي.
كما تحدث بإسهاب عن الموروث الشعبي بمختلف أنماطه وقوالبه التي اعتمدت في مفرداتها على فنون الرقص والغناء موضّحا بأنّها «ضرب من أشكال إيصال المعلومة بالإشارة والومى والصمت، بالاعتماد على الإشارات وتقاسيم الوجه وحركات اليد والجسد..
كما أدّى عدّة تجارب تمثيلية، شارك فيها عددا من الحضور في القاعة، وأغلبهم شبابا مثلوا مشاهد مسرحية باستخدام الإشارات والإيماءات والصمت، بنوع من الكوميديا السردية التي نجد فيها الممثل يعرض مجموعة من الأحداث والانفعالات والمشاعر الوجدانية بدون الاستناد إلى الكلام اللفظي، مع تشغيل كل عناصر التواصل غير اللفظي المرتبطة باستخدام الوجه (الرأس، الجبهة، العينان، الأنف، الفم، الذقن...الخ
ليؤكّد في الختام أنّ «المسرح حينما يوظف الإشارات والإيماءات والصمت يؤدي وظائف إيجابية، معتبرا إياه قوّة مرافقة لـ»القول»، منوّها بالقول أن أكثر من دولة عربية وعلى رأسها مصر، تعرف انتشارا واسعا، من منطلق أنّ الفن المسرحي بشكل عام اتجه نوع لغة الجسد أو التمثيل الصامت أو التمثيل الايحائي او فن البانتومايم.
نوال ابراهيم أستاذ تاريخ المسرح والنقد بالمعهد العالي لبرج الكيفان لـ»الشعب»:
غياب التكوين وطغيان الخطاب اللساني من أسباب اختفاء الإيماء
حاورت «الشعب» الاستاذ نوّال ابراهيم، أستاذ تاريخ المسرح والنقد المسرحي بالمعهد العالي للفنون الدرامية ببرج الكيفان للحديث عن واقع هذا النوع من الفنون في الجزائر، بعد الحركة الكبيرة التي شهدها حتى أواخر الثمانيات، حيث قال «قد نستطيع أن نقول إنّ فن الإيماء في الجزائر اختفى كفن يهتم بالإيماءات وبحركات الجسد وخطاب الحركة» مرجعا «السبب» إلى غياب التكوين في هذا الإطار، ناهيك عن «طغيان قوة الخطاب اللساني أو النص واللفظ الذي أخذ حسبه مكانا كبيرا.
الإيماء في الجزائر أخذ مكان مهم
جدا في الكوليغرافيا الجزائرية
كما أوضح الدكتور نوّال ابراهيم، استاذ بالمعهد العالي للفنون الدرامية ببرج الكيفان أنّ الجزائر كانت تشهد حركة كبيرة سنوات الثمانيات ليختفي تدريجيا إلى بعد التسعينيات، حيث ظهرت فرق شبانية أوصلت الحركة الإيمائية إلى فن «البالي» ليأخذ فن الكوليغرافيا المعاصرة، مكان الإيماء».
وأوضح بأن «الايماء» اليوم في الجزائر أخذ مكان مهم جدا في الكوليغرافيا الجزائرية، ولهذا أصبحت الكيلوغرافيا المعراصرة أو الرقص المعاصر بمفهومه المعاصر والكلاسيكي يصبّ في هذا القالب، لافتا إلى انّه رفقة الاستاذ الكوليغرافي الجزائري، الهادي الشريفة، عاش مدّة 30 سنة بفرنسا في مرحلة الكتابة.
ضرورة العمل على إدماج
الحركة الجسدية، كمفهوم وخصوصية لهذا الفن
وفي سؤال لـ»الشعب» حول السبل الكفيلة بإعادة إحياء هذا النوع من الفنون، دعا محدّثنا ضمن مقترحاته إلى التقرب أكثر من الآخر بما فيها التجارب العربية المهمّة، والآخر بمفهومه الأجنبي بما فيها المدرسة البولونية والفرنسية، بهدف تعزيز التبادل وترقية التكوين، مع ضرورة العمل على إدماج الحركة الجسدية، كمفهوم وخصوصية لهذا الفن الإيمائي بالموازاة مع الإلقاء واللغة اللفظية وغيرها من مكونات الخطاب اللساني.
قال أنّ «شباب اليوم يطلب هذا الشكل من الإبداع، كونه مجتمعا ثرثارا ومحتوى الكلام في أغلبه فارغا، وهو ما يعكس الاقبال المتزايد على العروض الفنية للرقص والخطابات الجسدية»، مؤكدا أنّ أهميته تكمن متحدثا بلسان «مارسيل مارسو «: الإماء يخرج الانسان والمتلقي عامة من منطق التقاليد المسرحية إلى عالم الصمت الذي يفتح المجال واسعا للمخيال والتأمل».
... تمنيات بأن تكون هناك
حالة فنية مختصة بعالم الإيماء
وفي حديث خصّ به «شبكة فنون الإيماء والتعبير الحركي»، التابعة للهيئة العربية للمسرح، كونها تشكّل وسيطا هاما بين المختصين العرب، كفضاء للحوار والتبادل، مؤكّدا أنّ الطرف الجزائري، ألّح بأنّ يأخذ فن الايماء والتعبير الجسدي مكانه هامة بالدورة التاسعة لمهرجان المسرح العربي، كواحد من أهم احتياجات المتلقي والمسرح العربي، يستدعي التجديد والتطور باعتماد المناهج الحديثة المعاصرة والبعيدة عن التقاليد.
وللحديث عن التجارب الناجحة في هذا المجال، تقربنا من الدكتور «سعيد سلامة» من فلسطين والذي قال لـ»الشعب»: لا يمكن تكوين مسرح بدون الجسد، متمنيا أن يكون لفن الإيماء والتعبير الحركي في الوطن العربي «واقعا آخر» ولكنه أكّد أنّهم يحاولون زرع البذرة الأولى، وهي البذرة التي صارت حسبه شجرة في فلسطين، وأحيوا بها الشعر الفلسطيني المعروفة بمحمود درويش، سامح القاسم وتوفيق زياد.
وأوضح سعيد سلامة، مؤسس أول مهرجان للمسرح الإيمائي بالعالم العربي عام 2004، وحاليا بلغ دورته العاشرة، أنّه من خلال القصيدة الفلسطينية ورائعة رجال في الشمس وقضية اللاجئين الفلسطنيين للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، تمّ إعادة بعد الفن بجماله وروعته، مؤكّدا أن ما يتمناه أن تكون هناك حالة فنية مختصة بعالم الإيماء.
وعن الأسباب وراء هذا التراجع، ما بعد من الإزدهار، يعتقد محدّثنا «أن عدم الغوص في هذا المجال بالعالم العربي، نتيجة التاريخ القديم للمسرح العربي بأدبياته وموروثه، من ناحية وعدم التفكير ولا مرة في إدخال التقنية.
وقال: نأخذ عالم الحركة ولم ندخل إلى هذا الحيز تركناه وحيدا جانبا ولم نقترب منه ربما لصعوبة هذا الفن ولكن هو فن ليس صحب هو جسدنا، وعلينا أن نفكر ثانية لأنّه من المهم جدا إرساء هذا الفن للعالم والعربي.———