الكوميديا شوّهت جانبا كبيرا من التراث ورسخت لصورة خاطئة
«لا نجاح للسينما الجزائرية إلا بالعودة للتراث الجزائري»، هي الجملة التي استهل بها المخرج السينمائي جواد عبابو حديثه لـ»الشعب»، حيث أكد أن للتراث الشعبي دور هام في البناء الدرامي للسينما بصفة عامة، لكن الواقع يعكس حقيقة أخرى يضيع فيها الموروث المحلي الذي أصبح يبحث عن هويته إذ أن هناك شبه قطيعة بين التراث والسينما.
ويرى المخرج المتألق ابن منطقة لمطار بسيدي بلعباس أن السينما صناعة قائمة بحد ذاتها ولضمان نجاحها يجب العودة إلى التراث فالمشاهد الجزائري متعطش لكل ما يربطه بهويته وموروثه الثقافي، وأكبر دليل على ذلك النجاح الذي وصلته إليه السينما الجزائرية في عصرها الذهبي سنوات السبعينات أين احتلت المراتب الأولى عالميا على غرار فيلم «العصا والأفيون»، وغيره من الأفلام التي تناولت الذاكرة الوطنية والإرث التاريخي الممزوج بالموروث الثقافي والشعبي، وبالإبتعاد عن هذه المقاربات فقدت السينما مميزاتها وخصوصياتها وذابت في خصوصية الغير لتضيع هويتها وتتراجع عن مستوياتها. وباعتبار السينما عامل مهم في التأثير على المشاهد، ظهر جيل برمته متأثر بالسينما الغربية بكل ما تحتويه من إيجابيات وسلبيات ومبتعد تماما عن موروثه الثقافي والشعبي وأصالته بصفة عامة وهو ما يعاب على السينما الجزائرية.
ويضيف المخرج جواد عبابو قائلا: «بعد 15 سنة قضيتها في مجال الإخراج السينمائي وتجارب عديدة قمت بها في مجالات مختلفة كأفلام قصيرة في الخيال، الدراما، المسرح السينوتوغرافي، قررت تغيير مساري السينمائي والتوجه إلى السينما التي تختص بالموروث الجزائري، وهو القرار الذي لم يأتي بمحض الصدفة، فبعد إجرائي لعديد الدراسات إكتشفت أن سرّ نجاح أي نوع من السينما يكمن في الإنطلاق من المحيط وهو ما لم نستوعبه عند ولوجنا عالم الإخراج السينمائي، حيث خيل لنا وبعد التخرج من المدرسة العليا للفنون الجميلة أن النجاح يتجلى في إنتاج أفلام تنافس الأفلام الغربية وغيرها وهو ما يتنافى والحقيقة. ومباشرة قمت بعديد البحوث وإنطلقت في مشروعي الجديد الذي تفوق نسبة إنجازه حاليا الخمسين بالمائة وهو عبارة عن فيلم قصير يستلهم جماليته من الموروث الجزائري ويركز على أدق تفاصيله وهو محاولة لإستخدام الموروث بأفكار تتماشى والمجتمع المعاصر على أن تتم صياغتها بشكل جذاب يكون بمثابة همزة الوصل بين الماضي والحاضر. إذ قمنا بدراسة مسبقة وشاملة حول الموروث المادي واللامادي للمنطقة، أين قمنا بزيارة العديد من المداشر الواقعة جنوب ولاية سيدي بلعباس كمنطقة عين الشافية التي وقع عليها إختيارنا لإنجاز الفيلم، حيث لا يزال سكانها يحافظون على نمط الحياة البسيطة التي تعكس روح المنطقة وأصالتها، فالفيلم الذي يحمل عنوان «كوكليكو» أي أزهار الخشخاش يجمع بين الدراما، الرومنسية ويروي قصة الحب التي تجمع بين الشاب نعوم ابن المنطقة النائية وبين شابة يلتقي بها بعد سفره إلى المدينة في رحلة للبحث عن فرصة لتغيير أوضاعه، فيهديها زهرة الخشخاش التي ترمز لجذوره وإنتمائه كما يحكي الفيلم أيضا مشاكل إجتماعية تعترض عائلته التي تطرد من مزرعتها وهنا استخدمنا أكثر من مستوى في الموروث الشعبي بداية بالإرث المادي كديكور المنازل والذي يصور الحياة البسيطة كالأغطية، الأفرشة التقليدية، المدفأة التي تستعمل الحطب وغيرها، وكذا هندام المرأة الذي يرتكز أساسا على البلوزة والسترة المصنوعة من الصوف، وكذا هندام الرجل بقشابيته وعمامته والتي لاتزال تستعمل وبكثرة في المنطقة، مع التركيز أيضا على الأكلات المحلية الأصلية، هذا وركزنا في السيناريو على استعمال اللكنة والمفردات التي تميز المنطقة دون نسيان موسيقى الفيلم التي تمّ الإعتماد فيها بصفة كلية على الموسيقى التراثية لمنطقة الغرب الجزائري.
وعن استخدام التراث المحلي في السينما الجزائرية أكد المخرج جواد عبابو أن القلة القليلة من المخرجين الجزائريين الذين تبنوا هذا المجال، في حين قام آخرون بربط التراث الجزائري بالسينما الكوميدية الساخرة وهو ما شوّه جانبا كبيرا من التراث وكون لدى المشاهد صورا بعيدة عن الحقيقة فأضحى يرى زي الرجل التقليدي زيا كوميديا مثلا والوشم دائم الإرتباط بالمرأة التي تلعب أدوار الكوميديا.
وبالكلام عن الأفلام الوثائقية أكد عبابو أن دورها كبير في تثمين التراث المادي وغير المادي المحلي وجمهور الأفلام الوثائقية هو في الغالب جمهور له ميولات كبيرة لإثراء زاده الثقافي والمعرفي، فهي توثق الماضي وتصور الحاضر، وتمزج بين الواقع، المتعة والإبداع، وتحافظ على أجزاء من الذاكرة المحلية الضاربة الجذور في أعماق التاريخ فكل منطقة تختلف في عاداتها وتقاليدها عن مناطق أخرى وتستحق فيلما وثائقيا يصور كنوزها اللامادية ويحفظها من الإندثار فهو إنتماء للماضي وتأسيس للمستقبل، هذا ويجب أيضا التركيز على رموز هذه المناطق والإنطلاق من العمق باتجاه السطح.