التشخيص وتهيئة المحيط بدائل حقيقية
مازالت السوق الموازية تستحوذ على حصة كبيرة من الأموال، وتستوعب فوق كل ذلك ما لا يقل عن 6 ملايين عامل ينشطون من دون حماية اجتماعية وغير مصرح بهم لدى مصالح الضمان الاجتماعي، ما يعادل نسبة 43 ٪، أي يشكل نسبة 30 ٪ من الناتج الداخلي الخام، ولعلّ الترسانة القانونية وحدها لا يمكنها أن تصحح كل هذه الاختلالات، وتمحو الظاهرة التي تؤثر كثيرا على الاقتصاد الوطني، وتعصف فوق كل ذلك بإيرادات الصندوق الوطني للتقاعد، لذا يمكن اللجوء إلى عدة عوامل أخرى، نذكر من بينها عاملي التحسيس والتحفيز ويمثل 30٪ من الناتج الداخلي الخام.
بالفعل إن التحقيق الدقيق ضروري للبحث عن حلول تفضي إلى التخفيف من الظاهرة، التي تؤثر كثيرا على وتيرة النمو، لكنه غير كافي لاحتواء النشاط الموازي وحتى العامل الردعي، لن يقضي وحده على ظاهرة الأموال التي توجد خارج البنوك أوظاهرة الأيادي العاملة التي تنشط خارج نظام الحماية الاجتماعية، لكن جميع المبادرات ومختلف الحلول التي تصّب في إطار امتصاص الظاهرة والحد من رقعة اتساعها مهمة، في وقت يتطلع فيه الاقتصاد الوطني لإقلاع قوي وسريع، مستغلا مختلف الثروات الباطنية والطبيعية والموارد المالية والبشرية. ويذكر أنه من المبادرات النموذجية التي أطلقها مركز البحث في الاقتصاد التطبيقي من أجل التنمية «كرياد» من ولاية تلمسان، وينتظر أن تعمم مستقبلا على ولايات أخرى أول تحقيق ميداني حول الاقتصاد الموازي، الذي ينتظر أن يكون جاهز قبل نهاية عام 2019، ولعل التحقيق قادر على تشريح أسباب انتشار الظاهرة، التي أكيد أنها تتغذى من نسب البطالة أي بدأت بالانتشار في عقد التسعينات، عندما تم تسريح عدد كبير من العمال وغلقت مؤسسات اقتصادية كانت قادرة على الصمود وتصحيح اختلالاتها، بل أن تفشي البطالة يجعل من الظاهرة تتسع بشكل خطير.
بالنظر إلى تغيير الكثير من معطيات فترة التسعينات، فإن البطالة والعمل الموازي ينتشران اكثر وسط الفئة الحاملة للشهادات الجامعية، على خلفية ارتفاع نسبة الحاصلين على شهادات، والجامعات والمعاهد تقدم سنويا لسوق العمل 300ألف حامل للشهادة، لذا ارتفعت نسبة البطالة لدى فئة الإناث إلى 20 بالمائة ، في الفترة الممتدة ما بين عام 2014 و2018، على خلفية أن نسبة الإناث تنجح أكثر في شهادة البكالوريا، ومن المؤشرات المسجلة حول النشاط الموازي على قلتها، وكشف عنها «كرياد» أن نسبة 91 ٪ من المؤسسات التي تشغل أقل من 5عمال تنشط في السوق الموازي، في وقت مازال الخبراء يعترفون بوجود عراقيل عديدة، تمنع إدماج الاقتصاد الموازي في الرسمي، ومن المقترحات المرفوعة تسطير سياسات وإطلاق آليات تخضع للرقابة والتقييم والمتابعة في تصحيح كل من ينشط تحت الرقابة ويتدفق خارج دائرة البنوك، ولعل التحقيقات التي يجب أن ترفق بالتشخيص والدراسة المعمقة، من شأنها وحدها على طرح الحلول التلقائية، وبعد ذلك تكون خطوة تهيئة المحيط، واستبدال مجال اليد العاملة بشكل رسمي ببدائل حقيقية تسمح لها بالتكوين والتأهيل وبالتالي الاندماج بسهولة وبسرعة.