أوضح المستشار المستقل توفيق حسني في ندوة نقاش حول الطاقة والطاقات المتجددة، أن مشروع “ديزرتك” ليس برنامجا جزائريا وإنّـما هو مبادرة ألمانية، أطلقت خلال الفترة 2002 ــ 2003، من خلال تشكيل مجموعة خبراء ضمّت بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط (منطقة مينا) من أجل التوصل إلى اتّفاق تعاون لتطوير الطّاقة الشّمسية لإنتاج الكهرباء وتحلية مياه البحر. ويضيف قائلا: ‘’خرجنا بمعطيات ساعدتنا في مشروع محطة الطاقة الشمسية الحرارية لحاسي الرمل. اشتغلت أيضا وبطلب من الوزير آنذاك مع خبراء وزارة الطاقة الأمريكية على استراتيجية الصحراء ذات الموارد الشمسية القادرة على إنتاج الكهرباء وتصديرها إلى أوروبا. وفي دراسة للجيش الألماني تحصّلت عليها توصي أوروبا بأن تتبنّى هذا المورد’’.
ولكونه يساهم في التصدير ويضمن الأمن القومي للجزائر بالنظر لتطورات أزمة الساحل والصحراء التي تفجّرت بعد تلك السنوات، أشار محدّثنا إلى أنّ المستشار الخاص للرئيس الأمريكي السابق بوش الابن (وقد أخطرت الوزير حينذاك بالمعطيات لكنه لم يرد)، كتب أنّ الموارد الشّمسية في الصحراء ويقصد كل الصحراء بلغت مستوى يجعل العالم لا يمكنه السماح ــ كما أشار بوضوح ــ بعدم استغلال هذه الثروة، وبالتالي دعا إلى إعلان الطّاقة الشّمسية إرثا عالميا.
إن “ديزرتك” ليس مشروعا سياسيا وإنما مبادرة لخبراء توصّلوا إلى أن الطلب على الطاقة يتزايد، ووجد فيه المستثمرون الفرصة المواتية، ورصد للمشروع ذي الطابع الاقتصادي 400 مليار أورو. من جانبهم الهدف التوصل لمورد طاقوي يضمن تأمين السوق، ومن ثمة مواجهة الضغط الروسي في التموين بالغاز الطبيعي. للعلم تفيد الدراسات بأن سنة 2050 يكون الاستهلاك الطاقوي في العالم من الطاقات المتجددة، ويجب التوضيح أن اهتمام “ديزرتك” لا يرتكز على عنصر الشمس وإنما على ميزة الفضاء الجغرافي الشاسع والمسطح، الذي يسمح بإنجاز محطات التقاط وتجميع الأشعة مع تحويلها إلى طاقة، وهو ما لا يتوفر في أوروبا. بالنسبة إلينا ــ يضيف ــ توجد نظرة إذ ينبغي التخلص من التبعية للمحروقات باستغلال مصدر طاقوي آخر لا مثيل له وهو الشمس.
وهنا يشير إلى أنّ الإطار للتعاون موجود لتطوير الفكرة، يتمثل في الحوار الأوروبي المغاربي على مسار مجموعة 5 + 5، التي يضم ضفتي غرب المتوسط، والسوق الأوروبية تبحث عن مصدر طاقوي مضمون ودائم، وللجزائر ورقة قوية تتمثل في موقعها الهام، وأيضا التزامها تجاه زبائنها فهي لم تستعمل أبدا الطاقة لممارسة الضغط عليهم. لذلك أدعو إلى اتخاذ قرار سياسي حاسم من شأنه أن يحرّر هذا المشروع. إنّنا بحاجة لاستراتيجية واضحة المعالم والأفق، تضع هذه الطاقة في الصدارة لإنتاج وتصدير الكهرباء بدل الاستمرار في الرهان على الغاز فقط، علما أنه بمجرد الخروج من مستوى الاستثمار ندخل في مرحلة استرجاع التكلفة، ناهيك عن نتائجه الايجابية على البيئة كما يوفر طاقة الغاز، فلا نبيعه بثمن بخس. والآلية الممكنة الحرص على اللجوء إلى شراكة تمويلية مختلطة مع شركات إجنبية مهتمة لمواجهة مشكل الربط بالكوابل الكهربائية، أو إنجاز الطرق الكهربائية السريعة في وقت تنذر المؤشرات بأن أزمة تمويل تلوح في الأفق بالنظر لتقلبات أسواق المحروقات العالمية. ويؤكّد بلسان الخبير المدرك للتحولات، أنّ “ديزرتك” مبادرة ألمانية يجب أن تموّل أوروبيا لها جانب حسن مثل مبادرات أوروبية أخرى، ومن المفيد استغلالها لضمان حصص في السوق الأوروبية للكهرباء كون الطاقة الشمسية تتوفر على طاقة إنتاج وقريبة من السوق وممكنة الربط إضافة لتنافسيها، وهذا كله في صالحنا شريطة أن نظهر ــ يقول منشّط النّدوة ــ قدرة على التموقع في السوق والتخلص من أحكام غير صحية كان يقال يريدون تنمية الطاقة الشمسية عندنا ليأخذوا الغاز الذي نقتصده.
ويستطرد موضحا أنّ الأمر لا يتعلق بتنمية ‘’ديزرتك’’ الذي يتوقّع طاقة 24 ألف ميغاواط، لمجمل بلدان المغرب العربي، وإنما لدينا برنامجنا للتصدير بطاقة 29 ألف ميغاواط ممّا يسمح باقتصاد ما يعادل 60 مليار متر مكعب سنويا.
من المهم أن تدخل سوناطراك سوق الكهرباء، فلديها امكانيات أكبر من سونلغاز
لماذا تعطّل صدور القرار الوزاري الخاص بتطبيق قانون الطّاقات المتجدّدة؟
توجد أعمال بحث علمية بمراكز البحث الجامعي حول الطّاقات المتجدّدة، لكن توجد مع ذلك صعوبة في تحويلها إلى مشاريع ملموسة تجسد الطموحات والتطلعات. عن أسباب ذلك يؤكد الضّيف أنه لتجاوز هذا المستوى من الخلل بين البحث العلمي وترجمته لمشاريع ملموسة، ينبغي في الأول أن تظهر الحكومة إرادة واضحة بهذا الخصوص، بدءا بوجوب توقيع القرار الوزاري لتطبيق المرسوم المتعلق بالطاقات المتجددة، وفي غياب هذا النص لن تكون هناك مشاريع وهي كثيرة في حالة انتظار. إن قانون دعم الطاقات المتجدّدة يربط مباشرة بضرورة إصدار قرار وزاري لتحديد الأسعار، وإلى اليوم لم يصدر هذا القرار. ويتساءل لماذا تعطيل هذا النص بينما المشاريع تتراكم وتنتظر إشارة الانطلاق فقط؟ من المتوقّع رصد حوالي 60 مليار دولار لتنمية الطّاقات المتجدّدة، ولذلك يجب تحرير التّمويل. وأدعو إلى بعث طرف أنشئ من أجل هذا، يتمثل في مؤسسة “نيل” وهي فرع مختلط عمومي وخاص يجمع سوناطراك وسونلغاز مع متعامل خاص. يجب توسيع هذه الشّراكة بين العام والخاص وجعله العامل الرئيسي لتنمية الطاقات المتجددة، علما أن سونلغاز طلبت إعفاءها من هذه المهمة مع بقائها في “نيل” لمتابعة التسيير، فيما سوف تتكفّل سوناطراك في هذا الاطار مهمة تسويق الكهرباء الموجهة للتصدير من أجل أن تكون لاعبا طاقويا هاما في أوروبا مثل غاز بروم الروسية. أنا أوافق على هذا التوزيع بين سونلغاز التي شغلها الشاغل يجب أن يكون في تلبية وفرة الكهرباء والغاز سوناطراك في الاستكشاف واستغلال المحروقات، وعاد للتذكير مجددا بمشروع “نيل” لحاسي مسعود لإنتاج الطاقة المتجدّدة المجسدّة لشراكة جزائرية بحتة، لأسأل من المستفيد من السعي لإنهائها؟ علما أنّها كانت رابحة.
إنّنا اليوم بحاجة لاستراتيجية شاملة والظرف مناسب ضمن مشروع “ديزرتك”، خاصة وأنّ مجموعة 5 + 5 قبلت إدماج شبكة الكهرباء لبلدان المغرب العربي في شبكة الكهرباء الأوروبية، ومن خلالها يمكن تصدير الكهرباء لكي نستهلك في كل أوروبا بدون أي مانع قانوني. ينبغي أن تدخل سوناطراك سوق الكهرباء لما لديها من امكانيات أكبر من سونلغاز.
يجب إدماج النّووي كقاعدة في تحديد نموذج استهلاك الطّاقة المستقبلي
إنجـــاز محطــة نوويـة سلمية يكلّـف 5 أضعاف كلفـــــــة الطّاقــــــة الشّمسيــــــة الحـــــرارية
عن سؤال حول امكانية وضرورة إنجاز محطات للطّاقة النّووية السّلمية من أجل مواجهة أي أزمة محتملة في المستقبل، أكّد المستشار المستقل أنّ الطّاقة النّووية السّلمية هي مصدر لإنتاج الكهرباء، ومن ثمة يجب إدماج النّووي كقاعدة في تحديد نموذج استهلاك الطّاقة المستقبلي. ومثل الغاز الصخري والطاقات المتجددة يجب تقييم النووي كبديل طاقوي، غير أنه يعاني من جملة مشاكل منها التحكم في التكنولوجيا التي ليست يسيرة، ولأن المرور للعلوم في هذا المجال يبقى محدودا بفعل أخطار النووي العسكري. ويضيف موضحا بأمثلة أنّ الأخطار ببساطة كبيرة كما أظهره حادث محطة فوكوشيما باليابان، كما لم تسو الأخطار البيئية المرتبطة بتخزين النفايات النووية، ناهيك عن الكلفة الباهظة لتفكيك محطة نووية.
ويشير في هذا السياق إلى أنّ مشكل تأمين التموين بمادة اليورانيوم يعدّ مشكلا كبيرا بالنظر للاحتياطات الموجودة، ذلك أنّ الجزائر تتوفّر في الواقع على احتياطات تسمح بتشغيل محطة نووية سلمية واحدة لمدة 50 سنة، وهو متوسط عمر محطة نووية. ويضيف في تحديد المعوقات أمام هذا الخيار أنّ كلفة الاستثمارات الأولية جدّ مرتفعة، ويجب توزيعها على عدة محطات من أجل الأمل في تخفيض الكلفة. وبمعادلة مقارنة لأعباء تنمية مختلف الفروع الطّاقوية، يظهر بالنسبة لطاقة 2000 ميغاواط لمدة 50 سنة، فإنّ الغاز الصخري يكلّف 3 مرات كلفة الطّاقة الشمسية الحرارية، والنّووي يكلّف 5 مرات كلفة الطّاقة الشّمسية الحرارية.