يثير مشروع تعديل قانون المحروقات جدلا لا يمكن أن يوضح جوانبه سوى الخبراء من مختلف المدارس بحيث يمكن عن طريق توسيع النقاش الهادئ الذي يرتكز على مؤشرات ومعطيات ورؤى موضوعية ان يفضي الى تبديد كل ما يصنف في خانة الشكوك والغموض.
الخبير الطاقوي توفيق حسني واحد من الخبراء الذين يسلطون الضوء باستمرار ووفقا لبيداغوجية تقف على مسافة واحدة من الطروحات المختلفة والمواقف المتضاربة في الساحة، يوضح انه «يدافع عن فكرة انه ليس مواتيا تناول هذا القانون، وإنما المطلوب في البداية التعريف بدقة لمفهوم المزيج الطاقوي»، مشيرا الى «ضرورة صياغة نموذج للاستهلاك الطاقوي يسمح بتحديد أفضل أنماط المزيج الطاقوي عن طريق تمحيص وفرز معمق لكافة البدائل، من محروقات باطنية، طاقة متجددة، نووية إلى غيرها من مصادر الطاقة المتاحة».
وبشأن معايير التقييم لتحدي الخيار الناجع، أوضح الخبير توفيق حسني لـ «الشعب» أنها «تتمثل في دراسة الجوانب المتعلقة بالكلفة، الأمن الطاقوي، احترام التزامات المؤتمر الدولي لمناخ كوب 21، الاستقلال الطاقوي، الاندماج الصناعي والإمكانيات الموجهة للتصدير». وفي تحليله يوضح آن «المزيج الطاقوي الجزائري يتشكل حاليا من الغاز بسبة 79 بالمائة، المواد البترولية بنسبة 19.5 بالمائة وغاز البروبان المميع بنسبة 1.5 بالمائة»، مضيفا أن المزيج الطاقوي في الجزائر آفاق 2050 يجب أن يكون مشكلا من طاقة متجددة (شمسية) بنسبة 65 بالمائة والغاز بنسبة 25 بالمائة». وحسبه فان تقييم إمكانات الطاقات الأولية يعطي 40000 مليون طن نفط مكافئ في السنة، يتوزع بين البترول بحجم 50 مليون طن نفط مكافئ في السنة والغاز بحجم 90 مليون نفط مكافئ في السنة.
الملاحظ من خلال هذه المعطيات أن «الطاقة الشمسية تتوفر على امكانات خارقة لها القدرة على تلبية احتياجات إفريقيا، المغرب وأوروبا. ويكون الغاز عامل يضمن الانتقال الطاقوي لفائدة الأجيال، ووفقا لهذا التوجه يتوقع الخبير بلوغ تغطية شاملة مائة بالمائة بالطاقة الشمسية آفاق 2100 وفي نفس الوقت يمكن محو كافة إجراءات التأخير والتردد». لذلك يستطرد قائلا «لا يمكن فهم التعطيل (أي العرقلة) إلا إذا تم فهم جانب لفائدة من يصب هذا التعطيل»، وقدم جوابه حول التساؤل « أن المستفيد من ذلك اللوبي البترولي الدولي مع «أتباعه» في الجزائر، ذلك أن هذا اللّوبي يضع 200 مليار دولار في السنة بحسب انيجري انتلجنسي».
وفي حالة الحسم في المزيج الطاقوي فقط يمكن تحديد وزن البترول والغاز ضمن معادلة امن البلاد والإستراتيجية الطاقوية، وأشار محدثنا إلى أن الرؤية المتبناة من طرف الفاعلين الحاليين تقتصر على الكهرباء التي لا تمثل سوى 20 بالمائة من الاستهلاك الطاقوي للبلاد والباقي يتمثل في الحرارة. ويمكن بعد ذلك معرفة كيفية إقامة التوازن المطلوب في مجال تخصيص الموارد المالية لمجمل القطاعات ذات الأولوية، وعليه يوضح الخبير «كل قرار يتعلق بأمن البلاد على المدى البعيد يجب أن يكون محور نقاش جاد وواسع إلى أقصى درجة ممكنة بين الخبراء الجزائريين فقط والسلطات المعنية»، وبرأيه فإن «الأجيال المستقبلية أعارت لنا موارد يجب أن نستعملها بحكمة واحترام للبيئة».
بحسب الخبير «فإن قرار بهذا الثقل في قطاع المحروقات لن يكون له أثر إلاّ في حدود 5 إلى 10 سنوات القادمة، وبالتالي من المفيد عدم تناوله في الظرف الراهن، ولذلك ليس من المجدي تضييع الوقت وإنما الاستعداد لمواجهة التحديات الكبرى التي تنتظرنا وهذا كما أكد عليه بدءا من السنة المقبلة، موضحا انه «إذا تم تنفيذ الإستراتيجية التي تتمخض عن نموذج الاستهلاك الطاقوي ضمن مسار للتحول الطاقوي مع توفير للكهرباء بـ 8 دنانير للكيلواط ساعة سوف يسمح باسترجاع 10 ملايير دولار موجهة للدعم». ومن شأن هذا التوجه أن يسمح بنقل استهلاك 30 مليار متر مكعب من الغاز في السنة لحساب الشركة الوطنية للمحروقات سوناطراك.
أشار حسني إلى أن برنامج تطوير مشاريع الطاقة الشمسية لفائدة بلدان المغرب وأوروبا والقادمة من الجزائر يوجد في طور الدراسة في إطار المفاوضات 5+5 من اجل توازن المبادلات بين الاتحاد الأوروبي والجزائر وهو ما يسمح بإيرادات تصل في النهاية إلى 30 مليار دولار في السنة، غير انه أثار عامل الزمن الذي يعتبر عنصرا حاسما، منبها إلى أن الأزمة التي تلوح في الأفق سوف تهدد كل التنمية في العالم، ذلك أن مشكلة التنمية تتعلق بالتمويل، في وقت تجند فيه المحروقات كافة الموارد المالية. وبهذا الخصوص أي التمويل فإن الطاقات المتجددة والتنمية المستدامة فقط من تثير الاهتمام من خلال تمويلات يتم استقطابها من طرف هياكل عن طريق صيغة تمويل المشاريع بدون اللجوء إلى استدانة الدولة بنسب فائدة صفر تقريبا.
في تشخيصه للمشهد الاقتصادي الشامل فإن الإصلاحات التي يأمل فيها المستثمرون تتجاوز بكثير تعديل القاعدة 51/49، فمثلا قطاع الطاقات المتجددة يطلب تحرير الاستثمار وفقا لأحكام الدستور، بحيث تعود الدولة إلى دورها في ممارسة الضبط والمراقبة، والحكومة إلى تنفيذ برنامج الرئيس ولا تتدخل في تسيير المؤسسات، التي يجب أن تنخرط بدورها ضمن القوانين التي يحدها القانون التجاري، بينما مهام المراقبة التي تمارسها وكالات الدولة لا يجب أن تتبع الجهاز التنفيذي، وأخيرا، كما أضاف يجب تحسين أكثر لمناخ الاستثمار.
في نظر الخبير يبقى التمويل العائق الرئيسي، في غياب سوق البورصة، بينما يواصل الدينار تقهقره، وان كان كما أضاف يتم تسيير السيولة بشكل جيد، ويبقى الأفضل تشكيل منطقة حرة تدمج كل القطاعات مرتكزة على الطاقة والمناجم التي تساعد على تجنيد الموارد المالية.