التحليل الاسبوعي

«عقد النمو» التحدي المستقبلي

جمال أوكيلي

عشية إحياء الذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وتأميم المحروقات، يسجل حدث اقتصادي واجتماعي بارز.. ألا وهو انعقاد الثلاثية (الحكومة، المركزية النقابية، أرباب العمل) لمناقشة مسائل هامة مدرجة في جدول الأعمال، منها خاصة «عقد النمو».

وفي هذا السياق، لابد من التأكيد بأن الثلاثية تبقى الإطار الحيوي للحوار بخصوص كل القضايا التي تكون دائما محل انشغال كل الأطراف المهتمة بترقية الملفات الشائكة والفصل فيها بشكل حاسم مثلما كان الأمر بالنسبة للأجور، حيث استفاد حوالي ٥٫٦ ملايين عامل من الزيادات المقررة. وكانت مطالب الطبقة الشغيلة تأخذ بعين الاعتبار وبجدية ضمن ١٤ ثلاثية، أي ٢٨ لقاءً التي تناولت جل النقاط التي ترفع دائما من قبل الاتحاد أو الشركاء الآخرين وهذا من ٢٠٠٠ إلى ٢٠١٤، عالجت كذلك ملف الوظيفة العمومية والقطاعين الاقتصاديين العام والخاص والمتقاعدين.
هذا التواصل بين السلطات العمومية والنقابة والخواص، كان ومازال دائما في مستواه المطلوب وهذا بتسوية الإشكالات القائمة وفق قاعدة التفاهم “لا ضَرر ولا ضِرار”، أي كل طرف يسعى لعدم الإفراط في مطالبه إلى حد التشنج وإنما هناك تحضير مسبق لكل ما يطرح في هذا الفضاء وإيجاد الحلول في وقتها المناسب، بعيدا عن قراءات أخرى لا فائدة ولا طائل منها؛ كمحاولة اللجوء إلى خيارات غير مجنده.
وهذا التقليد في التشاور أصبح ثابتا لدى الأطراف المعنية مباشرة به.. وفي نفس الوقت هو نموذج لباقي الفاعلين في عالم النشاط النقابي الذين يرغبون في كل مرة توسيع دائرة العضوية والانضمام، أي المشاركة كأطراف في هذا الاتجاه، لطرح مجمل المشاكل الحادة الموجودة على الساحة.. وهذا دليل واضح على أن الثلاثية تعد مكسبا قويا بالنسبة للمنظومة الخاصة للتكفل بحركية المطالب الصادرة من فترة لأخرى.
وهذا الاجتماع الحاسم له دلالة قوية، كونه أدرج مجموعة من المواضيع ستكون مطروحة على بساط البحث، منها ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي، تهدف إلى تقوية مكاسب العمال وإضفاء الفعالية على الأداء التنموي خاصة، وهذه المرة أولت الجهات المعنية اهتماما واضحا لما يعرف بعقد النمو الذي يعتبر سلسلة من الالتزامات ومجموعة من التعهدات للوصول إلى الأهداف المحددة والمنشودة والتي تصل إلى حوالي ٥ سنوات على الأقل. والمتغير الذي حصل هذه المرة هو أن العقد الاقتصادي والاجتماعي الذي كان سائدا فيما سبق، أضيف له مصطلح النمو كي تكون الأمور واضحة بالنسبة للجميع. على أن هذه العقد ستكون له آليات للتطبيق، أي تفادي كل ماهو نظري مثلما حصل في العقد السابق. هذه المرة يختلف السياق اختلافا جذريا بحكم التفسير الحاصل في التوجهات الاقتصادية وكل ما يحيط بها.
والعقد الاقتصادي والاجتماعي للنمو، ليس مجموعة محاور غير قابلة للتطبيق، بل إن التجربة السابقة دفعت إلى التفكير في أساليب عمل جديدة تختلف اختلافا كليا عما كان في الماضي.. والمسؤولية كل المسؤولية يتحملها القطاعان العمومي والخاص.. وهذا من باب قبولهما بهذه المهمة الصعبة والمعقدة في آن واحد.. وهذا مفهوم واسع في دعم المؤسسة الجزائرية وتعزيزها.. بوضعها في خضم الحركية التنموية.. للمساهمة في زيادة النمو من ٣٪ أو ٤٪ إلى أكثر من ذلك.. وتخفيف التضخم إلى أقل من ٣٫٥٪.. وكذلك البطالة التي هي في حدود (٩٫٨٪)، بالإضافة إلى قطاعات أخرى تحتاج إلى مزيد من المتابعة والمرافقة في الميدان.. وكل أطراف الثلاثية مدعوة إلى دخول هذا المعترك ورفع هذا التحدي.. لأنه الخيار الأوحد والوحيد على أن هناك مسؤولية تقع على عاتق الآخر في كل هذه الحركية التنموية.
وليس من باب الصدف أن تنعقد هذه الثلاثية في سباق كهذا المتميز خاصة بإحياء ذكرى مزدوجة للجزائر الأولى كانت خلال الثورة التحريرية المباركة والثانية خلال الاستقلال واليوم نستلهم العبرة من تضحيات أبناء هذا الوطن من أجل استرجاع السيادة على ثرواته.. والتحكم في قراره.. لمواصلة هذه المسيرة التاريخية.. في إقامة اقتصاد يكون في خدمة هذا الشعب.. وهذا ما تسعى إليه السلطات العمومية عبر إيجاد أطر لحوار شامل يضع الضوابط الضرورية لمنع أي انزلاقات باسم انفتاح السوق أو الاقتصاد الحر.. وهذا بصلابة الواجهة الاجتماعية لإحداث التوازن بين المقاربتين.. ومنع التفاون حيث وصلت التحويلات في هذا السياق إلى ٤٨٠٠ مليار دينار لكل ما يتعلق بالشؤون الاجتماعية.. وهذا هو ما يسمى بالعدالة الاجتماعية التي تعمل السلطات العمومية على ترسيخها في كل البرامج والمخططات التنموية الوطنية.. وعلينا تقديم هذا الجهد مهما كانت الصعوبات.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024