أرجع الدكتور شمس الدين شرفي، أستاذ محاضر في كلية الآداب واللغات بجامعة الشهيد عباس لغرور بخنشلة، أسباب العزوف عن السينما في الجزائر إلى التطور التكنولوجي كتغير نمط التوزيع والاستهلاك وظهور العوالم ثلاثية الأبعاد والانترانت وغيرها مضيفا إليها ومنها العنصر البشري كغياب كتاب سيناريو متخصصين وجادين وغياب القامات الفنية ذات التأثير الواسع والمصداقية الكبيرة.
أوضح شرفي في حديثه لـ «الشعب»، أنّ تغيير نمط التوزيع والاستهلاك، نعني به الانتقال من تقنيات التسجيل التماثلي المتصفة ببطئها وكلفتها العالية إلى تقنيات التسجيل الرقمي التي تتميز بسرعتها العالية، فضلا عن انخفاض كلفتها، أي أنّ الأفلام قبل اختراع وسائط التخزين الرقمية لم تكن متاحة للجميع، وقلة من المحظوظين هم الذين بوسعهم الحصول عليها في شريط فيديو قائلا: «لابد له من قارئ فيديو خاص به، فشريط الفيديو مكلف والجهاز الذي يقرأ الشريط باهظ الثمن، وربما ظل حتى نهاية التسعينيات علامة من علامات الرفاهية». ظل الشريط السينمائي لفترة من الزمن رهين بكرة بلاستيكية يجري تدويرها عبر قاعات السينما في الوطن كله، والمصدر الموزع للشرائط كان دائما مصدرا مركزيا ووحيدا. وأشار المخرج الإيطالي المبدع جوزيبي تورناتوري إلى هذه الحقيقة في رائعته السينمائية الشهيرة «جنة السينما».
أما السبب المتمثل في ظهور العوالم الثلاثية البعد، يقصد به، حسب الدكتور، فرص الترفيه والتسلية المنزلية التي توفرها الأجهزة الرقمية أو حاضنات الألعاب الشهيرة مثل «بلايستيشن» اليابانية أو «واكس بوكس» الأمريكية بأجيالها المختلفة، فظهور مثل هذه الوسائط كان له قوى في سحب جمهور السينما ـ وأكثره في الجزائر من الشباب والمراهقين ـ من قاعات العرض وتحويله إلى صالات الألعاب.
حول تأثر الجمهور بالشبكة الرقمية العالمية في هجر السينما، قال شرفي في هذا المجال: «أدى ظهور الإنترنت الى صرف الناس عن السينما لأنه بشر بالثقافة الرقمية التي تتجاوز الثقافة السمعية البصرية» ثقافة السينما، وتحتويها في وقت واحد، لأنها ثقافة تفاعلية يشارك فيها كل أطراف العملية التواصلية، وتتميز هذه الثقافة الرقمية التي توفرها الإنترنت بإقبال جماهيري عريض بسبب المجانية الكبيرة لمحتوياتها، وسهولة الوصول إلى المعلومات المتوفرة وغزارة المواد المعروضة، فضلا عن اتساع دائرة الجمهور المستهدف، ذلك لأنها تخاطب الأكاديميين الموغلين في التخصص، وتوفر في الآن نفسه للعامة والبسطاء مواد مسلية تناسب مستوياتهم.
على كتّاب السيناريو استخلاص الجمال القبح برؤية درامية حقيقية
ويرى الأستاذ أن أهم الأسباب الخاصة التي أدت إلى العزوف عن الإقبال على السينما الجزائرية، غياب كتاب سيناريو متخصصين وجادين، يؤسّسون أعمالهم انطلاقا من ثقافة سينمائية وأدبية عميقة، وانعدام رؤية فنية درامية حقيقية لواقع حياة الإنسان الجزائري ومعيشته لدى كتاب السيناريو الحاليين، فتحويل الواقع المعيشي إلى عمل درامي ـ بالمفهوم الفني لا بقصد الحزن والبكاء ـ يحتاج في أحيان كثيرة إلى شخصية مبدعة تعرف كيف تستخلص الجمال من القبح، وتعرف كيف ترتقي حقائق الحياة البسيطة إلى آفاق الفن الرحيبة.
وأرجع محدثنا ذلك، إلى عدم وجود مؤسسات
تكوينية متخصصة في إنتاج جيل من المخرجين المتخصصين وكتاب السيناريو المبدعين والمصورين المهرة؛ فالسينما صناعة متكاملة تنبني على إشراف وتوجيه وإنفاق عالي المستوى من الجهات الرسمية، ولنا في جيل عمار العسكري ومحمد حويدق ولخضر حامينة ومصطفى بديع الذين تألقوا في السبعينيات أمثلة رائعة.
من الأسباب الخاصة كذلك لهجر هذا الفن، أضاف شرفي قائلا: «عدم وجود سياسة إشهار وتسويق ذكية وفاعلة يمكن معها تقديم المنتج السينمائي الجزائري بلفت النظر إلى مكوناته الفنية والجمالية، بعيدا عن التشويه الإيديولوجي واستغلال الواقع المسطح لتقديم صورة كئيبة ومزيفة عن الجزائر وحصرها فقط في زمن الفوضى والانفلات والتشتت، هذا إلى جانب غياب القامات الفنية الكبيرة التي كانت تحظى بمصداقية عالية وشعبية عند الجمهور الجزائري، ومنها حسن الحسني، رويشد، كلثوم، سيد علي كويرات وغيرهم».
أكّد شرفي في هذا الصدد، أنّ إعادة الاعتبار للسينما الجزائرية واستعادة بريقها الضائع لا يكون إلا بتقديم أعمال تحترم عقل الجمهور، أي الأعمال غير الاستهلاكية، وهذا يعني العودة إلى نمط السيناريوهات الجادة والفنية التي كانت سائدة في العصر الذهبي للسينما الجزائرية، أي عصر السبعينيات، فضلا عن ضرورة وحتمية الاتكاء على الخبرات الفنية لممثلين لديهم نصيبا كبيرا من الاحترافية كسميرة صحراوي، صالح أوقروت ودليلة حليلو على سبيل المثال لا الحصر.
الدكتور شرفي شمس الدين لـ «الشعب»
الجمهور الجزائري وجد ضالته في الوسائط التّكنولوجية الحديثة
سكندر لحجازي
شوهد:1147 مرة