يرجع الدكتور شمس الدين شرفي، وهو أستاذ محاضر بقسم اللغة والأدب العربي بجامعة الشهيد «عباس لغرور» بخنشلة، غياب النص الأدبي في الصناعة السينمائية بالجزائر، إلى مشكلتين أساسيتين، الأولى تتعلق بالنص الأدبي المحلي في حدّ ذاته من حيث صعوبات النشر والتسويق، والحرمان النقدي الذي تعانيه الساحة الثقافية بالجزائر، والثانية تتعلق بالسينما الجزائرية التي انتقلت من القطاع العام إلى القطاع الخاص بعد التحولات السياسية سنة 1988، وما انجر عن ذلك من تحول غايات السينما من فنية إلى تجارية لصالح الخواص.
أوضح، الأستاذ شرفي في حديثه لـ «الشعب»، أن مشكلة النص الأدبي التي جعلته غير مؤهل لأن يكون مادة إنتاج سينمائي، هي انعدام النقد الناتج عن حدوث تفريغ للمنابر الثقافية العامة من المتابعات النقدية الجادة للأعمال الأدبية، على عكس ما كان في سنوات السبعينيات، حيث كانت تصدر العديد من المجلات الأدبية المتخصصة التي كانت تتابع النصوص الإبداعية نقدا وتوجيها وإشرافا، منها مجلة أمال التي كانت تصدر عن وزارة الثقافة، والرؤية الصادرة عن اتحاد الكتاب، وكذلك مجلة التبيين التي كانت تصدر عن جمعية الجاحظية.
وأضاف ذات المتحدث، أن العديد من الأعمال الأدبية في تلك الفترة، أي مرحلة الحضور القوي للنقد الأدبي، حولت إلى أعمال سينمائية، ونالت نجاحا كبيرا، منها رواية الحريق لمحمد ذيب والتي حولت إلى فيلم الأفيون والعصى أصله رواية جزائرية لميلود معمري، ورواية ريح الجنوب لبن هدوقة مسلسل تلفزيوني شهير، والتي تحوّلت إلى فيلم وغيرها في تلك المرحلة التي شهدت تفاعل بين الثالوث، «الأدب والسينما والمجتمع».
وعن مشكلتي النشر والتسويق، قال الأستاذ شرفي: «النص المحلي يواجه صعوبات من حيث النشر والتوزيع، في فترة السبعينيات كانت الدولة تأخذ هذه الوظيفة على عاتقها وتقوم حتى بترجمة الأعمال الأدبية، أما الآن فهناك ثقافة جديدة في هذا المجال، باستثناء ما تقوم به الوزارة أو اتحاد الكتاب بدعم بعض الأعمال الأدبية في هذا الصدد».
روايات جزائرية حولت إلى أفلام ناجحة عندما كانت الدولة تدير السينما
كما ارجع ذات المتحدث، غياب الأعمال الأدبية في السينما الجزائرية في الوقت الحالي، إلى التحولات السياسية التي شهدها البلد سنة 1988، حيث تخلت الدولة عن رعاية هذا المجال الإبداعي الحساس، وانتقل إلى الخواص، وهو ما حول غاية السينما الإبداعية الفنية، إلى غاية ربحية تجارية.
موضحا، «من المعروف أن غايات القطاع العام من الإنتاج السينمائي هي غايات فنية، فضلا عن كونها غايات إيديولوجية، التركيز على الجانب الفني في تلك الفترة أدى إلى نجاح سينمائي، مثل فيلم معركة الجزائر المنتج سنة 1966، الحاصل على جوائز مهمة، وكذا فيلم ريح الأوراس الذي حقّق نجاح كبير ونال عدة جوائز».
وهذا على نقيض القطاع الخاص الذي ينتج أفلامه، بناء على رؤية مادية تسليعية تهتم بالربح على حساب الفن، ويختار التكاليف المخفضة جدا ما ينتج ديكور سيئ ، وبالتالي لا يشجع الأعمال الأدبية القيمة وينفر أصحابها من السينما. وقد أنتج طغيان أفلام القطاع الخاص على المجال السينمائي في هذه الفترة، شرخ قوي بين ثالوث الأدب والسينما والمجتمع.
لنخلص في الأخير مع محدثنا بالقول، إن هناك غياب وتغييب في نفس الوقت للأعمال الأدبية المحلية في السينما الجزائرية، فالغياب ناتج عن انعدام سياسة ناجحة في مجال النشر والتوزيع، إلى جانب الحرمان النقدي للأعمال الأدبية، والتغييب ناتج عن طغيان قيم الاستهلاك بفعل العولمة والذي أدى إلى توسيع الشرخ بين السينما والفنون والآداب بصفة عامة.