حددت الوثيقة الصادرة عن اجتماع الثلاثية بدقة الإطار العام لعمل كل من الحكومة والاتحاد العام وأرباب العمل، من أجل تفعيل العقد الاقتصادي والاجتماعي للنمو على مدار الخمس سنوات القادمة.
ولم يتوقف الأمر عند تشخيص سيرورة الأداء الاقتصادي وإبراز المعالم القوية والمؤشرات المتينة التي تطبع الحركية الراهنة في هذا المجال، بل تم إدراج آليات جديدة، يكون كل طرف مسؤولاً عنها، عند الذهاب إلى سقف التقييم الدوري المعلن عنه. وأول ما تم الوقوف عنده هو إنشاء لجنة متابعة، التي مطلوب منها أن تعد تقريرا سنويا، يتضمن إشارة إلى مدى تجسيد كل الالتزامات في الواقع، كما تعرض اللجنة تقريرها كل ثلاثي للاطلاع على الإجراءات المتخذة في هذا الشأن.
وارتقت الثلاثية إلى مستوى آخر في طرحها لهذا العقد، وهذا بإبقائه مفتوحا لكل الأطراف المعنية. هذه الترتيبات جاءت لتسهيل التفكير حقا في التكفل الملموس بالاقتصاد الجزائري، ووضعه تحت المجهر دون تدخل في صلاحيات البعض، كل ما في الأمر الحرص على تنافسية المؤسسة الجزائرية، والدليل على ذلك هو تدعيم هذه اللجنة بخبراء بإمكانهم تقديم إضافة عملية عند الحاجة.. وهذا في حد ذاته يترجم رؤية جدية في استحداث التكامل بين كل الفاعلين، حفاظا على هذا التوجه.. والأكثر من ذلك تدعيم الخيارات التنموية في البلاد وتحقيق المزيد من الخطوات الأخرى المرجوة من كل المتدخلين في الدورة الاقتصادية بالشكل المراد أن يكون دائما في ذلك المستوى المطلوب، ألا وهو الاستقرار في نشاط المؤسسة الجزائرية، وهي نقطة قوة هذه الثلاثية. فبالرغم من كثرة الملفات المدروسة، إلا أنها تصبّ في قالب واحد ألا وهو النهوض بالمؤسسة، سواء أكانت في القطاع العام أو الخاص، وما يؤكد على ذلك توسيع الصندوق الوطني للاستثمار إلى المؤسسة الخاصة كي تستفيد من خدماته، بما يتماشى مع تلك النظرة الجديدة الرامية إلى إزالة الحواجز ما بين ما هو عام وخاص، بل هناك قتصاد وطني، لا فرق بين المتعاملين الجزائريين، شريطة التشمير على السواعد، ولا ينظر باتجاه البنوك فقط على أنها “بقرة حلوب” أو شعار هؤلاء “هل من مزيد”، هذا منطق تجاوزه الزمن وعشناه بمرارة خلال تسعينيات القرن الماضي، عندما كان الخواص يطالبون بالقروض فقط، دون المساهمة في مسعى معين، يظهر مدى قدرتهم على مواجهة التحديات.
اليوم ومن خلال الثلاثية، أدرجوا فضاء جديداً، ألا وهو مرافقة السلطات العمومية في مسعاها الراهن باقتحام العقد الاقتصادي والاجتماعي للنمو. وهذا هو مغزى أبعاد الحوار الاجتماعي، الذي يسعى إلى تفادي السقوط في كل ما هو مطلبي فقط. وإنما فتح أفق واعد أمام الشركاء في أن يكونوا طرفا فاعلا في صياغة العناوين الكبرى في كل ما هو اقتصادي. ولا شك أن آليات تطبيق العقد الاقتصادي والاجتماعي للنمو عن طريق لجنة متابعة، يعد محكا حقيقيا لكل الأطراف في إبراز كفاءاتها في التسيير أولا، ونواياها في حماية الاقتصاد الوطني ثانيا.
ويسجل أو يلاحظ هذه المرة، أن العقد الاقتصادي والاجتماعي للنمو أعطى في صفحاته الخمسين قراءة للسياقات الداخلية والخارجية من زاوية اقتصادية، واضعا الجميع أمام التحديات الراهنة، منها الذهاب إلى الخيارات الصعبة التي تمتحن كل واحد في خضم هذه التحولات، والتغييرات في العلاقات الاقتصادية الدولية.
وفي غضون الأيام القادمة ستدخل كل هذه الآليات حيز التطبيق وهذا بإعلان تركيبة لجنة المتابعة، وإعداد نظام تسييرها الداخلي، لأن المسألة ليست بسيطة، كما يعتقد البعض، وإنما استخلاص العبر من “عقد ٢٠٠٦” بعد كل هذه السنوات يتطلب تغييرا في أساليب العمل، لأن التقييم يكون فصليا هذه المرة، لمعرفة ما أنجز من تقارير حول هذا العقد الخاص بالنمو، وهذا بالتعامل المباشر مع بنك الجزائر فيما يتعلق بالمؤشرات والوضعية المالية للبلاد والديوان الوطني للإحصاء، والمجمّعات، وكذلك الجهات المسؤولة عن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والوكالة الوطنية للاستثمار، والاستماع للخبراء والمختصين لإعطاء صورة متكاملة عن الاقتصاد الجزائري.. تكون بمثابة المرجعية للجميع.