تراءت عن أعين المشاهد العربي منذ فترة ليست بالبعيدة بعد أن حاول المرض إضعافها وإخفائها عن محبيها ومعجبيها من محبي الشاشة العربية، صاحبة الوجه البشوش والابتسامة الخجولة، عندما تنظر إلى ملامح وجهها توشك أن تلامس ملامح الأمومة بأكثر زيادة عن باقي الأمهات.
وهي تؤدي أدوارها دوما كسيدة بيت بكل المواصفات، وتجعلك تتعلق بكاريزماتها دون سابق وعد، بل في كثير من الأحيان يجر بكاءها إلى البكاء أنت أيضا رغم أن الأمر يتعلق بأدوار في أفلام ومحطات مختلفة، إلا أن ذلك لا يمنع المشاهد من كبت مشاعره تجاه سيدة صنعت مجد الشاشة العربية والمصرية بامتياز، كريمة مختار صاحبة الجسد الخشن والوجه البشوش الساطع دوما، تقرأ عبر مسامات ظلّها أن هذه المرأة العربية لم تكن تكلف نفسها عناء القراءة والتمثيل، بل مجرد نظرة أولى عابرة كفيلة بأن تترسخ الفكرة عندها وليست في حاجة إلى إعادة القراءات المتتالية والمتعدية.
صحيح انني من معجبي هذه السيدة العظيمة، منذ زمن الأسود والأبيض إلى غاية إشرافها على اداء الأدوار وهي في آخر عمرها الفني وتماثلها للعلاج من المرض الذي أصابها، ومازلات صورة المرأة الأم الآن ماثلة أمامي، وأن أكتب عنها بعد أن غيّبها الموت.
وعبر مسيرة حافلة بالعطاءات إلى جانب الكثير من اهرامات وقامات السينما المصرية والعربية على وجه الخصوص منحت الفقيدة كريمة مختار الملقبة بـ أم السينما المصرية « باعتبارها من الفنانات اللاتي قدّمن أجمل الأدوار وجسّدن الأمومة في أبهى صورها وحقيقتها حتى وإن تعلّق الأمر بتصورير لأفلام تلفزيونية أو سينمائية أو مسرحية، لذلك كان الاسم جدير بقامة مثلها.
وقد ولدت الراحلة عطيات البدري وهو اسمها الحقيقي في 16 جانفي 1936، تحمل في جعبتها شهادة بكالوريوس تخصص فنون مسرحية وهي زوجة المخرج الكبير نور الدمرداش صاحب أكبر روائع الذاكرة التلفزيونية وأنجبت له أربعة أبناء، ووالدة الإعلامي معتز الدمرداش وقد كانت بداياتها الفنية عبر برنامج كان مخصصا للأطفال ثم انخرطت في التقديم الإذاعي لامتلاكها صوت أثيري بامتياز وحنجرة دافئة تستطيع استراق الأسماع نحوها، خاصة ما تعلق منها بالأعمال الدرامية.
خاضت تجربة السينما والتمثيل سن 1958 بعد معارضة شديدة لاقتها من طرف أسرتها بحيث أن غالب الأسرة يمتهنون الإذاعة إلى جانب أختها الإذاعية عواطف البدري، حيث كان أول حضور لها في أول عمل لفيلم «ثمن الحرية».