يستهلك نصــــف ســـــوق الكتـــــــاب وبإمكانه تحقيـــق أعلـــى المعـــــدلات الربحية اقتصـاديا
من حيث المبدأ، فإن الكتاب، مهما كان موضوعه، فإنه من الناحية الحضارية، يمثل هوية الشعوب ومكانة الأمم في التاريخ، ومن الناحية الاقتصادية، هو سلعة مهمة وغالية الثمن، دون أن تتعرض إلى القدم أو الكساد، وفي المنطقة العربية، يشكل الكتاب الديني السلعة الأكثر رواجا، ويحقق أعلى درجات الربح، كون معدلات الاستهلاك ترتفع من سنة إلى أخرى، وقد تمكنت الكثير من الدول من تحويل صناعة الكتاب الديني، إلى رافد مهم في التنمية الاقتصادية، والسيطرة الفكرية وتجسيد النفوذ السياسي.
فالكتاب الديني في المطلق، لا يحمل فقط إنجازات فكرية ودينية، لنخب دينية تنتمي إلى العصور الماضية، بل يشكل في نظر القارئ في المنطقة العربية، رمزا للهوية، ودليل الانتماء ومظهر التقدير للماضي، ووسيلة فهم للحاضر ومدخل للمستقبل، وأداة لمعرفة بنية العلاقة مع الغيب، ومعين مهم للطاقة الروحية التي يحتاجه اليوم.
وفي غياب مؤسسات إحصائية متخصصة، لمستويات المقروؤية، فإن المعدلات الاستنتاجية، تؤكد أن سلوكات القراءة والمطالعة، مرتفعة في الكتاب الديني، سواء لمتطلبات الحاجة الثقافية الروحية، أو لضغوط الواقع المعرفي، أو لاشتراطات البحث والدراسة، أو استجابة للحجاج التداولي في الفضاءات الاجتماعية، الأمر الذي يجعل من الإقبال على مقروئية الكتاب الديني مرتفعة، وتزداد من سنة إلى أخرى، الأمر الذي يصيب العديد من المتابعين بالدهشة والاستغراب، خاصة في معارض الكتاب، لتصدر الأحكام المزاجية، والانطباعات العاطفية، والاتهامات الإيديولوجية، دون أن يجد هذا السلوك من الباحثين والمؤسسات المتخصصة، ما يناسب من جهد التحليل والدراسة لفهم الظاهرة.
وفي الجزائر، فإن الكتاب الديني يستولى على أكثر من نصف سوق استهلاك الكتاب، وبإمكان الكتاب الديني الجزائري، أن يحقق أعلى المعدلات الربحية اقتصاديا، ويسوق لصورة ومكانة العقل الديني الجزائري في مختلف الفضاءات والمساحات الدولية، خاصة وأن مساهمة النخب الجزائرية في المنظومة المعرفية الإسلامية مهمة جدا، وذات أثر عميق، وهو ما يتضمنه الكتاب الديني الجزائري، الذي يمتلك الخصائص الفكرية المغاربية الرشدية الشاطبية، على وجه الخصوص، ولو يتم الانتباه لقيمة الكتاب الديني الجزائري، والاستثمار فيه، لتم تحقيق الكثير من الأهداف الإستراتيجية، في أقلها تقديم خدمة مهمة لتعزيز الأمن القومي الوطني، وحماية الشباب من الأخطار العابرة للحدود، ومن خلاله تحقيق التجسيد الفعلي للمرجعية الوطنية، والسماح لها بالتحول إلى عامل صناعة الاستقرار وتوفير الأمن الفكري والاجتماعي.
د/ محمد بغداد كاتب ومثقف
هوية الشعوب ومكانة الأمم سلعة غالية الثمن
شوهد:502 مرة