المقروئية هي هاجس الرغبة في الوصول إلى قطف ثمار الأفكار، والتحليق بعيدا عن واقع أرض الجهل والجهلاء. هي امتداد في عمر حياتنا الثانية المشكّلة من طين البدء، وماس الخلود، هي فيض المعرفة والّتوق إلى عالم تجديد وتطوير الأفكار والتجارب الإنسانية التواصل عبر الأزمان والبلدان.
والمقروئية في عالمنا العربي والعالم لم تعد تلك المجابهة لوجه طغيان شرّ الجهل والتخلف، ولم تعد محرك بحث القوة الكامنة فينا. إنّها للأسف مغالبة الذّات ومغالطة النفس البشرية لما نتحصّل عليه من مورد معرفيّ نظنّه جديدا نافعا، فليس كلّ قارئ للجريدة والمجلة والكتب المدرسية والمقررات والمناهج التعليمية، ندرجه في خانة القارئ وفي خانة المقروئية.
وللأسف، إنّنا في الجزائر نرى قوافل القاصدين والزائرين للمعرض الدولي للكتاب ونظنّهم من القرّاء، ونعدّهم من بين المهتمين بالقراءة، فندرجهم تحت عنوان القراء والمقروئيّة. إنّ الكثير من الكتب التي تعجّ بها دور النشر في المعرض لا تستحقّ أن تدرج في خانة الكتب التي تجب قراءاته مثل كتب الطبخ وكتب الألعاب، والكلمات المتقاطعة والمقررات الدراسية وغيرها.
يعتبر الكتاب الديني في نظر الكثير أنّه من المقروءات الهامة، ولكن الحقيقة عكس ذلك تماما فأغلب الكتب التي تعرض هي طبعات مزخرفة من عصور قديمة أعيد طبعها، وكثير منها هي إلى الدّجل والتخريف أقرب. إن الغالبية منها تجنح إلى الوعظ ومنها إلى الدروشة، فشأنها شأن تلك الكتب الروائية التي يروّج أصحابها إلى الإباحيّة والتّعهراللّفظي، ناهيك عن الأخطاء اللغوية.
إنّ الإقبال على الكتاب الديني من قبل فئة معينة لا يمكنها أن تخدعنا بوجود مقروئية سليمة جادة، إنما هي حالة استثنائية في عالم الكتاب الديني والترويج له قصد المرابحة من قبل الكثير من دور النشر في العالم العربي. ولعلّ الكثير ممن يقتنون تلك الكتب من شبه المتعلمين والباعة الذين لا يطالهم قانون السّجل التجاري، ولكن للأسف يدرجهم البعض في خانة المقروئية.
والحقيقة ليست كذلك تماما، إنّها أرقام وهمية في قائمة المقروئية، وقد تصل إلى نسبة عالية جدا. ويركّز الكثير منهم على كتب السيرة والتفاسير القديمة وقصص الأنبياء والرسائل التي دبجها شيوخ الصراعات المذهبية، إنّ الكتاب الديني رغم أهميته في حياة الناس ما يزال اجترارا لتلك الأفكار القديمة. إنّني هنا لا أقلّل من شأن بعض هذه الكتب. بقدر ما أنبّه إلى بعض الكتب التي طغت على سطح الكتاب الديني التي تهدم أكثر ما تبني وتضرّ أكثر ما تنفع، إنّ الغالبية منها تعيق الفكر وتقيّد العقل، ولا تمنح للقارئ الحقيقي فرصة النّقاش الهادف البناء في عصرنا هذا. ولذا أقول إنّ الكتاب الديني على الرّغم من أهميته يتحوّل في مقروئيته إلى وسيلة تارة ترفيهية عند البعض، وعند البعض الآخر وسيلة هدم وتدمير بالنّسبة لفئة القراء الذين يمشون وراء غوغاء بعض أصحاب الأقلام المأجورة للأسف، فما أحوجنا إلى كتاب هادف نافع في عالمنا العربي والعالم الإسلامي، وما أحوجنا إلى كتّاب ينفضون غبار الرداءة عن عقول القراء للكتاب بصفة عامة، وما أحوجنا إلى تلك الدراسات الدقيقة التي تحدّد لنا نسبة المقروئية وأهميتها في الجزائر وفي الوطن العربي.