لم يتوقف الحديث عن أحوال السوق في مناسبة عيد الفطر، بالرغم من التطمينات التي أطلقتها إجراءات نظام مداومة التجار، خاصة الخبازين وباعة المواد الأساسية، بما في ذلك محطات البنزين. ولا تزال منظومة الأسواق تعاني اختلالات، رغم الوفرة التي تؤكدها مؤشرات الاستهلاك والإنتاج والاستيراد للمواد الغذائية، ترافقها حالات ندرة وارتفاع الأسعار.
تكرر هذا المشهد طيلة شهر رمضان، رافقته سلوكات غير سليمة، أدت إلى تنامي حالات التبذير، خاصة المواد سريعة التلف كالخبز. فيما نتج عن الاحتكار على مستوى أسواق الجملة للخضر والفواكه، وضعية غير مقبولة تتمثل في إلقاء كميات هائلة إلى القمامة بفعل تعرضها للتلف وعدم تسويقها لغلاء الأسعار.
بالتأكيد أن الجميع لاحظ كيف ازدادت درجة الضغط على المواد الأساسية في الأيام الأخيرة من شهر الصيام وارتفع الطلب عشية العيد، نتيجة سيطرة هاجس الندرة على إرادة المواطنين وانزلاقهم في’’مشهد بافلوفي’’ (نظرية المنعكس الشرطي) لعملية خضوع عمياء لنزعة اقتناء كل شيء وبكميات زائدة عن اللزوم.
حقيقة كان الإقبال على مادة مثل الخبز مثيرا، لأسباب أحيانا موضوعية، أبرزها أن المخابز أقفلت مبكرا نتيجة هجرة عمالها الذين التحقوا بأسرهم في الولايات الداخلية. ولم تتمكن المخابز المحدودة التي اشتغلت يومي العيد من تلبية حجم الطلب الذي ارتفع لمبالغة المستهلكين في اقتناء ما يلزمهم.
لكن بالمقابل، لم يسجل ذلك الهلع المتكرر في السنوات الماضية، حيث التزم أغلب المواطنين الهدوء، مفضلين اتخاذ التدابير المنزلية اللازمة لمواجهة الموقف، باللجوء إلى اعتماد مأكولات وأطباق بديلة، بما في ذلك اقتناء أطعمة جاهزة لدى محلات الشواء التي تصاعد دخانها وبشكل كثيف أحيانا في أغلب الأحياء والأزقة بالمدن، فيما لجأت عائلات أخرى إلى إعداد أطعمة تقليدية تستغني عن الخبز.
من رمضان إلى العيد كشفت يوميات الأسواق مجددا وجود أزمة تنظيم وغياب لأخلاق التاجر النزيه، الذي لا يعيش على المضاربة والغش والتلاعب بالأسعار. من أسواق الجملة ومراكز التبريد - التي يبدو أنها توقفت عن العمل لأكثر من أسبوع - والتي ينتظر أن تعود إلى رحاب الشفافية، إلى محلات التجزئة لكافة المواد تقريبا، يسجل فقدان الحلقة التي تضمن التوازن، متمثلة في المراقبة الجوارية، التي ينتظر أن تستعيد دورها في الساحة ومرافقة المنظومة التجارية في تقديم خدمات ذات جودة تقوم بالأساس على ضبط هوامش الربح ومنع كافة أشكال الفساد.
في هذا الإطار، ينبغي الإشارة إلى أن لوزارة التجارة مسؤولية في إعادة صياغة مهامها من منظور اقتصاد السوق، الذي لا يعني إطلاقا التدخل في ضبط وتحديد الأسعار الحرة، لكنه يعني بالتدقيق مراقبة مدى التزام التاجر بقواعد التجارة النزيهة والشفافية في تحقيق الربح، علما أن هناك هوامش ربح تقدر بزيادة تصل إلى 100 من المائة مقارنة بأسعار الجملة.
لكن هل هناك متابعة لتقلبات السوق وحركيتها في رمضان والعيد من أجل استخلاص العبر ومن ثمّة استخلاص النتائج التي تسمح باتخاذ التدابير اللازمة للتخلص من الأزمات المزمنة والتي أغلبها مصطنع يتسبب فيها التجار أحيانا والمستهلكون أحيانا أخرى؟، كما هو الشأن بالنسبة لمحطات البنزين التي شهت ضغطا من أصحاب السيارات عشية العيد، بالرغم من تطمينات مؤسسة نفطال بتزويد المحطات بالوقود ولن يكون هناك انقطاع في التموين.
بلا شك، لوحظ كيف أن عددا من المحطات فضلت الغلق يومي العيد، وأخرى أعلنت عدم وجود البنزين أو بعض أنواعه، لأن الكميات التي تتزود بها عادة نفدت بسرعة بفعل هلع غير مبرر من السّواق، الذين أحدثوا الندرة رغم الوفرة.
إن الأمر في النهاية، يتعلق بغياب ثقافة تجارية واستهلاكية، والتي لو تتوفر يمكن اقتصاد وربح الكثير في الإمكانات والموارد، فيحدث رد اعتبار لقيمة البضاعة في ظل شفافية كلفتها وحجم هامش ربح كل طرف.