لا يتوقّف الحديث عن بورصة الجزائر خاصة في هذه المرحلة الحاسمة التي ينظر أن تعبر منها إلى مرحلة أكثر فعالية على مسار الإصلاحات التي تشملها. خلال هذه السنة يرتقب أن يكون للبورصة حضور أكثر ديناميكية باستقطاب المؤسسات والمتعاملين، في ضوء النتائج القوية للمنظومة الاقتصادية والوتيرة الجديدة للنظام البنكي الذي يعطي دفعا للحركية الاستثمارية، خاصة إذا انخرط القطاع الوطني الخاص في هذه السوق على غرار مؤسسات عديدة أعلنت نيتها في الدخول إلى البورصة وعرض أسهمها للتداول.
وتعرف بورصة الجزائر هذه الأيام حركية حثيثة، حيث لا يتوقّف القائمون عليها لحظة عن مضاعفة الجهود، قناعة منهم بأنّ سنة 2013 سنة حاسمة بوضع هذه المؤسسة في صدارة المشهد الاقتصادي الجزائري. ووضعت الحكومة في مخططها بعث السوق المالية كأولوية حتى تساهم بقوة في تمويل التنمية الاقتصادية، وذلك بتوجيه الادخار العمومي والمؤسساتي نحو تمويل استثمارات المؤسسات الخاصة والعمومية. منذ 1997 تضمّ البورصة أسهم 3 مؤسسات هي اليانس، فندق الأوراسي وصيدال للأدوية، إلى جانب سندات دهلي وسونلغاز، وتطمح حاليا لجذب أعداد معتبرة من الشركات لعض أسهمها ولكن لاقتناء ما هو موجود، ويعكف المدير العام لبورصة السيد فرفارة على إنجاز برنامج العصرنة في وقت قياسي.
عرفت بورصة الجزائر منذ انطلاقها في أواخر التسعينات نشاطا معتبرا، وذلك بتحقيقها 3 عمليات إصدار من مؤسستي صيدال والرياض سطيف، بقيمة سوقية قدّرت آنذاك حوالي 20 مليار دج، بالإضافة إلى القرض السندي لشركة سوناطراك الذي سجّل قيمة إجمالية قدّرت بـ 21 مليار دج. غير أنّ تلك الديناميكية عرفت خمولا معتبرا في السنوات الأولى، وهذا يعود إلى عدم تسجيل شركات جديدة في السوق الثانوي ماعدا سهم الأوراسي الذي أدرج في عام 2000.
وبالمقابل عرف سوق السندات انتعاشا محسوسا في 2004، ممّا سمح بدخول القروض السندية إلى البورصة ابتداء من 2006 حتى وصل عدد السندات المدرجة إلى 5 قروض سندية بقيمة إجمالية فاقت 84 مليار دج (أي 5 ، 1 مليار دولار).
هذه الادراجات كان لها تأثير مميز على السوق، حيث سجّلت ارتفاعا محسوسا لنشاط البورصة فارتفعت مستويات التداول من 150 مليون دج في 2006 إلى 960 مليون دج في 2007 للوصول إلى 9 ، 2 مليار في 2008
و9 ، 5 مليار دج في 2009 و9 ، 4 مليار في 2010، بالإضافة إلى إدراج سندات الخزينة العمومية ذات الآجال 7، 10 و15 سنة في 11 فبراير 2008 ممّا سمح بارتفاع القيمة الإجمالية للسندات المدرجة التي بلغ عددها إلى 25 سندا، فيما بلغت القيمة الإجمالية 290 مليار دج (ما يعادل 8 ، 3 ملايير دولار).
واستنادا للمعطيات التي سدلها مسار البورصة فإنّها شهدت أيضا في 7 مارس 2011 إدراج سهم ثالث خص شركة أليانس للتأمينات من القطاع الخاص، الذي جاء لتتويج عملية رفع رأسمال الشركة التي نفذت في أواخر 2010 بنجاح، والتي سمحت برفع رأسمال الشركة في السوق المالي بـ 4 ، 1 مليار دج وتعبئة أكثر من 5500 مساهم ليصبح رأسمالها الإجمالي 2 ، 2 مليار دج.
وأوضح مسؤولو البورصة أنّ نجاح هذه العملية في إدراج سهم الشركة سمح برفع مستوى القيمة السوقية من 8 ، 7 مليار دج إلى 7 ، 12 مليار دج، أي بما يعادل 5 ملايير دج. أما فيما يخص مستوى التبادلات المسجل، فقد سجّل سنة 2011 بلغ 320 مليون دج بانخفاض قدّر بـ 50 % مقابل 670 مليون دج في 2010، ويعود هذا إلى وصول بعض القروض السندية إلى آجالها المحددة ويخص الأمر سندات الجوية الجزائرية 1 ، 14 مليار دينار، وأول سندات سونلغاز 9 ، 15 مليار واتصالات الجزائر 5 ، 21 مليار دينار.
تعديل القانون العام لبورصة القيم
وفقا لتوجيهات وزارة المالية، قامت لجنة مراقبة عمليات البورصة بالتعاون مع شركة بورصة القيم بانطلاق أشغال تهدف من خلالها إلى إدراج تعديلات قانونية تخص القانون العام للبورصة. ويستند هذا المشروع إلى محاور أساسية تتمثل فيما يلي كما أعلنها مسؤولو البورصة:
ــ أولا: إنشاء سوق خاص بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة،
وهذا لتوفير بيئة مواتية لتنميتها وتطويرها، وتخصيص شروط مرنة للقبول في هذا السوق تخص أساسا مستوى رأس المال الاجتماعي المفتوح والمحدد بنسبة 10٪ كأدنى حد و حذف شرط الربحية خلال السنة السابقة لإدراجها،
وكذا توزيع سنداتها سواء لدى 50 مستثمر من الجمهور أو لدى 3 مستثمرين مؤسساتيين. كما أنّ هذا السوق يسمح بإنشاء وظيفة جديدة، وهي مرافق البورصة
والمسمى “بمرق البورصة”، مهمته تخص في كل ما يتعلق بالإعداد والاستشارة للشركة التي تريد الدخول في البورصة، وهو أيضا يتكلف بمراقبة مستمرة للشركة المدرجة طوال مشوارها على مستوى البورصة، ويمكن للمرافق أن يكون بنكا أو مؤسسة مالية أو مكتب استشاري.
ــ ثانيا: إعادة النظر ومراجعة شروط القبول الخاصة بالسوق الرئيسي للشركات الكبيرة، وتخص الرأس المال الأدنى الذي رفعت قيمته إلى 500 مليون بدل من 100 مليون دج، وكذا عدد المساهمين المقدر بـ 150 مساهم عوض 300 مساهم. أما فيما يخص السندات فانه يشترط للمؤسسة الراغبة في إصدار القروض أن تملك رأسمال لا يقل عن 500 مليون دج، وإصدار قيمة اسمية تقدر بـ 500 مليون على الأقل.
ــ ثالثا: إنشاء سوق الكتل الخاص بسندات الخزينة العمومية، وذلك لتحسين شروط التداول للبورصة.
وبهذا فإنّ التعديلات التي تمّ إدراجها على النظام العام ستسمح بإعادة تنظيم بورصة الجزائر من خلال استحداث قسمين جديدين سوق رئيسي خاص بالمؤسسات الكبرى
والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وكذا سوق كتل سندات الخزينة العمومية. وقد تمّ التصديق على هذا المشروع من طرف لجنة مراقبة عمليات البورصة ووزارة المالية، وهو في انتظار نشره في الجريدة الرسمية.
إصلاحات على 5 محاور
وقّعت وزارة المالية وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية في 2011 على مشروع دعم إصلاح السوق المالي الجزائري بقيمة 5 ، 1 مليون دولار. يهدف هذا مشروع إلى وضع مخطط تنظيم وتسيير السوق المالي في الجزائر، وهو يتكون من مرحلتين تتمثلان في مرحلة التقييم والتصميم ومرحلة التنفيذ.
وتهدف المرحلة الأولى إلى تصوير نموذج ومخطط تنظيم وتسيير السوق المالي وفقا للقوانين الجزائرية، في حين المرحلة الثانية تخص تنفيذ مشروع الإصلاحات. و في هذا الإطار تمّ وضع مجموعات عمل متكونة من خبراء دوليين ووطنيين، وكذا مختصين وفاعلين في الساحة المالية لإنجاز هذه المهمة التي تمّ تحديد خمس مجالات للتدخل فيها وهي:
1 ــ إصدارات جديدة (إصدار سندات الأسهم و القروض في إطار ملائم لتطوير السوق و جعلها أكثر مرونة).
2 ــ إعادة تنظيم مؤسسات السوق وسيرها.
3 ــ إعادة تنظيم الوسطاء في عمليات البورصة وتوسيع نطاق أعمالهم.
4 ــ إعداد استراتيجية تهدف إلى عصرنة وتحديث أنظمة التداول والإعلام.
5 ــ تحسين صورة ومصداقية البورصة، وذلك باستعادة ثقة المستثمرين والشركات في السوق.
للإشارة، بدأت مجموعات العمل أشغالها في أكتوبر 2011، أين قامت بتشخيص وتقييم السوق المالي الجزائري ومقارنته مع البورصات الناشئة والمعايير الدولية. وفي 23 ماي 2012 شرعت مجموعات العمل بتصميم وتقديم الاقتراحات والحلول اللازمة لتفعيل هذا السوق، وهو ما يرتقب أن يتجسّد على أرض الواقع خلال هذه السنة.