قال الدكتور مختار بن ديدة أستاذ وباحث في علم الإجتماع بجامعة الجيلالي اليابس بسيدي بلعباس أنه يضم صوته لصوت المناديين بإعادة بعث القصبة باعتبارها رمزا يروي حضارة بني مزغنة وقيمة ثقافية، حضارية وإجتماعية.
وفي جوابه على سؤال «الشعب» حول الطرق والسبل المنتهجة لإعادة القصبة إلى مجدها القديم شدّد الأستاذ على ضرورة إنتهاج السلطات المختصة لسياسة عامة لإحياء التراث المادي واللامادي بهذه المواقع الإستراتيجية من خلال الإهتمام بالجانب المادي وتقنين بعض المتكاملات على غرار تلك التي تشجع الفرد على القيام بأعمال تقليدية تشجع السياحة أما الثراث اللامادي فهو بطبيعة الحال يتماشى والتراث المادي، وأضاف في حديثه عن القيمة الحضارية للقصبة بأن ماضيها وتاريخها ألزماها الحفاظ على تراث الجزائر وخصوصيته التي تميزه عن باقي الدول العربية حيث لاتزال شاهدة على كل حكايات التاريخ رغم قدم أحيائها والتدهور الذي آلت إليه بناياتها، وعن علاقات الترابط الإجتماعي في هذا النوع من الأحياء القديمة قال الدكتور أنها مبنية على أساس القرابة وصلة الدم وعلاقات الجيرة هي التي جعلت سكان القصبة أكثر إنسجاما في حياتهم، كما كان للمسجد دور بارز في نسج هذه العلاقات والتحكم بها باعتبار وجود أعداد كبيرة من المساجد بالقصبة ولكل دوره في الحياة الإجتماعية والدينية، كما للشيخ الحق في ممارسة نوع من السلطة فهو القاضي والسياسي يحث يقوم أيضا بالتقريب بين العائلات وحل النزاعات، وهذا ما يمكن تفسيره وفق إنتربولوجية النسيج العمراني كما نجد علاقات ترابط قوية بين الجيران وأبناء الحي بالنظر إلى وجود الساحات بالوسط والبيوت الصغيرة المحيطة بها الأمر الذي يوسع من العلاقات والتكافل بين الأفراد سواءً داخل العائلة الواحدة أو الجيران وحتى أبناء الحي عموما. كما كان للبعد الثقافي والإقتصادي دور في صناعة هذه اللحمة بين أفراد الحي الواحد، حيث كان هناك ما يسمى بالخوف من المعلوم وهي جملة الأوضاع المعيشية والإقتصادية المتدهورة التي دفعت بأصحاب الحي للتكافل والتلاحم لمواجهة هذه الأوضاع والأخطار المادية التي كانت تهددهم، أما الآن فقد تحولت إلى الخوف من المجهول وهو ما يمثل مختلف الأزمات النفسية وإلا كيف نفسر ما يصطلح عليه حاليا بالفردانية التي أضحت الظاهرة الأكثر شيوعا في العلاقات الإجتماعية الراهنة.
وأكد الدكتور في مجمل حديثه أن الجانب التاريخي كان له دور في تقوية هذه العلاقات باعتبار أن القصبة شكلت في فترة الاستعمـار رمز الوحدة والصمود والمقاومـة حيث كانت معقلا للمجاهدين وموقعا من المواقع التي أثقلت كاهل المستعمر، هذا الأخير الذي حاول خلق ما يسمى بالطبقات الإجتماعية كطبقة البورجوازية والفقراء لهدم البنية النسيجية للقصبة لكنه فشل في ذلك، فالقصبة وعلى إختلاف أماكنها تشكل معقلا حقيقيا لقيم التعايش، التضامن، التسامح والتعاون، وأحد أهم خصائص التنظيم الاجتماعي بالجزائر على مر الأجيال المتعاقبة.