يحدّد الدكتور أمحمد حميدوش في هذا الحوار أكبر التحديات التي تواجهها الجزائر في المرحلة القادمة، ويشخّص القواسم المشتركة ونقاط الاختلاف في برامج المترشّحين للرئاسيات المقرّرة في 17 أفريل، كما يقدّم تصوراته لمعالجة المسائل التي تمثل أهم التحديات القائمة أمام المجموعة الوطنية.حاوره: سعيد بن عياد
❊ الشعب الاقتصادي: بداية هل يمكن تحديد نقاط الاتفاق والاختلاف بين المترشّحين للرئاسيات حول المسائل الاقتصادية؟
❊❊ د ـ أمحمد حميدوش: فيما يخص نقاط التشابه في برامج المترشحين فقد تكلّم الجميع عن محاربة البيروقراطية، استئصال الرشوة والفساد مع ضرورة إدخال إصلاحات على منظومة مراقبة صرف المال العام. الأمر الثاني العمل للخروج من الاعتماد على ريع المحروقات، وأخيرا درجة التفتح أو الانطواء على قاعدة الشراكة 49 / 51 وبلوغ نسبة نمو تفوق النسبة الحالية التي تقدّر بـ 3,5٪ لتصبح حسب بعضهم في مستوى 7 ٪ كرهان في السنوات الخمس القادمة. أما نقاط الاختلاف فتتعلق بمساهمة القطاعات في النمو، فالبعض منهم يرى أنّ قطاع السياحة هو الذي يصنع النمو والبعض الآخر يرى دورا للقطاع الفلاحي، ومنهم من يميل للقطاع الصناعي ليقترح على أنه قد يساهم بنسبة حوالي 20 ٪ في الناتج المحلي الخام. ومن المترشّحين من يقلّص القطاع الصناعي إلى دور شعبة النسيج والجلود، معتبرا أنّها إحدى الحلول التي قد تنشئ مناصب شغل وقيمة مضافة.
❊ مهما كان تلوح في الأفق تحدّيات كبرى لا يمكن لأي كان تجاوزها أو إغفالها وتحمل تأثيرات مباشرة على الخيارات الحاسمة، كيف تتصوّرون المشهد المستقبلي؟
❊❊ التحديات الكبرى هناك من أشار عليها بشكل عابر، وهناك من توقف عندها محاولا تقديم حلول تخص كيفية الحفاظ على وتيرة الدخل بالعملة الصعبة سواء في إطار المحروقات وخارجها. في اعتقادي الذي أجاب على ذلك هو البرنامج الذي أشار إلى التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر، والولوج إلى مصادر الطاقة الغير التقليدية مع نظرة لكيفية استبدالها على المدى الطويل بالطاقات المتجددة. هذا كله ما يمثل التحدي الأكبر، أما الثاني فيخص كيفية استغلال المؤهلات التي توصلت إليها البلاد من خلال ما فرضته البرامج التنموية، سواء في القطاع الخاص أو العام، مثلا في القطاع الخاص شركات أثبتت قدراتها مثل شركة حداد في الأشغال العمومية وشركة كهركيب وكناغاز في القطاع العام. والرهان حاليا يتمثل في كيف يمكن مرافقة هذا الشركات الناشئة بالموارد المالية المحلية حتى تتحصل على صفقات في دول عربية أو إفريقية؟ علما أنّنا نتوجّه نحو مصير محتوم، مثل البرامج التنموية كانت موجّهة لتقليص العجز كالانقطاع في التيار الكهربائي في سنوات سابقة التي تتحول إلى فائض في الإنتاج مما يجب التفكير في تحويله إلى التصدير نحو دول مجاورة تعرف أزمة كهرباء خانقة مثل ليبيا ومصر. مثل هذه الشركات التي أشرنا إليها تملك قدرات الانجاز وبالتالي تجعل من الجزائر محورا اقتصاديا في شمال إفريقيا. والرهان الثالث يخص موقع الجزائر الجيواستراتيجي، فبوصول القطار إلى مناطق الجنوب ولاسيما مناطق أدرار، تنمراست وإيليزي يعني التوصل إلى امكانية تقليص كلفة نقل السلع والبضائع وتنقل الأشخاص ممّا يعطي مؤهلات الميزة التنافسية بالنظر إلى ما تتوفر عليه هذه المناطق من موارد طبيعية، بالأخص المياه التي لها دور في التنمية. هذا قد يجعل من الجنوب قطبا تجاريا عالميا، لأن دول الساحل والصحراء تعاني في علاقاتها فيما يخص التجارة الدولية، مثل شركة ‘’اريفا’’ الفرنسية في المجال النووي التي تعمل في النيجر تستورد لوحدها ما لا يقل عن 500 مليون دولار سنويا، وتستغرق مدة نقل السلع من ميناء مرسيليا إلى النيجر فترة لا تقل عن 75 يوما، وباستغلال مواقع الجزائر للنقل تصبح مدة نقل مثل هذه السلع عبر الجزائر في أقل من 5 أيام.
❊ لكن بالنسبة لضمان مثل هذا المسار الاستثماري بكل ما يتطلّبه من حشد للموارد يقتضي تفعيل وتيرة مكافحة الفساد من أجل بلوغ الأهداف المسطّرة؟
** الفساد أشار إليه كافة المترشّحين ولكن الحل لا يملكه الجميع، ونبدأ من تجربة حكومة بلخادم في 2005، التي تراجعت عن تطبيق المرسوم رقم 05-442 المؤرخ في 14 نوفمبر 2005 المطبّق للمادة 6 من قانون 05-01 المؤرخ في 6 فيفري 2005، المتضمن الوقاية ومحاربة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، بالنظر لأسباب موضوعية وغير موضوعية والذي بمقتضاه يفرض العمل بنظام الدفع بواسطة صك أو تحويل بنكي لكل مبلغ يفوق 50 ألف دينار. وتراجعت عنه أيضا حكومة أويحيى من خلال عدم تطبيق المرسوم رقم 010-181 المؤرخ في 13 جويلية 2010 لأسباب فرضتها احتجاجات ارتفاع أسعار السكر والزيت. بداية الحل برأيي تبدأ من هنا وتنتهي عند تنظيم منظومة الضرائب، لأنّ قلة الإمكانيات على مستوى مفتشيات الضرائب تجعلها عاجزة عن مراقبة الميزانيات التي تشير إلى الأرباح أو الخسائر السنوية التي تحققها الشركات، لاسيما لدى القطاع الخاص الذي تعود على التعامل والتداول بالنظام المسمى لدى العام والخاص ‘’الشكارة’’.
❊ ألا تتطلّب مثل هذه التحديات وغيرها ترقية الموارد البشرية والدفع بالكفاءات إلى الصّدارة في المنظومة الاقتصادية؟
❊❊ نعود إلى مثال الضرائب السابق، للتذكير بأنّ مفتشي الضرائب لهم تكوين موجه نحو تطبيق تقنيات خاصة بالضرائب والرسوم وحسابها والفهم الجيد للنصوص القانونية، لكن في الميدان يستقبلون سنويا خلال شهر أفريل الآلاف من ملفات الحصيلة المالية السنوية للشركات والمتعاملين، والتي تتطلّب معالجتها تكوينا في المحاسبة والنظام المالي الجديد. هذا ما يفتقر إليه هذا السلك الهام، والحل يكمن في التكوين المتواصل لتعويض النقص ودمج الترقية الوظيفية بمستوى التكوين المتواصل وليس باعتماد معيار التجربة و’’علاقات الثقة’’. أيضا يجب التكيف مع التقنيات الجديدة المستعملة والتي تتطلب تكنولوجيات الإعلام والاتصال مع الاحتكاك المستمر بالإدارات بالدول الأخرى لكسب الرهان ورفع التحدي، لأنّ غياب الكفاءة ولو لظرف أو فترة قصيرة يجعل الآخرين يسبقوننا. في نفس المجال نشير إلى أنّ كثيرا من الدوائر الوزارية تدير مشاريع كبرى تقدر بملايير الدولارات، مثل المسجد الجزائر الذي تقدّر تكلفته بحوالي 3 ملايير دولار، ما يعادل ميزانية أرمينيا أو البوسنة والهرسك، التي تتطلب التحكم فيها لاسيما في جانب ضبط آجال الانجاز، لأن الوقت بحدّ ذاته تكلفة وهذا ما يفرض على جل الإطارات المعنية بتسيير هذه الأصناف من المشاريع الضخمة حصولها بالضرورة على تكوين خاص بإدارة المشاريع وفقا لمعايير علمية. وتتوفر الجزائر على معاهد لضمان هذا النوع من التكوين مثل المعهد العالي للتسيير والتخطيط لبرج الكيفان أو المعهد الوطني للإنتاجية والتنمية الصناعية لبومرداس، وغيرهما من الجامعات والمعاهد الوطنية.
❊ بعيدا عن طبيعة الانتخابات ومن يفوز بها، شكّلت الحملة الانتخابية فرصة لإظهار نقاط القوة والضعف في المنظومة الاقتصادية، كيف ترون الأمر في المسار المستقبلي للبلاد؟
❊❊ الذي يهم المواطن ضمان المستقبل، وبالتالي سيرورة اقتصادية قادرة على فتح مناصب شغل دائمة بعيدة عن معالجة الأزمات وإدارة الأولويات، لأنّنا نتوجّه للقضاء عليها نهائيا مثل أزمة السكن والماء الخ. بالتالي ما يهم المجموعة الوطنية كيف نتوصل لتطوير الاستثمار؟ لأنّ كل استثمار يقدّر بـ 500 مليون سنتيم في قطاع الإنتاج و200 مليون سنتيم في قطاع الخدمات يؤدي إلى إنشاء منصب شغل واحد، وبالتالي الأهم كيف يمكن تحويل الدخل المدخر إلى استثمار ومنه إنشاء مناصب شغل؟ وهذا بالضرورة يقودنا إلى إعادة النظر في فعالية المنظومة المصرفية وأداء البنوك، لنعود إلى رهانات حقّقناها سابقا خلال فترة السبعينات حينما كان يوجّه 70٪ من الدخل الوطني إلى الاستثمار.