شهادات مثقفين عن انجازات تظاهرة غيّرت يوميات السكان، تنقلها «الشعب»
وقد شهدت قاعة «زينيت» المشيدة في أبهى حلة معمارية تسر الناظر، ملتقيات عربية عالمية، حفلات فنية وتراثية، أيام وأسابيع تاريخية لدول وولايات وطنية، حملت في طياتها عروضا واستعراضات فريدة من نوعها صنعت على مرّ الشهور فرجة لسكان قسنطينة وكذا سكان الولايات المجاورة. «الشعب» رصدت هذه الحركية التي أعطت نكهة لمدينة الجسور المعلقة وأعادت إليها الزمن الثقافي الجميل.
البداية كانت من الأسبوع الثقافي لدولة فلسطين والتي افتتحت التظاهرة العربية بالمدينة توالت البلدان العربية والاسلامية سوريا، السعودية، إيران، قطر، الكويت، على المشاركة في إحياء فعاليات التظاهرة العربية التي اعتبروها فرصة لدمج الثقافات المتنوعة بمدينة اعتبروها تتألق فوق صخور شاهقة وترقص فوق جسورها المعلقة أنغام النورس الجميل بنطات عربية أصيلة تغنت بسحر وحضارتها وإنفراد جغرافي متميز.
انها شهادات حيّة استقيناها من الجمهور العريض الذي اعادت اليه تظاهرة عاصمة الثقافة نشوة السهرات والسمريات الليلية للاستمتاع بأنغام موسيقية وعروض ثقافية تؤرخ لأواصر علاقات بين الجزائر ومحيطها العربي والدولي الفسيح.
نعم قسنطينة المدينة الحاضنة لفعاليات التظاهرة العربية الثقافية على مدار 10 شهور منذ انطلاق البرنامج العام. قسنطينة الحدث والوجهة الثقافية حضرت نفسها لتكون ملتقى الثقافات والتاريخ. قسنطينة تحدّت الظرف وكانت في الموعد بعد عملية التحضيرات والاستعدادات الكبرى التي أطلقتها لاستقبال التظاهرة.
فبدءا من تأهيل وإعادة الاعتبار لمقوماتها ومؤهلاتها التاريخية والثقافية، وصولا إلى الهياكل الضخمة والمشاريع الإستراتيجية الكبرى التي استفادت منها المدينة العتيقة وأعادت لها مكانتها المنشودة. افتكت قسنطينة إعجاب زوارها من العالمين العربي والعالمي خصوصا بجسورها المعلقة واعتبروها المدينة التي تستحق أن تكون عروس الجزائر والعالم العربي بجدارة.
قال عنها سفير دولة قطر «إبراهيم الشهلاوي» لـ «الشعب»: «إنها المدينة التي تنام على تاريخها وحضارتها وآن أوانها لأن تستعيد بريقها الحضاري ورونقها الأثري التاريخي لتكون في مستوى الحدث الهام الذي ضرب بتراجع جوهرة الشرق الجزائري وبزوال معالمها عرض الحائط، واعتبر التظاهرة فرصة لإعادة بعث جمال المدينة واسترجاع مكانتها ونفض الغبار عنها لأنها وببساطة هبة الله وقصة صنعها الخيال وتبناها المنطق وجسدها الواقع الجميل لتكون تحفة الجزائر عروس العرب وبدون منازع».
المدينة الشاعرية تحدث عنها أشهر الكتاب وأبلغ الشعراء وأبرع المثقفين من بينهم شعراء عرب وكتاب عالميين عرفت تغييرا جذريا في هياكلها الثقافية ومعالمها التاريخية وعملا مسترسلا في تجديد مرافقها وأحيائها العريقة وإنجازات هيكلية ضخمة وعمليات ترميمية مسّت مدنها القديمة العتيقة.
ترميمات المدينة العتيقة قلب قسنطينة النابض وعبقها الأبدي، ترسم تاريخ قسنطينة فالسويقة تعبر عن ماض جميل عاشه سكان المدينة الجميلة وحاضر مرير صنعته الانهيارات والترميمات الارتجالية التي ساعدت في زوال هذه المدينة العريقة عراقة سكانها الأصليين.
انها المدينة التي ورغم تأثير الزمن وعوامل أثّرت سلبا على بقائها، لا تزال تصارع الانهيار وتحتضن أبنائها الذين يسكنوها ويعملون على إحيائها من خلال استمرار العيش وسط الشوارع الضيقة المكتظة على مدار الأيام والأعوام مواصلين نشاطاتهم التجارية التي تتميز بطابع خاص تشتم رائحته عند أول وهلة تطأ قدماك السويقة والقصبة العتيقة.
محلات بيع الأشياء العتيقة تصنع جمالية الزمن القديم ومحلات بيع الكتب والقصص الخرافية عند عمي أحمد تجعل منها مكانا مفتوحا للمطالعة والاطلاع على أروع القصص والروايات التي لم نعد نجدها بالمكتبات الجديدة.. محلات أخرى تتلخص في بيع المكسرات والحلويات على أنواعها، لتبقى المطاعم التقليدية تصنع الحدث بالمدينة القديمة السويقة، حيث تشتم وعلى مسافات طعم طبق الحمص بالمتبلات والمشويات على أنواعها.
هي المهنة التي تشتهر بها المدينة القديمة من طرف سكانها وزوارها على حد سواء، هي مدينة أثرية بكل ما تعنيه الكلمة فبدءا من مدنها القديمة، السويقة، القصبة، رحبة الصوف، الشارع، ورحبة الجمال تعيش قسنطينة جماليتها ويزيدها انفرادا وتميزا صخورها العتيقة التي جلبت اهتمام السياح الأجانب والزوار العرب.
مثقفون علقوا على التظاهرة بإيجابية والمدينة تتألّق
«محمد زتيلي» كاتب وإعلامي تقربت منه جريدة «الشعب» لأخذ رأيه في أهم حدث ثقافي احتضنته قسنطينة قال برزانته المعهودة وقراءته القبلية والبعدية: «اعتبر التظاهرة تاريخية أعطت قسنطينتنا فرصة العمر للخروج من حالتها المتدهورة إلى أخرى أفضل بكثير لأن البكاء على الوضعية المزرية التي آلت إليها قد عمر عقودا من الزمن، وكانت في حاجة إلى هزة وخلخلة خاصة لإعادتها إلى حالة معينة من التنظيم والنظافة والعمران وتحسين الطرق وكل ما يتعلّق بتحسين وجه قسنطينة كعاصمة جزائرية عربية للثقافة والتاريخ والحضارة».
توقف الأديب الاعلامي زتيلي لحظة وواصل في تحليله لأكبر حدث تعيشه مدينة بن باديس والفرقاني واحمد باي وشخصيات لا يتسع المجال لذكرها في هذا المقام: «عبر كتاب جيلي حول هذا الموضوع طوال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن .. طالبنا بضرورة الالتفاتة الكبيرة لمدينة استثنائية في حضورها ومسارها التاريخي، وكتاباتنا منشورة مدونة لا يرقى إليها الشك، ولا يغطيها غبار المتطفلين المرحليين الموسميين الذين تأتي بهم الرياح ليلعبوا أدوارا عابرة كما تأتي بالجراد ثم ينهيهم أو تعيدهم الرياح إلى أمكنتهم الأولى».
عن أي شيء مهم له وهو يتابع باهتمام تظاهرة عاصمة الثقافة قال زتيلي:
«بالنسبة لي ككاتب وإعلامي من قسنطينة هو أن المدينة استفادت من التظاهرة، حيث تمّ إثراء الجانب الأدبي والفني والمسرحي وكذا الارتقاء بالمفاهيم والفكرية، حيث عرفت الولاية في ظلّ الملتقيات الثقافية والندوات الفكرية نسقا تقدميا أعاد لمدينة العلم والعلماء بريقها العلمي المعروفة به، حيث تمّ على مستوى دائرة المسرح بإنتاج عديد المسرحيات الهادفة تجاوزت 447 عرض، فضلا عن إنتاجات وإصدارات دائرة الكتاب، وهنا نلتفت لما ستخلفه التظاهرة لقسنطينة أي ما بعد سنة 2016».
من جهته أكد «عميرش نذير» رئيس لجنة الثقافة بالمجلس الشعبي الولائي لقسنطينة عن أهمية التظاهرة الثقافية التي أضافت لمدينة الجسور المعلقة وزنا وثقلا ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا واسترجعت من خلالها مكانتها التاريخية التي لطالما إشتهرت بها.
وقال عميروش مقيما الحركية التي صنعت وتصنع الاستثناء معيدا إلى الأذهان الورشات التي فتحت: «شهدت عمليات كبرى لترميم مدنها العتيقة التي تشغل حيزا كبيرا بالمدينة وإعادة الاعتبار لعدد من منشآتها الأكاديمية الإسلامية وقسنطينة بعد انتهاء التظاهرة الثقافية استفادت الكثير من المشاريع الإستراتيجية والهيكلية والتي أعطت دفعا قويا في تنامي الوعي الثقافي والإبداعي بالولاية، ما جعلها وجهة للمبدعين والمثقفين من كل أنحاء القطر العربي، فضلا عما عرفته من إنتاجات مسرحية وأدبية وأعمال فنية تلفزيونية أثرت المجال الثقافي للمدينة بشكل عام».
وواصل عميروش مبديا مخاوفه من عودة قسنطينة إلى التسيب والنسيان بمجرد انتهاء التظاهرة قائلا: «الرهان المنتظر هو بعد اختتام التظاهرة الثقافية «قسنطينة عاصمة الثقافة العربية لسنة 2015» هل يمكننا أن نحافظ على مكتسبات هذه الفعالية الثقافية التي مرت ومع علينا سوى المحافظة على النمط الثقافي الذي جعل الولاية إشعاعا ثقافيا من الطراز الأول وشارك فيه كافة الفاعلين الثقافيين والأدبيين». استفادت الولاية حسب عميروش بفضل احتضانها للتظاهرة من شيئين أساسين المرافق الثقافية أولا والاحتكاك الثقافي ثانيا. فالنسبة للمرافق فقد سجل انجاز قاعة العروض الكبرى أحمد باي «زينيت» وملحقات دار الثقافة بالدوائر الستة ما سيعطي دفعا قويا للنشاط الثقافي بالولاية، بحيث ستكون مديرية الثقافة والجمعيات الثقافية في أريحية من أمرها.
استفادت مدينة قسنطينة من مرافق أخرى استثمارا في التظاهرة تابعة لقطاعات أخرى مثل السياحة والصناعات التقليدية كالفنادق الكبرى من حيث الإنجاز أو الترميم والتجهيز، هذا وقد حسنت المدينة وجهها لاسيما وسط المدينة.
بعيدا عن إشكالية نقص الإعلام والإشهار لها ونقص التنظيم، فالنشاطات حسب رئيس لجنة الثقافة كانت متنوعة في جميع مجالات الثقافة .. شهدت قاعات المدينة الثقافية وفنادقها سنة كاملة من الفن والغناء بمختلف طبوعه والمسرح، الملتقيات الأدبية والعلمية وغيرها من النشاطات مكّن الفاعلين في قطاع الثقافة ومن خلالهم مواطني المدينة التعرف عن قرب والاحتكاك بثقافات نظرائهم من ولايات أخرى وكذا من بلدان الوطن العربي ودول صديقة من خلال الأسابيع الثقافية التي نظمت.
عن رهان قسنطينة بعد التظاهرة، الجواب يكمن في ضرورة تجميع كل تلك النشاطات واستمرارها بدعم التبادل الثقافي. يقول عنه عميروش: «قمنا بالمجلس الشعبي الولائي «لجنة الثقافة» بالتكفل بتسديد تذاكر السفر عبر الطائرة لوفد جمعيتين ستشاركان في مهرجانين دوليتين بكل من مصر شهر أفريل القادم، فالتظاهرة سمحت بالتعارف بين جمعيات ثقافية محلية وأخرى من دول أخرى وما علينا سوى دعم التبادل الثقافي بينها لنصل الى آلية هامة وهي إقامة توآمات بين قسنطينة ومدن عربية وغربية كما لا يفوتني أن قسنطينة استثمرت في التظاهرة من جانب الترويج السياحي لها بزيارة وفود دبلوماسية».
أيام قبل اختتام التظاهرة الثقافية العربية 2015
تعيش قسنطينة آخر أيام التظاهرة الثقافية العربية .. البرنامج النهائي قد تمْ ضبطه بدقة معهودة، حيث أكد والي «حسين واضح» أن أيام الاختتام ستعرف احتفالية تليق بعراقة المدينة، حيث سيتم استقبال الوفود العربية بحضور شخصيات فنية وثقافية، فضلا عن الفرق المشاركة بهذا العرس العربي الكبير الذي سيختتم في 16 أفريل يوم العلم.
على مدار ثلاث أيام تقام حفلات كبرى ينشطها عدد من نجوم الفن الجزائري و العالم العربي، ويتم تنظيم استعراض شعبي بالألوان وأعلام الدول العربية إذ سيجوب الشوارع الرئيسية لمدينة قسنطينة التي سيشارك سكانها فعاليات الحفل الختامي الذي سيعلن عن انقضاء عمر سنة كانت ثقافية بامتياز، حيث توجت معها قسنطينة كعروس تربعت على رأس الجمال.
كما سيتم خلال اختتام تظاهرة عاصمة الثقافة العربية تدشين العديد من المنشآت المدرجة للتجسيد ضمن الحدث منها عدد من الهياكل الثقافية وقاعات متعددة الرياضات ومدارس ومؤسسات تعليمية ومرافق تجارية وملعب بن عبد المالك رمضان الكائن وسط المدينة.
تعمل محافظة تظاهرة عاصمة الثقافة العربية وتحت إشراف وزارة الثقافة على التحضير لضبط برنامج الاختتام بإشراك جميع البلديات والفاعلين في الحفل الثقافي، وبذلك تكون قسنطينة التي كانت محل اهتمام طوال الحدث في مستوى تظاهرة بهذا الحجم يؤهلها لأن تحظى بتتويج جديد مستقبلا.