خرجت إلى النور مؤخرا، عدة إصدارات أدبية، الهدف منها الحفاظ على التراث التاريخي الخصب الذي خلفه أعلمة معسكر و رجالاتها، وجاءت هذه الإصدارات بمثابة الوهج المنير لزخم ثري من المخطوطات التاريخية والكتب النادرة التي مازالت في أدراج المكتبات تقاوم غبار السنون.
تسعى نخبة من الأساتذة والأدباء بولاية معسكر إلى إحياء التراث المحلي والوطني من خلال كتاباتها، مركزة على بثّ الحياة من جديد في المخطوطات التاريخية والمخلفات الأدبية النادرة والثرية لأعظم رجالات المنطقة، يأتي الاهتمام بمؤلفات الأمير عبد القادر في الشعر والفكر والأدب في قلب اهتمامات وكتابات هذه النخبة ولا يختلف ذلك في الحديث عن غيرها من مؤلفات الشيخ العلامة أبي رأس الناصري، حيث تشير المؤشرات الأدبية أن جل الكتابات والإصدارات الجديدة بمعسكر تستهدف القراءة المتمعنة للتاريخ وإعادة إلقاءه وتلقينه للأجيال.
في هذا الشأن، يؤكد مدير الثقافة لولاية معسكر محمد سحنون أن هناك العشرات من العناوين أثرت المكتبة الوطنية واهتمت بالتحقيق والبحث في تاريخ وتراث المنطقة والحركة التحررية وأمجادها، فضلا عن البحوث الأكاديمية والمشاركات العديدة للأقلام الأدبية المحلية في المحافل الوطنية والدولية تعريفا بتراث المنطقة، موضحا أنه بالرغم من قلة الإمكانيات المتوفرة لدى مصالح مديرية الثقافة لمرافقة النخبة في أعمالها التي تنفض الغبار عن التاريخ والتراث. إلا أن مصالح الثقافة تظلّ ترافق الأقلام المبدعة من خلال الترويج لإنتاجاتها الأدبية، مثلما يحدث مع الإصدار الأدبي الجديد للكاتب حبيب بن يعقوب في تحقيقه عن كتاب العلامة أبي رأس الناصري «زهرة الشماريخ في علم التاريخ»، حيث يتم حاليا اقتناء نسخ عن الكتاب وتوزيعها على المكتبات المحلية، ويضيف محمد سحنون، أن الوزارة الوصية اعتمدت طريقة مثالية لمساعدة الكتاب ومرافقتهم في عملية الطباعة والترويج للإصدارات الأدبية التي تخصص الحيز الكافي للحديث عن التراث الوطني من منطلق أهمية الهدف المنوط بذلك من خلال مشاركتهم في التظاهرات الثقافية الوطنية الكبرى.
فيما لا يذكر أي من هؤلاء الكتاب أي مشاكل تعترض سبيل نشر أو طبع كتاباتهم في مجال التاريخ والتراث الوطني، على حدّ ذكر الأستاذ عدة بن داهة، صاحب عدة مؤلفات في تاريخ المنطقة وعن أعلامها، قائلا إن هناك عدة أقلام اختصّت في البحث والكتابة عن تراث المنطقة بالتذكير بخصائل رجالاتها، مثمنا في حديثه أهمية الكتابة عن التاريخ والاقتداء به بناءً على قول الشيخ أبي راس الناصري «جاهل التاريخ يركب عميا ويغفو عشراً».
وكانت «رحلة في رحاب دولة الأمير عبد القادر»، آخر إصدارات الأستاذ عدة بن داهة ردا على المنكدين وفق ما يحب الأستاذ أن يصف كتابه في 1054 صفحة تحكي تاريخ النضال الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، ومثله الأستاذ عيشوبة محمد في إصداره الجديد «النضال السياسي والعسكري إبان الثورة التحريرية» وكتاب «الحركة الوطنية في معسكر»، منذ سقوط المدينة التي استعصى النيل منها باعتراف من المستعمر الفرنسي نفسه، بتاريخ 30 ماي 1841، حيث يذكر صاحب الكتاب الأستاذ لحسن جاكير استنادا لمصادره من الأرشيف الفرنسي أن المستعمر لم يتمكن من قمع المنطقة وفرض سلطته الاستطانية كاملة إلا في سنة 1914 بعد قمع معركة بني شقران، مذكرا في نفس الكتاب بالمحطات التاريخية التي عاشتها المنطقة والحركات التحررية التي انطلقت منها بإيعاز من علماء و شيوخ مدينة معسكر، ومنه تستخلص أفضال تلك النخبة لتسليط الضوء على الجانب التراثي والتاريخي للمنطقة في إصداراتهم الأدبية.