يتناول الدكتور الباحث الاقتصادي، غويني العربي، في الحوار الذي خص به جريدة “الشعب”، ظاهرة البطالة في الجزائر والطرق المعتمدة لمواجهتها من طرف الحكومة في إطار سياسات التشغيل، لاسيما عبر آليات وكالات دعم الشباب، وذلك في مساهمة منه لإثراء هذا الموضوع الذي كان ولا يزال يثير الكثير من الجدل حول اختيار أنجع السبل للتقليص من هذه الظاهرة انطلاقا من معايير النجاعة الاقتصادية والاستثمارات المنتجة.
❊ الشعب: كيف تقيّم سياسة التشغيل في الجزائر من خلال مختلف الآليات المعتمدة لتوفير المزيد من مناصب الشغل؟
❊❊ الدكتور غويني: المجهودات المبذولة من طرف السلطات العمومية من أجل مواجهة ظاهرة البطالة، لا ترافقها الدراسات والوقفات التقييمية من طرف مؤسسات وهيئات رسمية، وهذا ما يفسر نظرية مشهورة في دول العالم الثالث، أن الإدارات المحلية أو المركزية تركز على تنفيذ العمليات دون تقييم النتائج. وهذا بدوره ينعكس عن عدم قدرة السلطات العمومية على تحديد مدى نجاعة سياسات التشغيل المتبعة، وعليه سوف أحاول في هذه العجالة تقييم سياسات التشغيل في الجزائر في شكل خطوط عريضة:
تقييم سياسات تسيير التشغيل:
• تقييم إجراءات الوظائف المؤجرة بمبادرة محلية: تم تبني هذا النهج قبل أكثر من عشرين سنة واستمر إلى يومنا هذا، خاصة وأنه يعتبر الوسيلة الوحيدة لتشغيل الشباب في المناطق المحرومة بالدرجة الأولى.
النتيجة: بقاء الوظائف المنشأة في إطار هذا الإجراء تعاني اختلالا في توزيعها وفق القطاعات الاقتصادية، حيث تتركز أغلب هذه المناصب في قطاع الخدمات بنسب تتراوح بين 48% و95.2% بحسب وكالة التنمية الاجتماعية، كما أن الحجم الكمي للوظائف في هذا السياق، يخضع لمستوى التمويل في إطار الغلاف المالي الموجه لأجهزة التشغيل، مما يجعل هذه الوظائف تحت رحمة الأوضاع المالية التي تمر بها البلاد والتي أساسا مرتبطة بتقلبات أسعار النفط، ولحسن حظ الجزائر أنها تعرف منذ سنوات وفرة مالية غير مسبوقة سمحت لها بالإنفاق تقريبا دون حساب من أجل تنفيذ سياسات تمويل المشاريع الاستثمارية في إطار مختلف الوكالات المستحدثة لهذا الغرض.
• تقييم إجراءات التعاونيات الفردية والجماعية: امتازت هذه الإجراءات بنوع من السهولة الإدارية وتنوع الإعانات والإعفاءات الضريبية.
النتيجة: بحسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي، فإن نسبة 58% من هذه التعاونيات قد توقفت نهائيا، أما النسبة الباقية فإنها تعاني وضعية مالية صعبة خاصة تجاه تسديد ديونها.
• تقييم إجراءات الإدماج المهني والتكوين : تم إنشاءه لمرافقة الشباب.
النتيجة: لقي هذا الإجراء عدم التعامل معه باعتباره ينتج عمال إدماج مهنيين، وبالتالي فالعديد من الشباب بحسب المجلس الاقتصادي والاجتماعي لم يستفد من الوسائل الضرورية المناسبة والكافية.
• تقييم برنامج الأنشطة ذات المنفعة العامة واليد العاملة الكثيفة: ساهم في خلق العديد من مناصب شغل، حيث تم في السنوات القليلة الماضية إدماج 176976 منصب في إطار الإدماج الشهري و14743 منصب في إطار الإدماج السنوي بمخصصات مالية إجمالية قدرت بـ6067020000 دج بحسب إحصائيات الديوان الوطني للإحصائيات.
النتيجة: عرف هذا البرنامج جملة من النقائص من بينها:
• عدم تشجيع البلديات على الاشتراك في اختيار قطاعات المشاريع المؤثرة في الحياة اليومية للمواطن.
• التعقيدات الإدارية في تمويل ورشات هذا الجهاز من مندوب التشغيل إلى البنك.
• اقتصار هذا البرنامج فقط على المستوى المحلي دون توسيعه ليكون جهويا أو وطنيا.
• المساهمة الضعيفة في ترقية القطاع الخاص، لاسيما المقاولة والمؤسسات المصغرة.
❊ تراجع مستوى البطالة إلى حدود 9,8 من المائة في سنة 2013، لكنها لاتزال مرتفعة في صفوف حاملي الشهادات الجامعية، كيف تفسر ذلك وما هي الحلول المقترحة برأيك؟
❊❊ تقييم برنامج عقود ما قبل التشغيل وإدماج حاملي الشهادات، تم تبني هذا الأسلوب بعد الارتفاع الحاد في نسب البطالة في وسط خريجي الجامعات، حيث أصبحت الجامعة الجزائرية تبحث عن الكمّ بدل النوعية ومن ثم بلغت مناصب الشغل المنشأة في إطار هذا البرنامج إلى غاية 2011 وفق وكالة التنمية الاجتماعية 410754 منصب شغل لتنتقل إلى حوالي 800 ألف في أحدث إحصائيات رسمية.
النتيجة: عرف هذا البرنامج كذلك، وفي اعتقادي، جملة من النقائص من بينها:
• عدم وجود معايير واضحة لتشغيل الجامعيين مثل التخصص وسنة التخرج مما ترك ثغرة ليست بالهيّنة أثرت على التوزيع العادل لهذا الفئة.
• تعرض هذه الفئة إلى الضغوطات والتهديد بالطرد وعدم الاستفادة من الإدماج بصفة دائمة.
• ارتفاع معدلات البطالة المقنعة في هذا النوع من التشغيل مما يؤدي إلى عدم اكتساب الخبرة والمهارة، الأمر الذي انعكس سلبا على المردودية والنوعية بطبيعة الحال.
• ضعف الرواتب الممنوحة للمستفيدين والتي لا تتلاءم في كثير من الأحيان مع أصحاب الشهادات الجامعية.
• تداخل الصلاحيات بين أكثر من هيئة رسمية لتسجيل طالبي العمل لهذه الفئة، مما أدى إلى خلق نوع من الفوضى في استفادتهم من فرص العمل.
• ضعف نسب التثبيت في القطاعات الاقتصادية بالمقارنة مع عدد المسجلين والراغبين في العمل.
• التمركز الكبير للمستفيدين من مناصب شغل في إطار هذا البرنامج في الإدارة على حساب القطاعات الأخرى.
• عدم المراقبة والمتابعة مما ينجر عنه تواطؤ بين حاملي الشهادات الجامعية وبعض الخواص على تسجيل أنفسهم على أنهم مشتغلون وبالتالي تتحمل خزينة الدولة الأعباء على الرغم من عدم ممارسة أي عمل من طرف المستفيدين.
• الحلول المقترحة:
• على الجهات المعنية بسياسات التشغيل وضع برامج أكثر واقعية تأخذ بعين الاعتبار ليس فقط البعد الاجتماعي وإنما أيضا الطابع الاقتصادي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالجامعيين، وتشمل جميع أنحاء الوطن.
• على الدولة اعتماد المنهج البراغماتي الذي يضمن صيرورة الاقتصاد بكفاءة عالية، ولا يتحقق هذا المنهج إلا من خلال تزاوج رسمي واقعي بين قوى الطلب والعرض الخاصة بمخرجات الجامعة.
• توفير قاعدة دقيقة للبيانات والإحصاءات تتضمن كل المعطيات حول سوق العمل وكذا مخرجات الجامعة.
• تطبيق أسلوب المقاربة المرجعية في إدارتنا ومؤسساتنا، وجعل جوائز تحفيزية لكل من يحقق نتائج إيجابية في مجال تخصصه.
• تشكيل لجان وطنية استشارية للتشغيل تكون قريبة من انشغالات الجامعيين، ومن الهيئات المسئولة عن التشغيل.
• خلق توافق بين مخرجات التكوين (الجامعة - التكوين المهني) واحتياجات الواقع الاقتصادي في جميع القطاعات.
❊ طريقة احتساب معدل البطالة قد لا يعبر عن المستوى الحقيقي لهذه الظاهرة، ألا تعتقد أنه آن الأوان لاعتماد آليات أخرى أكثرا تعبيرا عن واقع البطالة من أجل إيجاد الحلول الناجعة في عملية توفير مناصب الشغل؟
❊❊ إنّ النسب المعلن عنها والمتعلقة بالبطالة لا تعبّر في واقع الأمر عن المستوى الحقيقي للبطالة؛ ذلك لأنه جرت العادة تقديم إحصائيات لا تعكس حقيقة الواقع، فلو ضربنا مثالا فيما يتعلق بكل من الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب أو الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار، لوجدنا أن المستثمرين عند إيداعهم الملفات حول الدراسات والبطاقات الفنية لدى المصالح المعنية، يلجأون إلى تضخيم عدد المناصب التي يحتاجونها، لكن عندما يحصلون على قرارات الاستثمار (التي تحتوي على المزايا الجبائية وشبه الجبائية) نجدهم لا يتعهدون بما صرحوا به. وانطلاقا من هذا، فإن هذه الإحصائيات المقدمة من هذه الوكالات لا تعبّر عن حقيقة البطالة في الجزائر وتحتاج إلى إعادة النظر والتقييم من أجل احتساب حقيقي وواقعي لمعدلات البطالة ومن ثم توفير الأعداد المناسبة لمناصب الشغل، خاصة وأن الوافدين على سوق العمل يتزايدون سنويا.
❊ تطرح حاليا، وبإلحاح، مشكلة عقود ما قبل التشغيل المعني بها أكثر من 800 ألف عامل، هل تعتقد أن الحل الحالي المطروح من طرف الحكومة في إدماج ما لا يقل عن 140 ألف منهم يعد الأمثل، أم أنه لا يأخذ بعين الاعتبار الجوانب الأخرى ولاسيما الاقتصادية؟
•❊❊ في اعتقادي وتقديري، أن عملية إدماج أصحاب عقود ما قبل التشغيل أو حتى إعادة النظر في المادة 87 مكرر ّ، لابد أن لا ينظر إليها من هذه الزاوية أو تعالج بهذه الطريقة، لأنه لو أجبنا اقتصاديا أو مالياً نقول، يمكن لخزينة الدولة أن تتحمل عبء هذا الإدماج أو هذه الزيادة، لكن شرط أن تحافظ أسعار البترول على الارتفاع، وهذا الأمر في الحقيقة لا تتحكم فيه الجزائر ولا الدول المصدرة للنفط، بل تسيّره العوامل الجيوسياسية المرتبطة بالتطورات الدولية. لكن إذا فكرنا وخططنا لإحداث إقلاع اقتصادي يمس قطاعات حيوية، على غرار الصناعة والفلاحة والسياحة، ونستغل الوفرة المالية الحالية في النهوض بهذه القطاعات، نستطيع عندئذ أن نقول إن ميزانية الدولة تستطيع أن تتحمل عملية الإدماج أو الزيادة، وذلك انطلاقا من تنويع مصادر إيرادات الدولة.
أما إذا بقي الحال على ما هو عليه حاليا، نقول إن هذا الإجراء له أبعاد سياسية أكثر منها اقتصادية وأنه في نهاية المطاف لن يتحقق الهدف الأساسي من سياسات التشغيل التي يفترض أن توضع انطلاقا من قواعد وأسس المردودية التي لن تأتي إلا من الاستثمارات المنتجة وحدها الكفيلة بخلق الثروة وبتوفير مناصب الشغل بالأعداد الملائمة والمطلوبة.