مثلت قرارات التأميم التاريخية لقطاع المحروقات في 24 فيفري 1971، إرادة قوية للجزائر لاستكمال استرجاع السيادة الوطنية بعد تسع سنوات عن نيل الاستقلال في واحدة من أهم الضربات الموجعة للاقتصاد الفرنسي الذي كان يتغذى ويمول من إيرادات المحروقات الجزائرية، ولم يكن يتوقع أن تلجأ الجزائر الفتية إلى وضع حد لهذا الاستغلال البشع للثروات الباطنية منذ أن تم اكتشافها في الأربعينات من القرن الماضي.
تأميم الثروات الطبيعية من النفط والغاز الذي كان يمثل حدثا وطنيا، ولكن بأبعاد دولية ساهم إلى حد كبير في إعادة تحريك دواليب الاقتصاد الوطني ككل كما لعب دورا أساسيا في الحفاظ على التماسك الاجتماعي من خلال الاستنجاد به في كل مرة لتمويل كل ما يتعلق بالجوانب الاجتماعية وغيرها فبفضل إيراداته وضعت مختلف المخططات التنموية، وبفضله أيضا تم تأسيس لقاعدة صناعية متينة بنيت على أساس الصناعات الثقيلة التي كانت ترمي إلى استغلال الموارد المتأتية من المحروقات لبناء اقتصاد قوي لا يتأثر بتقلبات الأسواق الخارجية ولا ينهار كلما انهارت الأسعار.
طيلة الـ 43 سنة الماضية كان قطاع المحروقات ولا يزال يمثل المورد المالي الوحيد المعتمد عليه في تمويل المشاريع الاستثمارية فى شتى القطاعات وكلما زادت إيراداته ارتفعت وتيرة تمويل الاقتصاد والعكس صحيحا فعندما تتراجع الموارد يدخل الاقتصاد في الدائرة المظلمة، مثلما حدث في الثمانيات والتسعينيات من القرن الماضي، ما أدى إلى إعلان حالة الافلاس بعد ارتفاع المديونية الخارجية إلى مستويات قياسية، وتشاء الصدف أنه بفضل نفس موارد النفط التي عرفت ارتفاعات قياسية في منتصف العشرية الماضية وبفضل الحكمة التي تحلى بها القائمون على الاقتصاد أنذاك تمّ توجيه جزء من موارد المحروقات لتسديد الديون المستحقة على الجزائر في آجالها وغير ذلك، أي التسديد المسبق للمديونية الخارجية، الأمر الذي ساهم إلى حد كبير في تحسين صورة الجزائر على المستوى الخارجي من حيث الصلابة المالية، وأهلها لأن تساهم من جهة أخرى في تغذية أرصدة صندوق النقد الدولي من خلال القرض الممنوح له والمقدر بـ 5 مليار دولار لمواجهة أزمة الديون السيادية للكثير من الدول الأوربية قبل سنوات قليلة مضت.
هذه الإنجازات التي لا يمكن إنكارها لا شك أنها لا تزال مستمدة من روح وآثار قرارات التأميم التي سمحت من جهة أخرى، بإنشاء صندوق ضبط الموارد لضمان تمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى دون انقطاع حتى لو حدث تذبذب في الأسعار، فضلا على تلبية الطلب المتزايد على الطاقة بمختلف أنواعها محليا وخارجيا المساهمة في تزويد أسواق النفط العالمية بالكميات المطلوبة والمتضمنة في حصة الجزائر داخل منظمة أوبك المقدرة بـ 1,2 مليون برميل في اليوم.
غير أنه ولأسباب عديدة تراجع إنتاج المحروقات منذ سنة 2006، بصفة مستمرة ليسجل العام 2013، انخفاضا بنسبة 4 في المائة مقارنة بـ 2012، وذلك للسنة السابعة على التوالي، الأمر الذي يعتبر تحديا ليس بالهين تواجهه السلطات المعنية من أجل إعادة ضبط منحى الإنتاج نحو التصاعد، ولكن أيضا من أجل تدارك التراجع المسجل في حصة الجزائر في منظمة أوبك التي تراجعت إلى مليون ب/ي. و لتدارك هذا النقص فإن خبراء في قطاع المحروقات على غرار الباحث الجامعي والخبير الدولي حميدوش يرى أنه لا بد من استكشاف وحفر ما لا يقل عن 150 بئر سنويا، بينما يبدي وزير الطاقة تفاؤله بشأن تطور القطاع على المديين المتوسط والطويل معتقدا في أحدث تصريح له، أن القطاع عرف السنة الماضية تحقيق نتائج جيدة و التراجع المسجل في الإنتاج مرده الاعتداء الذي تعرض له موقع تيقنتورين في جانفي 2013، حسب المدير العام لسوناطراك زرقين على الرغم من أن الإنتاج بدأ في التراجع بعد منتصف العشرية الماضية.
الحصيلة السنوية للمحروقات و بأرقامها الرسمية تشير إلى حفر 95 بئر جديد منها 85 بئر قامت بحفره مؤسسات وطنية وبحسب البرنامج المسطر على المدى القصير جدا، فإن هذا الرقم سيقفز إلى ما بين 130 إلى 150 بئر في السنتين الحالية والقادمة وستمس الاستكشافات كل مناطق الوطن مع قرب دخول الوحدة الثالثة حيز التشغيل في القريب العاجل.
وفيما يبدو، فإن التفاؤل في تطوير إنتاج المحروقات وفق البرنامج الطموح من طرف القائمين على القطاع للرفع من نسبة إنتاج البترول والمكثفات في الحقول المستغلة حاليا أو تلك التي ستدخل حيز التشغيل في المستقبل القريب، هذا التفاؤل لا يقتصر على هؤلاء فحسب وإنما على أطراف خارجية و هيئات أجنبية متخصصة في التحليل والاستشراف الاقتصادي وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية التي تتوقع ارتفاع إنتاج المحروقات في الجزائر إلى مستوى قد يتجاوز 2 مليون برميل في اليوم في الثلاث سنوات القادمة، وذلك بالنظر إلى المشاريع العديدة المسطرة وخاصة في حوض بركين أو تلك التي دخلت حيز التشغيل على غرار مشروع المرك بالشراكة مع شركة أناداركو بإنتاج أولي يقدر بـ 12 ألف برميل في اليوم على أن تقفز الكمية إلى 130 ألف ب/ي وذلك بصفة تدريجية.
من جهة أخرى، فإن الزيادات المتوقعة في إنتاج الغاز الطبيعي في السنوات القادمة من خلال المشاريع الغازية العديدة في كل من بركين وإليزي وحاسي الرمل وعين صالح من شأنها أن تؤدي إلى رفع القدرة الإنتاجية للجزائر وبالتالي استرجاع مكانتها السابقة وأكثر، خاصة في إنتاج الغاز على المديين المتوسط والطويل من حيث التكرير وتمييع الغاز والبتروكيمياء في العديد من الحقول الغازية كسكيكدة وأرزيو لضمان تنويع الصادرات من الغاز الطبيعي، إلى جانب البتروكيمياء التي يعوّل عليهما كأحد أهم الأدوات الفاعلة لتحريك آلة الإنتاج الوطنية.
استرجاع ذكرى التأميم كحدث، يبقى الأبرز بعد استرجاع السيادة الوطنية ينبغي أن ينظر إليه على أنه ليس فقط مصدر استلهام للأجيال المتعاقبة وإنما أيضا مصدر فخر واعتزاز بعزم ذلك الجيل من الرجال على التحدي مجددا لتحقيق الانتصار، ولكن هذه المرة في المعركة الكبرى وهي التنمية الشاملة ويفترض أنه بنفس العزم والإرادة بالإمكان تدارك كل النقائص وتجاوز كل الأخطاء المرتكبة في حق القطاع وخاصة بقاءه في حالة من التراجع المستمر دون أن يحرك القائمون عليه في تلك الحقبة ساكنا من أجل وضع حد لهذا التراجع بعد أن بات ينعكس مباشرة على وضعية ميزان المدفوعات والميزان التجاري والتهام كل الفوائض المالية.
الذكرى الـ 43 لتأميم المحروقات
إنجــازات تحقــّقت
سلوى روابحية
شوهد:1212 مرة