الصّحافة الجزائرية أسهمت في صنع راهنية مشوّشة بسبب الاغتراف من قاموس الشّارع
طالبت غزلان هاشمي، أستاذة بجامعة محمد الشريف مساعدية بسوق أهراس، ورئيسة تحرير مجلة “جيل الدراسات الأدبية والفكرية الدولية المحكمة”، بضرورة الانتباه إلى الدعاوي المتحاملة على اللغة العربية، والتي تدّعي تخلّفها وعدم قدرتها على استيعاب الشروط الحضارية الآنية ومواكبة التطور، حيث أنّها تهدف إلى إرباكها ومن ثمّة القضاء عليها بهدف خلق هوية مستعارة.وقالت إنّ الصّحافة الجزائرية المكتوبة والسّمعية البصرية أسهمت في صنع راهنية مشوّشة بسبب الاغتراف من قاموس الشّارع، مؤكّدة على أهمية تقديم خطاب إعلامي يحفظ للغة العربية رونقها وماء وجهها، ويؤكّد على قدرتها النوعية في خلق حوارية اجتماعية تحتفي بمشاغل المواطن وتهتم بهمومه.
❊ الشعب: بداية ما هي التحديات التي تواجه اللغة العربية في ظل عولمة اللغات، في الوطن العربي عموما وفي الجزائر خصوصا؟
الأستاذة غزلان هاشمي: أعتقد أنّ أولى هذه التحديات عزلة اللغة العربية عن الاستعمال العام، إذ تعاني انحسارا بسبب موضعيتها المتعالية في المجتمع والتي فرضها سياق محدد استسهل العاميات على مستوى مؤسسات الدولة، هذا ما أدى إلى انحسارها داخل المؤسسات الأكاديمية وبعض المجمعات التعليمية، فالعدوى انتقلت إلى قاعة الدرس على مستوى الجامعات الجزائرية، حيث تقدّم المحاضرات بالعامية بدعوى تسهيل العملية التعليمية وإيصال الرسالة وتبليغها إلى عدد أكبر من الطلاب، هذا الاستسهال أو هذه الصّبغة التّبريرية وضعت اللغة العربية في مأزق وتأزّم، ما يفرض إعادة صياغة الوعي العام بما يحسس بأهميتها وضرورة الحفاظ عليها.
وأمّا ثاني هذه التحديات الاستعارة اللغوية، من خلال هيمنة مصطلحات غيرية منبثقة من سياق مغاير، وهذا دليل على انتشار عقلية التطابق، وهي نتيجة فعلية لوجود التحدي الأول. هذه الازدواجية الثقافية رغم أنّها تدّعي احترام التعدد إلاّ أنّها تضمر أحادية فكرية هي نتاج للإمبريالية النفسية والثقافية، حيث تطالب بتهميش العربية بدعوى ضعف طاقتها الاستيعابية وضرورة تغييرها بلغة أكثر تطورا.
❊ مع التطور التكنولوجي الحاصل وانتشار اللغات، وقع تنافس في الإعلام المكتوب لاختيار الكلمة للتأثير على المتلقي، في نظركم هل حظيت اللغة العربية بمكانة لها في عالم الصحافة؟
❊❊ ما يقدّمه الإعلام المكتوب يبقى متواضعا، فالمتمعّن في واقع العربية يلحظ الكثير من المجازر اللغوية، لغة هجينة مشتّتة هامشية منفلتة معياريا، لغة مزيج من اللهجات واللغات تعبر عن أزمة على مستوى الوعي الجمعي، يحاول البعض حصره في الطاقة الاستيعابية من أجل التغطية على واقعها الحقيقي.
ونحن هنا لا ننفي ضرورة مراعاة مستوى المتلقّين، خاصة وأن الخطاب الإعلامي يفترض توجيهه نحو فئات واسعة من المجتمع، إذ هو ليس بالخطاب الأكاديمي النّخبوي المخصّص لفئة معينة، إلا أنّ ذلك لا يعني أن يسقط في دائرة الابتذال والسطحي.
أجد أن اللغة العربية تحتاج الكثير من الجهود حتى تحصل على مركزية حضورية في هذا العالم، والتي يمكن إجمالها في آلية الاستيعاب بشرط الترفع عن الابتذال، وفي آلية الانتقاء أو الانتخاب، حيث مراعاة السياق الحضاري وكذا الخصوصية الاجتماعية.
❊ لكن كيف يمكن لوسائل الإعلام المكتوبة أن تُسهم في الارتقاء بلغة الضاد؟
❊❊ تكملة لجوابي عن سؤالك السابق، وجب على وسائل الإعلام المكتوبة أن تقدم خطابا يحفظ مكانتها حتى وهو يراعي مستوى المتلقين، وذلك بالترفع عن السطحية والابتذال وعدم استخدام العاميات، فالرسالة الإعلامية تتجاوز الوظيفة الإخبارية نحو تشكيل وعي انتقائي لغوي، لذلك وجب التدخل باستعمال رقابة داخلية على مستوى كل جهاز إعلامي تهتم بالتقويم والانتقاء، وفرض رقابة خارجية من قبل القراء تسهم في العملية التقويمية من خلال آلية النقد والانتقاء وتهذيب الأذواق اللغوية. فالعملية هنا انخراط مسؤول وتحقيق رؤية حضارية بقدر ما هي محاكمة بمضمونية أخلاقية واجتماعية.
❊ وهل في نظركم اللغة العربية بدورها تساعد على إيصال الرسالة الإعلامية، لتكون الوعاء الناقل للرسالة الثقافية والحضارية؟
❊❊ لا يوجد لغة بحمولة حضارية في العالم ليس في استطاعتها تقديم رؤيتها، صحيح أنها ستتحيّز للنسق الحضاري الذي ولدت فيه، إلا أنها تستطيع تمرير رسائلها ونشرها على نطاق واسع بشرط الاستيعاب العقلاني غير المستلب، والخطاب الإعلامي كأي خطاب إنساني يمكن للغة العربية أن تقدمه بشكل جيد إذا كان التركيز فيه على القضايا الإنسانية التي تهم الفرد والمجتمع.
إنّ الدعاوي المتحاملة على اللغة العربية والتي تدّعي تخلفها وعدم قدرتها على استيعاب الشروط الحضارية الآنية ومواكبة التطور مضللة بشكل كبير، لأنها تهدف إلى إرباكها ومن ثمة القضاء عليها بهدف خلق هوية مستعارة، لذلك وجب علينا الانتباه إلى هذه الدعاوي ومقاومتها بتقديم خطاب إعلامي يحفظ للغة العربية رونقها وماء وجهها، ويؤكد على قدرتها النوعية في خلق حوارية اجتماعية تحتفي بمشاغل المواطن العربي وتهتم بهمومه.
❊ ما هي رؤيتكم للغة الضاد في الصّحافة الجزائرية المكتوبة والسّمعية البصرية؟
❊❊ كنت قد وضّحت رؤيتي في ثنايا الحديث عن مكانة اللغة العربية في العالم، الصحافة الجزائرية المكتوبة والسمعية البصرية، أسهمت في صنع راهنية مشوشة بسبب الاغتراف من قاموس الشارع، وحجتها في ذلك مراعاة الأذواق ومسايرة مستوى المتلقي، فاللغة المقدمة أقرب إلى العامية، منتهكة ومبتذلة وسطحية عارضة مليئة بالأخطاء، إلا أننا لا نعمّم الحكم فهناك العديد من المجهودات التي بذلت مؤخرا من أجل خلق صحافة نوعية، والدليل ظهور بعض المحاولات الجادة ـ حتى وإن لم تكن كافية ـ على مستوى الجرائد والقنوات الخاصة والتي تحفظ بعض ماء الوجه.