اتحاد المغرب العربي في مفترق الطرق بين خيارات مصيرية

العمل الاقتصادي المتوازن والشفاف يمنح فرصا ثمينة للنمو

أجرى الحوار : سلوى روابحية وسعيد بن عياد

يقف اتحاد المغرب العربي في مفترق الطرق بين خيارات مصيرية بين تكريس الوضع الراهن المتميز بالجمود أو الالتفاف حول خيار العمل الاقتصادي المتوازن والشفاف بما يمنح لكافة البلدان والشعوب فرصا ثمينة لتحقيق النمو في ظل النظام العالمي الراهن الخاضع لتداعيات الأزمة المالية المولدة لصراعات على الأسواق ومصادر المواد الطبيعية خاصة ذات الصلة بالطاقة. وإذا كانت الأجهزة والأدوات التنظيمية حقيقة ملموسة، فإن الجدل لا يزال يحتدم في مختلف الأوساط المهتمة على كافة المستويات بشأن المستقبل الذي ينتظر هذا التكتل ومدى حاجته لورقة طريق جريئة تخرجه من حالة التردد لتدفع به إلى الأمام كطرف إقليمي فاعل في مواجهة التكتلات الأخرى.

ولتسليط الأضواء على حصيلة وآفاق الاتحاد خص السيد سعيد مقدم الأمين العام لمجلس الشورى المغاربي الشعب الاقتصادي بحوار يتعرض لجوانب عديدة تتعلق بالواقع والتحديات معرجا على عوامل القوة والضعف وأولويات إعادة بعث التكتل. ويتبين بوضح أن الخيار الاقتصادي بكافة جوانبه التجارية والاستثمارية يمثل العجلة التي يمكنها أن تحرك دواليب اتحاد المغرب العربي حتى لا يكون مجرد سوق للآخرين، بل يمكنه أن ينافس مجموعات مماثلة تجاوزت مستوى إبداء النية وتسطير المشاريع وتوقيع الاتفاقيات مثل مجموعة ‘’بريكس’’. وفيما يلي مضمون الحوار.

الشعب”: تمر غدا الذكرى 25 لقيام اتحاد المغرب العربي كفضاء إقليمي أُريد له أن يؤسس لتكتل مغاربي وبأهداف محددة من أجل تحقيق الوحدة والتكامل الاقتصادي وفي مقدمتها إنشاء السوق المغاربية المشتركة، كيف تقيّمون مسار ربع قرن عن ميلاد هذا الاتحاد؟
^^ السيد سعيد مقدم: منذ قيام اتحاد المغرب العربي في 17 فيفري من سنة 1989 عرف المسار الوحدوي عدة تطورات ومستجدات سواء من الناحية الديمغرافية، أو إعادة ترتيب أوراق المنطقة المغاربية ككل من عام 2011 إلى اليوم، جراء الإصلاحات السياسية الجديدة التي شهدتها غالبية الدول المغاربية.
فقد شهدت الجزائر إدخال إصلاحات مست ثمانية قوانين عضوية في شتى الميادين وأنهت تونس مؤخرا دراسة والمصادقة على الدستور الجديد، بينما أصدر المغرب الأقصى الدستور الجديد بعد صياغته، فيما شهدت موريتانيا إجراء انتخابات تشريعية قبل فترة وكان الوزير الأول السابق، أحمد أويحي، قد أشرف عليها. وأخيرا، فإن ليبيا ستشهد انتخاب 60 عضوا لتشكيل لجنة صياغة الدستور الجديد في إطار المؤتمر العام.
كتقييم أولي، يمكن اعتبار أن المسار ما هو إلا تراكمات فقط لتوصيات ودراسات وأعمال تم إنجازها على مستوى المؤسسات والأجهزة الاتحادية ككل، يبقى الإشكال الحقيقي في تفعيلها لتلعب دورها في تحقيق أهداف التكامل والاندماج المغاربي وفق معاهدة قيام الاتحاد.
^ ما الذي جعل عملية تفعيل أجهزة الاتحاد تراوح مكانها، مما أضفى الكثير من التباطؤ على سير المسار ككل وانعكاساته المباشرة على حصيلة ربع قرن؟
^^ إذا قمنا بدراسة حصيلة العمل المغاربي في إطار ما يسمّى بالتكامل الإقليمي، فإن النتائج المستخلصة يمكن قراءتها من عدة زوايا؛ أولا من منظور البناء المؤسساتي للاتحاد وهي أهم نتيجة في الحصيلة، فقد تم خلال الفترة الممتدة من 1989 إلى 2011 الانتهاء بصفة كلية من البناء المؤسساتي للاتحاد المغاربي، سواء من حيث المؤسسات أو الأجهزة الموزعة على الأقطار الخمس. فمقر الأمانة العامة، التي هي الهيئة التنفيذية، موجودة في الرباط والهيئة التشريعية في الجزائر والهيئة القضائية في موريتانيا والجامعة والأكاديمية المغاربية في ليبيا وبنك التجارة والاستثمار الخارجي في تونس.
من حيث البناء المؤسساتي النتيجة مقبولة، يبقى الإشكال المطروح في مدى فعاليتها ونجاعتها وهل بإمكانها قيادة قطار البناء الوحدوي وإلى الغاية التي أنشئ من أجلها؟ أقول إن لكل رأيه، وبكل موضوعية أقول إنه حان الوقت لإعادة النظر في إعادة تكييف معاهدة إنشاء هذا الاتحاد بعد 25 سنة من المصادقة عليها.

احتياجات مناصب الشغل تناهز٨ ملايين في آفاق ٢٠١٤-٢٠١٨

الأجهزة والمؤسسات الحالية في حاجة إلى مراجعة في طبيعتها القانونية وصلاحياتها وإذا أردنا استدراك التأخر في مسيرة الاتحاد، ينبغي إعادة النظر في النسيج البنيوي والتصميم الهندسي للاتحاد، بدلا من إرهاق مجلس رئاسة الاتحاد الذي يحوز على كل الصلاحيات في اتخاذ القرار. علما أنه لم يجتمع منذ سنة 1994 وبالتالي فقد عطل كثيرا المضي قدما نحو تفعيل العديد من التوصيات وتحقيق العديد من المنجزات وعلى سبيل المثال السوق المغاربية المشتركة التي كان من المفروض أن تدخل حيز التنفيذ بدءاً من 1991 ولم يتحقق ذلك إلى يومنا هذا.
أما من منظور الطموحات المعبر عنها كأهداف، سواء تلك المتضمنة في صلب معاهدة الإنشاء أو في التصريحات الرسمية وما هو موجود في أرض الواقع، فإن الطريق لايزال طويلا ولهذا فنحن مطالبون ببذل المزيد من الجهد لتحقيق طموحات شعوب المنطقة، ومن هذا المنظور فإن الحصيلة تبدو ضئيلة وعمل طويل وشاق ينتظرنا جميعا لتحقيق أهداف الاتحاد.

^ مقومات اقتصادية وإمكانات متوفرة وموزعة على الأقطار الخمس ومع هذا لا تستغل لتحقيق التقارب واستفادة شعوب المنطقة من هذه المزايا. بِمَ يفسر ذلك؟
^^ المقاربة الاقتصادية تقوم على فكرة السوق المغاربية المشتركة التي كانت من بين أولويات العمل الوحدوي ومن أهدافها خلق دينامكية وتنافسية جديدة جذابة للاستثمار الخارجي، وكذا إشباع حاجيات سكان المنطقة البالغ عددهم اليوم حوالي 100 مليون نسمة، تفتقد لسوق مغاربية رغم توفر كل العناصر من حيث طبيعة تخصصات كل بلد، فالمغرب يعتمد على الفوسفات والفلاحة والمنتجات الغذائية ككل، وتونس تعتمد على تصدير الزيوت وعلى الصناعات الصغيرة والمتوسطة، ودول مثل الجزائر وليبيا غنية بالمواد الطاقوية وتتوفر على نسيج صناعي، وموريتانيا من جهتها تتوفر على الصيد البحري والفوسفات ومؤخرا تم اكتشاف البترول والأكثر من ذلك هناك ثروة بشرية هائلة، في هذا الجانب الاقتصادي ينبغي العمل في إطار التكامل المغاربي وجعله من الأولويات.

^ وتغليبه على الجانب السياسي، أليس كذلك؟
^^ على ضوء تجربة العديد من الاتحادات، كالاتحاد الأوربي، فإن تأثير العولمة وما أفرزته من تنظيم جديد وتكتلات جهوية وقارية، فإن أغلبها ذات طابع اقتصادي وتجاري بحت. ونظرا لأهمية العامل الاقتصادي في التقارب المغاربي، فإن من بين 38 اتفاقية المصادق عليها، 21 منها ذات طابع اقتصادي فلاحي وتجاري، ومؤخرا فقط التقى وزراء الفلاحة المغاربة، وقبل ذلك جمع لقاء آخر وزراء المالية لبحث إمكانية تقريب وجهات النظر في هذا النوع من المجالات والتعبير عن الرغبة والعمل على تفعيل فكرة الشراكة بين أقطار دول المغرب العربي.
 إذا لم ننجح في الاتحاد لنعطي الفرصة للشراكة المتساوية والمتوازنة تعتمد أكثر على المقاربة الاقتصادية والتجارية في إطار السوق الحرة من خلال تنظيمها وضبطها، وبدل من الدخول فرادى في علاقات مع التكتلات الأخرى، مثلما وقع مع بلدان المغرب العربي، التي أبرمت كلّ منها على حدة اتفاقيات شراكة مع الاتحاد الأوربي وهناك إجماع مغاربي على أنها لم تعط النتائج المنتظرة.

أهم حصيلة في المسار التكتلي الانتهاء من البناء المؤسساتي وحان الأوان لإعادة تكييف معاهدة إنشاء الاتحاد

^ هل يمكن للمقاربة الجديدة التي تعتمد على الشراكة بين الدول المغاربية، أن تقرّب من وجهات النظر حول ضرورة رفع مستوى المبادلات التجارية البينية التي تظل الأدنى في العالم، وهل هناك إرادة لتغليب المقاربة الاقتصادية على السياسية؟
^^ توجه الدول المغاربية نحو ما يسمّى بصيغ التعاملات التجارية والاقتصادية فيما يعرف بالتفاضلية. والتجربة بين الجزائر وتونس خير دليل. وكذلك بين الجزائر والمغرب حدث تطور كبير فيما يتعلق بالربط الكهربائي، إلى جانب أنبوبي الغاز المارين عبر كل من تونس والمغرب، وهذا في إطار تقاسم المنافع والذي يجب أن ينظر إليه بنظرة براغماتية وليس عاطفية والأمر ينطبق كذلك على الاتحاد ودراسة المصالح والمنافع المنتظرة من قيام التكتل المغاربي من جوانب عملية في إطار التوزيع العادل للمنافع.

^ بكم تقدر الخسارة الناجمة عن عدم تفعيل التقارب المغاربي؟
^^ العديد من رجال الأعمال وخبراء في الاقتصاد قدّروا الخسارة الناجمة عن عدم التكامل بـ2 من المائة من النمو السنوي، أي أن الخسارة المالية تتراوح ما بين 10 إلى 11 مليار دولار سنويا، وذلك في كل دولة مغاربية على حدة، أمام تحديات كبيرة تواجهها من حيث البطالة ومستوى النمو وتخلف العديد من القطاعات الأساسية على غرار الطاقة والبنوك والنقل والتربية والسياحة رغم ما تزخر به البلدان المغاربية من قدرات هائلة يبقى استغلالها ضئيلاً للغاية.
ومن حيث التجارة البينية، التي لم تتجاوز نسبة 1.5 من المائة، فإنها تظل الأضعف في العالم، بينما تتجاوز 64 من المائة عندما يتعلق الأمر بالمبادلات التجارية مع الشريك الأوربي، الأمر الذي يثير الكثير من علامات الاستفهام حول واقع التكامل الاقتصادي، ويستدعي مواجهته من خلال اعتماد المقاربة الاقتصادية، وإشراك القطاع الخاص في هذا المجال، على اعتبار أن القطاع العام لا يمكنه الاستمرار في توفير مناصب شغل انطلاقا من الاحتياجات المطلوبة والمقدرة بـ8 ملايين منصب في آفاق 2014-2018.

^ وماذا عن بنك التجارة والاستثمار الخارجي المغاربي الذي تم تفعيله العام الماضي فقط، على الرغم من إنشائه منذ سنة 2003؟
^^ هذا البنك المغاربي الذي دخل حيز التنفيذ قبل سنة بإمكانه أن يقوم بدور فعال في مجال الاعتماد على المقاربة الاقتصادية وتفعيل منح القروض لتمويل المشاريع الاستثمارية الصناعية والفلاحية بالدرجة الأولى من أجل الدفع بالشراكة البينية واستغلال كل الإمكانات المتوفرة لتلبية احتياجات ومقتضيات العمل المغاربي المشترك.

 الاتحاد لا يصدر سوى توصيات في غياب تمتّعه بسلطة القرار مقارنة بالبرلمان الأوروبي الذي يملك صلاحيات التشريع والمراقبة.

^ «الشعب”: تعد تجربة بناء الاتحاد الأوروبي أنموذجا لحقيقة ملموسة تؤكد إمكانية مجموعة إقليمية من بناء تكامل يرتكز على قاعدة اقتصادية، مالية وتجارية واستثمارية، أفضت إلى اندماج حوّلهم إلى قوة عالمية وذلك بالرغم من اختلافاتهم الكبيرة في أكثر من مجال سياسي وعرقي وثقافي. لماذا لم يتحقق هذا أو بعضه بالنسبة لبلدان اتحاد المغرب العربي؟
^^ «سعيد مقدم”: كافة التحديات والصعوبات والمشاكل ترافع في الجوهر من أجل بناء الوحدة المغاربية التي تبقى قناعة تدعمها القواسم المشتركة، مثل الجوار والهوية والمصير المشترك. إن مستقبلنا كشعوب قدر مرتبط في إطار هذه القيمة.
لقد أنجز الاتحاد الأوروبي المواطنة وهو ما نرمي إليه ليتحقق ذات يوم، وينبغي التوصل إلى تحديد معالم مفهوم المواطنة المغاربية حتى تنعم الشعوب على امتداد جغرافية تتربع على حوالي 6 ملايين كلم مربع. ولا أعتقد أنه بالإمكان تجاوز قوانين الجغرافيا، طالما أن القدر واحد. لقد قال المفكر والأديب الفرنسي ‘’فيكتور هيغو’’، حينما سئل عن الأفكار الجديدة، ‘’إذا كان يسيراً إيقاف تقدم جيش، فإنه من الصعب جدا الوقوف في مواجهة الأفكار’’.
إن الأفكار المتجددة هي التي فرضت على بلدان الاتحاد الأوروبي ما هم عليه اليوم فأدت، منذ البداية، إلى اقتناعهم بضمّ دول من أوروبا الشرقية فاندمجت في إطار واحد. بالنسبة إلينا لدينا الأفكار لكن تنقصنا، كمغاربيين، الإرادة فقط، وأقصد الإرادة البنّاءة وبناء الثقة التي تكتسي أهمية كبيرة جدا. والعامل الثالث، الحوار المتواصل والتداول في الأمور التي ترتبط بمصيرنا، خاصة في ظل العولمة.
ومن هذا المنطلق، يمكن المرور إلى الوسائل في إطار الخروج من منطق الدولة الضيّق الذي يتعارض مع الفضاء الأوسع، بدليل وجود حوالي 39 اتفاقية دون أن يدخل أغلبها حيز التطبيق ماعدا القليل منها.
وبحسب رأيي، فإن السبب وراء هذا يكمن في الوسائل التي تؤدي إلى ذلك، فمثلا مجلس الشورى المشكل من 150 عضو بمعدل 30 عضوا عن كل بلد من بلدان الاتحاد، وله 6 لجان، لا يصدر سوى توصيات لا تتجسّد في غياب تمتعه بسلطة القرار، مقارنة بالبرلمان الأوروبي الذي يملك صلاحيات التشريع والمراقبة. ومجلس الشورى المغاربي يبدي الرأي وله طابع استشاري بحيث يتحرك بطلب من رئاسة الاتحاد أو باقتراح من أعضائه.
وبالواقع هناك مجالات يمكن أن تترجم فيها الروابط المغاربية ويكرسها المجلس الاستشاري، مثل إقامة قانون مرور مغاربي انطلاقا من عالميته وهذا ممكن، ونفس الأمر لقطاع التأمينات، يمكن للمجلس الشوري للاتحاد أن يساهم في بناء مثل هذه القوانين.
من جانب آخر، وبالنسبة للمحيط الإقليمي والعالمي توجد منافسة بين أمريكا والاتحاد الأوروبي للاستحواذ على السوق المغاربية، وقد ظهرت سنة 1995 مبادرة مشروع ‘’ايزنستات’’ قاده كاتب الدولة للخزينة الذي يحمل اسمه، وقد طلب تحديد الأولويات للاستثمار فحددوا 20 ميدانان للاستثمار، لكن شرط أن تتوحّد بلدان المغرب العربي. ثم جاءت فرنسا لتنافس الامتداد الأمريكي مرتكزة على تحديد قطاعات استهلاكية وضعتها في مقدمة اهتماماتها. وحتى ألمانيا أبدت اهتماما من خلال التركيز على الطاقة الشمسية.
هذا وغيره يبيّن أن منطقتنا جذابة، تتوافر على موارد يحتاج إليها الاقتصاد العالمي، مثل الطاقة وبالذات الغاز الصخري، ومناجم الذهب وكذا الخدمات في قطاع السياحة. جميع هذه العوامل يمكنها أن تغير كلية وجه المنطقة لتنضمّ إلى دول مجموعة ‘’بريكس’’ الصاعدة، ومن ثمة إنها منطقة واعدة بل ومرشحة لمنافستها.
وبالنسبة لمسألة الصحراء الغربية، التي تطرح في إطارها القانوني الطبيعي على مستوى الأمم المتحدة، يمكن لدول اتحاد المغرب العربي، كملاحظ، القيام بجهد من موقعها عضوا في الاتحاد، والمساهمة في إيجاد حل مقبول من طرفي النزاع وهما المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، ومن ثمة بذل جهود لكسر الجمود الذي يتخفّى وراءه البعض من أجل تعطيل مسار بناء المغرب العربي في إطار احترام الشرعية الدولية.

 
 ندعو الدول إلى المزيد من التعاون والتنسيق لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود وتهريب المخدرات

الوجه الآخر للواقع يطرح المخاطر الكبيرة للإرهاب وتهريب المخدرات والتقليد في المنتجات الصناعية، وهو ما يثقل كاهل الاقتصاد الوطني لبلادنا. أليس للحكومات المعنية مسؤولية مباشرة في ممارسات كهذه لا تشجع على بلوغ الهدف الجماعي المنشود؟
حقيقة إن ما تواجهه منطقة المغرب العربي الكبير بالدرجة الأولى مسألة الأمن الإقليمي، خاصة على مستوى الحدود التي تمثل صمام الأمن للمجموعة المغاربية إذا ما قامت كل دولة بما يقع عليها من التزامات ومصدر خطر إذا ما كان هناك تقصير.
وفي هذا الإطار، ندعو الدول الأعضاء إلى المزيد من التعاون والتنسيق لمحاربة الظواهر الغريبة عن منطقتنا مثل الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود وتهريب المخدرات. إن مزايا الاتحاد أكبر بكثير من مساوئه، ويوجد تعاون لكن يمكن تكثيفه. علما أن الانضمام إلى اتحاد كهذا، يعني بالضرورة قبول التنازل عن جزء من مفهوم السيادة الوطنية الضيّقة لصالح خيار بناء مفهوم للسيادة الاتحادية.
ندعو الدول إلى المزيد من التعاون والتنسيق لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود وتهريب المخدرات
ولعل المثال الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي خير دليل على إمكانية إقامة اتحاد مغاربي مماثل، إلى درجة أن عندهم كل برلمان للدول الأعضاء يتوفر على لجنة تسمى لجنة تكييف القوانين الوطنية مع قوانين الاتحاد الأوروبي. ويمكن لمجلس الشورى المغاربي أن يتكفل بالاضطلاع بالمهام الحقيقية لبناء منظومة اتحادية على صعيد القوانين التي تعد أحد أسس بناء المواطنة بحيث يمكنها أن تشمل الأفراد وتنقلهم وكذا البضائع وحماية الممتلكات كهدف للاتحاد المغاربي.
^ لكن هناك مسارات، ولو خارج إطار الاتحاد، تطلق إشارات بناءة، مثل ما يتحقق على صعيد العلاقات الثنائية بين الجزائر وتونس كما تمخضت عنه اللجنة المختلطة الكبرى في دورتها الأخيرة، أليس لمثل هذا التعاون أن يعطي إضافة بناءة جديرة بأن يحذو حذوها باقي الشركاء بحيث يكون للاقتصاد مفعوله دون الارتباط بمسائل أخرى؟
^^ هذا المسار يدخل في إطار العمل الثنائي ويندرج ضمن التآزر والتضامن مع الشعب التونسي الشقيق والجار، وبالطبع لهذا التوجه الثنائي دلالات، كما تشير إليه نتائج اللجنة المختلطة الكبرى، وبالذات دخول العقد التفاضلي حيّز التنفيذ. وأمنيتي أن توسّع مثل هذه التوجهات البناءة بما يعزز عنصر الثقة مع كافة أقطار اتحاد المغرب العربي، ومن ثمة يقود مباشرة للوصول إلى مستوى الشراكة المتوازنة والجوارية التي تقوم على قاعد تقاسم الأعباء والمنافع.
لقد جاء هذا المكسب في ظرف حاسم، يتمثل في ذكرى العدوان الفرنسي على ساقية سيدي يوسف خلال ثورة التحرير المجيدة وبالتالي يحمل رؤية راسخة لتواصل الأجيال، ومنه يمكن أخذ العبرة لحقيقة وجود قيم التعاون في السراء والضراء، يستفيد منها كافة بلدان الاتحاد إذا ما توفرت النوايا الصادقة التي تدفع إلى تجسيد مشاريع ملموسة. ولكن أين نحن من كل هذا ومن تطلعات الشعوب المغاربية، بينما تحل الذكرى 25 لإعلان قيام اتحاد المغرب العربي، ومؤسساته لاتزال تبحث عن امتداد في أرض الواقع الذي يتوفر على إمكانات وفرص اقتصادية واجتماعية تصبّ في صالح كافة أعضاء المجموعة المغاربية، حيث لكل بلد طاقات تضمن إحداث الدفع المطلوب، خاصة إذا ما انخرطت المؤسسات ورجال المال والأعمال في تلك الديناميكية بروح بناءة واندماجية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024