شبايكي سعدان، رئيس الجمعية الوطنية للاقتصاديين الجزائريين

الشغل واقتصاد المعرفة أبرز التحديات الراهنة والمستقبلية

أجرت الحوار: سلوى روابحية

اختلفت البرامج الاقتصادية لمترشّحي رئاسيات الخميس القادم باختلاف التوجهات العامة لكل مترشح و الأولويات التي صيغت في هذه البرامج، لكن كيف يرى الباحثون الجامعيون وخبراء الاقتصاد في الأولويات الاقتصادية على من سيتم انتخابه في نهاية الأسبوع الجاري لتولي قيادة البلاد اعتمادها لاستكمال مسار الاصلاح ورد الاعتبار لقطاعات حيوية لا يزال النمو فيها يراوح مكانه بالنظر إلى الكم الهائل من الوسائل والامكانيات المتوفرة، والتي كما يبدو تبقى بعيدة عن الاستغلال الأمثل الذي يعني فيما يعني إليه توفير الحاجيات الأساسية للبلاد دون الاعتماد وفي كل مرة على الخارج، ورد الاعتبار للعمل المنتج والمحافظة على الموارد المالية الموجودة من خلال ضبط الانفاق العمومي من جهة، ولكن أيضا من خلال محاربة كل أشكال الفساد الذي ميز بعض جوانب الاقتصاد.
وفي الحوار الذي أجراه “الشعب الاقتصادي” مع الدكتور والباحث ورئيس الجمعية الوطنية للاقتصاديين الجزائريين السيد شبايكي سعدان، تطرّق هذا الأخير إلى أبرز الانشغالات الاقتصادية المطروحة مستندا إلى بعض المعطيات الواقعية في اقتراح بعض الأفكار التي تصب في اتجاه إيجاد مخرج للعديد من المشكلات التي لا تزال تميز الاقتصاد الوطني.

❊ الشعب الاقتصادي: ما هي أبرز التحديات الاقتصادية الراهنة والمستقبلية التي سيواجهها الرئيس القادم؟
❊❊ شبايكي سعدان: إن التحديات الاقتصادية المستقبلية  بالنسبة للجزائر عديدة ويأتي في مقدمتها وبشكل عاجل ما يلي:
١ - تصاعد معدلات البطالة، وذلك بالنظر إلى عدة عوامل أبرزها:
التراجع الكبير في الاستثمارات المنتجة التي توفر مناصب الشغل.
ضعف نسيج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي أغلبها عبارة عن مؤسسات  فردية  أو عائلية.
ارتفاع عدد المتخرجين وخاصة الجامعيين سنويا بمعدلات تفوق معدلات امتصاصهم في ميادين التشغيل.
دخول ومعاناة أجهزة التشغيل وتخبط المؤسسات في دوامة البيروقراطية.
• النمو البطيء للاقتصاد وتسجيل معدلات دون المستوى المطلوب، والذي يفترض أنه يلبي الحاجيات الأساسية.
ارتفاع معدل البطالة يشكل بالفعل هاجسا كبيرا أمام أصحاب القرار في المرحلة القادمة، الشيء الذي يحتم التفكير أكثر من مرة في سبل استحداث ميكانيزمات لبعث الاستثمار الوطني المنتج لأنه الحل الوحيد والضامن الأساسي لتوفير المزيد من مناصب الشغل الدائم، وليس المؤقت أو شبه المؤقت الذي لا يعدو أن يكون تأجيلا لأزمات عديدة تحدث مستقبلا.
2 - الفساد وتدنّي مستوى الحوكمة
 تسبّبت الحوكمة غير الرشيدة المتمثلة أساسا في البيروقراطية التي تعشّش في الإدارة بتواطئ مع المال الفاسد في فقدان الإدارة والمجالس المنتخبة لمعناها،
وتدهور درجة ثقة المواطن في دولته وإدارته ممّا يحتّم مستقبلا إعطاء هذا الموضوع أيضا أولوية كبيرة عبر إيجاد سبل مشاركة حقيقية وشفافة للمواطن في اختيار ممثليه حتى تعود الثقة الغائبة التي هي أساس الاستقرار الحقيقي، ومن ثم التنمية الشاملة والمستدامة.
3 - اتّساع حجم الفجوة المعرفية والتقنية
لا نبالغ إذا قلنا إنّنا نأتي في ذيل ترتيب الأمم في ميدان المعرفة عموما، فصناعة الكتاب في بلادنا تحيط بها معوقات كبيرة وكثيرة، ناهيك عن الترجمة. أما اقتصاد المعرفة فإنّ الجزائر لا تزال خارج دائرة الاهتمام الجدي والجيد بموضوع تطويع التكنولوجيا، ومن ثم فإنّ المطلوب وضع الجامعات ومراكز البحث العديدة على سكة الابتكار، ودخول عالم اقتصاد المعرفة الذي هو مستقبل الأمم التي تريد أن تحتل موقع قدم في العالم الجديد
4 - تسارع وتيرة العولمة الاقتصادية  
ولأن العالم في تغير مستمر وفي بحث مستمر على التجديد في طرائق الإنتاج، وفي إيجاد موقع قدم في العلاقات الاقتصادية الدولية فإن الجزائر لا تزال تتعامل مع الأمر بأساليب تقليدية جدا وحري بالتالي بالمؤسسة الوطنية الاقتصادية أن تتعامل مع العالم مثلما هو، وتجد سبيلا للإسهام في ما يمكن لها الإسهام به وليس فعل ما يفعل  الآخرون بطرق بالية.
5 - تزايد مشكلات تدهور البيئة
تلوث البيئة في الجزائر بلغ معدلات خيالية بفعل الاعتداء اليومي والصارخ على البيئة بكافة الأشكال، ذلك أن انحسار نسبة الخضورة وانتشار الأمراض وانعدام النظافة والازدحام اليومي تجاوز المعدلات العادية بكثير مما أدى إلى انتشار الأمراض والقلق، وعدم التقيد بالمواعيد الرسمية وغير الرسمية، وأصبحت فوضى الأشياء هي السائدة وعليه فالاهتمام بالبيئة أمر لا محيص عن إعطائه أولية عاجلة.
6 - تصاعد معدلات التضخم وارتفاع الأسعار
ضعف آلة الإنتاج والإنفاق العمومي المفرط أحيانا كانا لهما التأثير المباشر على الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات بمعدلات فرضت تضخما دائما يعيق كل الجهود المبذولة أو المعلن عنها، ومن ثم فإنّ سياسة إنفاق عمومي رشيدة تفرض نفسها بإلحاح شديد تجنّبا للوقوع في مشكلات أخرى تمّت معالجتها قبل سنوات على غرار المديونية الخارجية، لكن التحذيرات المستمرة لخبراء صندوق النقد الدولي لا تزال تسير في اتجاه تنبيه الجزائر من الوقوع مجددا في فخ الاستدانة، وذلك إذا سارت على نفس النهج من الانفاق العمومي الذي بلغ معدلات قياسية.
 كيف تقيّمون أداء الاقتصاد الوطني؟ وفي اعتقادكم ما هي الأولوية التي يفترض أن يركّز عليها في المرحلة القادمة؟
 لا يزال أداء الاقتصاد الوطني ضعيفا، فمعدل النمو لم يتجاوز على أكثر تقدير 4 بالمائة و هومعدل ضعيف بالنسبة لإمكانيات الجزائر، ناهيك عن الاختلالات الأخرى التي يعاني منها الاقتصاد مثل البطالة والتضخم والإنفاق العمومي الذي يثقل كاهل الموازنة العمومية، ومن ثم فإن الأولوية يجب أن تعطى أولا لإعادة النظر في سياسة الإنفاق العمومي التي لا يمكن الاستغناء عنها، وإن كانت ضرورية فلتكن في الاستثمار المنتج أي لا يمكن توفير مناصب الشغل دون مقابل ثم اعتماد سياسة بعث جهاز الإنتاج وفق برنامج يعتمد الصرامة والتقييم المرحلي الدائم حتى تصحح الأخطاء في حينها.
في عملية استرجاع القاعدة الصناعية هل قاعدة 51/49 تعيق هذا المسار؟
❊❊ لا أعتقد أن هذه القاعدة تمثل عائقا أمام استرجاع القاعدة الصناعية لأن للجزائر تراكم معرفي مناجيري يمكن الإستناد إليه، ذلك أنه يكفي فقط أن تكون الدولة موجودة في المراحل الأولى لإعادة البعث الصناعي كمرافق مالي ومناجريالي وتأهيلي لكي تتموقع المؤسسات في النسيج الإنتاجي.
حماية المنتوج الوطني لا تزال تراوح مكانها في ظل عدم وضوح الآليات التي تؤدي إلى تحقيق هذا الهدف، بماذا تفسّرون هذه الوضعية؟
 ❊❊ ما دام لم تصدر قرارات ملزمة بمراقبة الواردات وإحاطتها بإجراءات ضريبية وإدارية عبر وضع خريطة صحيحة لما هو موجود وطنيا من مواد أولية ومواد نصف مصنعة، فإنّ الإنتاج الوطني يبقى مهدّدا بالإستيراد العشوائي غير المراقب وغير الضروري، والدولة مطالبة  بالتالي بإعطاء الأولوية للإنتاج الوطني في كل صفقاتها كإجراء أولى.
 كيف يمكن العمل من أجل عدم السقوط مجددا في أزمة الديون الخارجية في ظل ارتفاع وتيرة الانفاق العمومي التي لا يقابلها مردودا حقيقيا بالمفهوم الاقتصادي؟
❊❊ إنّ سياسة الإنفاق العمومي وأمام تزايد معدلات التضخم يمكن أن تؤدي إلى استهلاك المدخرات الوطنية والذهاب على المدى الطويل إلى الإستدانة، ولذلك فإنّ بعث الاستثمار العمومي الإنتاجي هو المخرج الوحيد لتجديد مصادر التمويل وتوسيع القاعدة الاقتصادية المولدة للثروة.
التركيز على توفير مناصب شغل في إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال الانفاق العمومي دون الأخذ بعين الاعتبار لخلق الثروة والقيمة المضافة، ألا يعدّ حلاّ ضرفيا وهروبا نحو الأمام عوض إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية المطروحة؟
❊❊ إنّ أخطر ما يقام به الآن هو خلق الوظائف الإدارية دون الإنتاجية التي جعلت مخصصات الأجور تلتهم أكثر من ثلثي موازنة أية مؤسسة عمومية، وذلك على حساب توسيع المؤسسات وتطويرها، وهذه السياسة ستؤدي على المدى الطويل إلى عجز الدولة على التفكل بالحاجيات الأساسية للمواطن، ولذلك بالعدول عن هذه السياسة أمر حتمي وحتمي جدا عبر ربط خلق الوظائف بخلق الثروة بجميع
  في عملية محاربة الفساد، كيف يمكن القضاء على هذه الآفة الخطيرة بالطرق الاقتصادية بعد أن جرّبت الحلول الإدارية والقضائية ولم تحد منها؟
❊❊إنّ من يقاوم الفساد هم المواطنون ممثلين في منتخبيهم على كافة المستويات أولا أي عبر سياسة شفافة يكون فيه هؤلاء المنتخبون مشاركون أساسيون في عملية التصرف في الأموال العمومية على كافة المستويات، وخاصة في مرحلة المراقبة كما يجب اعتماد سياسة توعية وطنية في كل فضاءات التكوين والتحسيس (المدارس المساجد الأحزاب خلايا التفكير و مراكز البحوث) لإيجاد و اقتراح مختلف التصورات حول مكافحة هذه الظاهرة وهو أمر ممكن على أية حال إذا توفرت الإرادة لدى جميع الأطراف المعنية بهذا الملف الحساس والمتعلق بهدر المال العام، فضلا على ضرورة إضفاء المزيد من الشفافية عند منح الصفقات العمومية.
أيّ سياسة اقتصادية يمكن الاعتماد عليها لمجابهة المشاكل الاقتصادية القديمة المتجددة، والتي لا تزال تراوح مكانها منذ عقود وأبرزها أنّنا في سنة 2014 كل شيء لا يزال يسير ويموّل وفق بورصة أسعار المحروقات في الأسواق العالمية، أما النمو خارج هذا القطاع فإنه يبقى بعيدا عن المستوى المطلوب؟
 ❊❊ دصحيح، النمو خارج المحروقات يكاد يكون منعدما ولذلك فإن تنويع الاقتصاد أمر ضروري، وفي حالة الجزائر فإنّ المدخل الأساسي يبدو في قطاع الصناعة لما يتوفر عليه من امكانيات هائلة غير مستغلة وتحتاج إلى عملية إقلاع حقيقي وتدخل قوي ولافت للسلطات العمومية، وذلك كمدخل معقول للبدء في التخلص من هذه التبعية التاريخية، وهو أمر ممكن بالنظر إلى ما هو متاح من حيث الخبرة
والمواد الأولية وسوق استهلاك كبيرة، هذه العوامل وغيرها قد توفر وتتيح عناصر أخرى لا تقل أهمية عن الأولى،
وتتمثل في الرفع من القدرة على التفاوض إلى جانب الموقع الجيواستراتيجي بين المشرق والمغرب، وبين أوروبا وإفريقيا التي يبدو أنها غير مستغلة على النحو الذي يسمح من الاستفادة من المزايا المتوفرة على غرار ما هو معمول به في العديد من الدول الأخرى.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024