ذكر التأريخ المنظور وسواه، أن للنخبة المثقفة باع طويل في تحريك الطاقات الكامنة للشعوب، من خلال حُزَم وموجات الوعي المتواصلة، التي تزجها في عقول الناس البسطاء وغيرهم، لذا يُنظر الى المثقف، على أنه مسؤول فكري مبدئي، يمهد السبل الصحيحة لشرائح الشعب الاخرى، لكي تواصل سيرها في المسارات الصحيحة، وهذه مسؤولية أساسية للمثقف كونه إنسانا رياديا.
ما لبثنا أن صارت أخبار فايروس كورونا تملأ الدنيا وتُشغل العالم، وطال تأثير الصدمة جميع المرافق الإقتصادية والسياحية والثقافية والرياضية والتعليمية، ومن المعلوم بأنَّ هذا الوضع ينعكسُ سلباً على المستوى النفسي لدى الأفراد وقد تتخبط الحكوماتُ في القيام بالإجراءات اللازمة على أكمل وجه. وهنا يأتي دور المثقف المعالِج بأن ينقل إلى العقل البسيط ويبلِغه، بصورةٍ مباشرة أوغير مباشرة، مبادئ معينة، من شأنها تبسيط الأوضاع. إن مساعدة الانسان في التعرُّف على تحريفاته وتصحيحها هي عمليةٌ تتطلب استخدام مبادئَ إبستمولوجيةٍ معينة.
إن توفر وسائط التواصل الاجتماعي من شأنه أن يلعب دورا فعالا يستعمله المثقف، أولا في تبسيط الأمور بناء على القول «ليست الأشياء ما يكربُ الناس ولكن أفكارهم عن الأشياء» كما يقول إبكتيتوس, فالتدجّجُ بالكمامات والسترات الطبية واستخدام المعقم والقفازات لمواجهة الفايروس، نصائح وقائية يلتزم الجميع بالعمل بها وبتلقينها، ومن المؤكد أن كل ما ينشر الٱن من نصائح وتوجيهات وتعليمات قد يحمي من الإصابة بالعدوى بالفايروس. لكن ماذا عن المَخاوف؟ هنا يأتي دور المثقف كما يرى ويتفق المفكرون والفلاسفة، دوره في بعث النصائح بوعي ناضج. ثانيا يجب أن نعلم أنّ الانسان هوالحيوان الوحيد الذي يشعر بالملل ولا يريد أن يكون ماهوعليه حسب تعبير ألبير كامو. كيف يكون ردُ الفعلِ إذا تطلبَ الموقف أن تفرض حجراً صحياً على نفسك؟ يجب أن يسعى المثقف إلى تفعيل مبادرات من شأنها مساعدة المواطنين على الإنسجام مع حجرهم الصحي، كأن يبادر رجال المسرح والسينما، والفنانون، والكتاب والشعراء والقراء وغيرهم بأن يعملوا على جذب الأفراد إلى هذه المجالات الترفيهية الهوياتية النافعة، دراسة خفيفة لمتطلبات المجتمع الثقافية ثم وبالتعاون مع السلطة الخامسة، أقصد مواقع التواصل الاجتماعي. يعملون على إيصال ما من شأنه ملء ذلك الفراغ الذي قد يواجه المواطنين خلال الحجر، مع التأكيد دائما على أن هذا الأخير هوفرصة مناسبة جدا للعيش بعالم تم هجره منذ أمد، بالتحول من دور البيت الفندق إلى دور البيت المفعم، الممتلئ بالحيوية والتجاوب بين أفراد العائلة الواحدة.