أكد الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي في معهد العلوم الاقتصادية السيد محمد حشماوي أن ماحدث في منشأة الغاز بتيڤنتورين قد تكون له انعكاسات على الإقتصاد الوطني من حيث علاقات الجزائر الإقتصادية مع الشركات الأجنبية، ولكن ليست إلى درجة قطع هذه العلاقات أو التردد في الإستثمار والعمل في الجزائر.
الحادثة الأليمة التي أودت بحياة عمال أجانب وجزائريين قد تترك أثار نفسية ربما تؤدي إلى إعادة بعض الحسابات من طرف بعض الشركاء في هذا المجال، لكنها لن تنعكس مباشرة على الإستثمار في قطاع المحروقات الذي يبقى مجالا حيويا وبالتالي فإن السيد حشماوي يرى بأنه من غير الممكن أن يتخلى الشركاء الأجانب على حصصهم في حقول المحروقات بهذه السهولة، خاصة وأن العالم بأسره يبحث عن الإمدادات المستقبلية من المحروقات في ظل نفاذها المحتمل في المستقبل ووجود استثمارات باهضة في مجال الطاقات المتجددة، ولهذه الأسباب، فإن الأستاذ حشماوي يرى بأن عمل الأجانب في حقول الغاز والنفط سيسهر بصفة عادية خاصة وأن بعض التصريحات الصادرة من دول غربية لديها استثمارات في قطاع المحروقات على غرار فرنسا وأمريكا وحتى اليابان، أكدت على بقاء عمالها في الجزائر ولو أنه سجل مغادرة بعض العمال إلا أنه سيكون بصفة مؤقتة. أما عن الاستثمارات فإنها ستظل في الجزائر ويتعين تعزيز الأمن حول المواقع الحساسة خاصة وأنها هدف الجماعات المتطرفة وأن الجزائر تلعب دورا أساسيا في محاربة هذه الجماعات.
وصف الأستاذ الجامعي التداعيات المحتملة الحادثة عين أمناس بالإنعكاسات النفسية على الرعايا الأجانب الذين قد ينفرون في البداية من العودة إلى الجزائر جراء الصدمة، لكنها ستزول. فإما يرجعون إلى مواقع عملهم أو يستبدلون بآخرين، وبالتالي فإنه لا يعتقد أن ينعكس ما حدث في قاعدة الغاز على الإستثمارات الأجنبية في الجزائر، فرحيل الخبراء كأفراد لن يؤدي إلى رحيل الشركات الأجنبية.
تعزيز الأمن في مواقع الغاز والنفط يتطلب إمكانيات هامة. الجزائر وإن كانت تتوفر عليها، إلا أن التعاون الأمني مع »شركائها تبدو ضرورية خاصة في المجال التقني واللوجيستيكي، ولحسن حظ الجزائر فإن شركائها في قطاع المحروقات من الدول المتطورة بإمكانها الحصول على أحداث تقنيات المراقبة لتوفير الأمن والحماية للأجانب في الجزائر الذين هم ضيوف قبل كل شيء وللجزائريين على حد سواء، مثلما يؤكد الأستاذ الجامعي الذي يشدد على التنسيق والتعاون الأمني في المناطق الحساسة الواقعة على طول الشريط الحدودي لدول تعيش أوضاعا أمنية متدهورة خاصة في شمال مالي .
كل الإستثمارات الحيوية موجودة في الصحراء الواقعة على الحدود مع كثير من الدول، وبالتالي فإن المخاطر تبدو مرتفعة، ومن ثم وجب على الجزائر أن تكون حذرة وأن تعزز أمنها من خلال الإستفادة من وسائل المراقبة من بعيد المتطورة جدا التي لا تتوفر عليها حاليا، وعليه ينبغي اقتناؤها أو أن تطلب مشاركة وتعاون الدول التي تتوفر عاى أحدث التكنولوجيات في هذا المجال، يقول الخبير الإقتصادي مضيفا بأن الخطورة تكمن في أن الصحراء الشاسعة أصبحت ملجأ للإرهابيين عكس ما كان عليه الحال خلال الحقبة الدموية في تسعينات القرن الماضي، حيث كان الإستقرار يعم الدول الحدودية ملحا على ضرورة تعزيز التعاون بين هذه الدول مثل مالي والنيجر، تونس وليبيا لمواجهة الجماعات الإرهابية المتعددة الجنسيات التي أصبحت تتوفر على وسائل جد متطورة وقواعد خلفية وتلقى الدعم من طرف بعض الدول، ولهذا وجب على الجزائر إعادة النظر في الإستراتيجية الأمنية الحالية وتعزيزها بالتعاون الإقليمي والدولي.
وعن الأهداف التي كان يرمي الإرهابيون إلى تحقيقها، قال الخبير الإقتصادي أن استراتيجية الجماعات المتطرفة كانت تهدف إلى الضغط على هؤلاء المستثمرين للهروب من الجزائر، وخلق نوع من الخوف وبالتالي سحب الإستثمارات الأجنبية من الصحراء التي لا تعني فقط المحروقات وإنما كل مايتعلق بالطاقات المتجددة المرشحة لخلافة الغاز والنفط بعد نضوبها المحتمل في 30 إلى 40 سنة القادمة، ولهذا فان هذه الإستراتيجية الخبيثة كان الهدف منها النيل من الإقتصاد الوطني حاليا ومستقبلا مع وجود إمكانيات هامة للجزائر في مجال الطاقات المتجددة الكامنة في الصحراء، الشمسية منها والريحية وغيرهما، والتوجه العالمي الحالي نحو استغلال الطاقات البديلة، ولهذا فإن هدف الإرهابيين بات واضحا في محاولة زعزعة هذه المناطق حتى لا تستغل الثروات الكاملة فيها و بالتالي خلق مشاكل اجتماعية واضطرابات لضرب النظام ككل.
وحول استهداف قوت الشعب الجزائري، قال الخبير الإقتصادي أن ضرب الصحراء ومصادر دخل الجزائر الأوحد بما أنها لاتزال تعتمد على قطاع المحروقات بنسنبة تفوق 98٪ من حيث الإيرادات، يهدف من ورائه الإرهابيون ضرب الإقتصاد الجزائري في العمق وخلق أزمات متعددة الجوانب اقتصادية، سياسة واجتماعية وفي النهاية زعزعة كيان الدولة ككل وإضعاف الجزائر التي ظلت صامدة لعقود طويلة رغم الأزمات التي مرت بها، والتي لم تزدها إلا قوة.
هذه العملية الإرهابية التي مست عصب الإقتصاد الجزائري إنما تندرج ضمن مخطط إجرامي عالمي هدفه زعزعة بعض الأنظمة العربية والإسلامية وإعادة ترتيب العلاقات الدولية من جديد عن طريق استفحال هذه الجماعات الإرهابية مثلما حدث في العراق وليبيا ومصر ويحدث حاليا في سوريا، وكل دولة اختير لها مخطط خاص بها، ولهذا فإن الأستاذ الجامعي يعتقد أن الجزائر مستهدفة بطريقة أخرى من خلال ضرب مصدر عيش وقوت الشعب والإخلال بالإستقرار الذي تعيشه حاليا بعد سنوات من الإرهاب الهمجي وبفضل التدابير المتخذة خلال السنوات القليلة الماضية للحفاظ على الإستقرار والسلم والأمن، ماساهم على نحو كبير في إبعاد شبح الوقوع في فخ ما يسمى بثورات الربيع العربي الموجهة من طرف الخارج. والجزائر كانت أكثر وعيا بهذه الإستراتيجية الهدامة وسعت بكل ماتملك من إمكانيات إلى حماية الوطن من أي أشكال التدخل الخارجي وحافظت على التماسك الإجتماعي وعلى السلم والأمن الداخلي.
الخبير الاقتصادي الدكتور حشماوي:
“ضرب الاقتصاد الوطني مخطط إجرامي عالمي لزعزعة الدولة”
سلوى روابحية
شوهد:1512 مرة