حرية الأسعار.. بين الرابح والخاسر

بقلم: الدكتورة بوقميجة نجيبة

«الأسعار حرة»، ماعدا بعض السلع المستثناة، مفاد ذلك أن التاجر يمكنه أن يقترح السعر الذي يراه أنسب، وبالتالي ممارسة هذه الحرية بكل أريحية. ولكن يجب على التاجر أن يراعي قواعد العرض والطلب في السوق وأيضا احترام الحد الأقصى الذي لا يمكن تجاوزه، والحد الأدنى الذي لا يمكن النزول عنه، مع مراعاة سعر تكلفة المنتوج. حيث أنه لا يمكن اقتراح سعر يقل عن سعر التكلفة، وذلك مراعاة لجداول الأثمان، التي يتم وضعها بالاتفاق بين التجار، وحسب ما تفرضه قواعد العرض والطلب. الوضعية ذاتها نعيشها خلال شهر رمضان، حيث نجد بعض التجار وبخصوص بعض المنتوجات يعرضون أسعارا خيالية، من خلال تجاوزهم للحد الأقصى واغتنامهم لحريتهم في تحديد الأسعار. كما نجد بعض التجار الآخرين وبخصوص نوع آخر من السلع يقترحون أسعار جد منخفضة، تقل أحيانا عن سعر تكلفة السلعة، وهو ما يعرف في قانون المنافسة بـ»البيع بسعر منخفض تعسفيا»، ويعتبر إضرار بالمنافسة في السوق، الغرض من ورائه إقصاء بعض المنافسين والانفراد بالسوق، ثم الدخول مرة أخرى للسوق بأسعار عادية. وهو ما يجعلنا نعيش خللا بخصوص الأسعار، خصوصا في شهر رمضان، حيث ننتقل من النقيض إلى النقيض.
من الحالات التي تتفشى أيضا بكثرة في شهر رمضان هي «حالة ربط منتوج بمنتوج»، ومفادها اصطحاب شراء سلعة معينة يرغب المستهلك في شراءها بسلعة أخرى غير مرغوب فيها. وهذه الحالة محضورة من خلال عدة قوانين مثل: قانون المنافسة والقانون المتعلق بالقواعد المطبقة على الممارسات التجارية. وبالرغم من أن النصوص أوردت استثناءات بخصوص هذه الحالة، والمتمثلة في أن تكون السلعة محل البيع من نفس النوع، أن تباع السلع في شكل حصص، وأن تكون السلع معروضة للبيع بصفة منفصلة. إلا أننا نلاحظ أن التجار من خلال ممارساتهم لا يعترفون بالاستثناءات، ويمارسون الحالة على إطلاقها. كما أن بعض العلامات تستغل فرصة حلول شهر رمضان لاقتراح «البيع بالمكافأة»، ويتعلق بالمجانية في توزيع الهدايا في حالة شراء سلعة ما، الغرض منه جذب الزبائن والمحافظة عليهم. وهو ما يؤدي إلى تهافت الزبائن بغرض الحصول على السلعة أو الخدمة المجانية، والتي كانوا سيفقدونها لو اشتروا ذات المنتوج من تاجر آخر. وهي ممارسة محضورة، إلا إذا تجانست المكافأة مع السلعة أو الخدمة في حدود 10% من المبلغ الإجمالي. ومثال ذلك المكافآت المقترحة بخصوص بطاقات التعبئة في سوق الهواتف النقالة.
والأمر الذي يساهم في التمادي، وانتشار هذه الممارسات هو «عدم الفوترة»، بالرغم من أنها ممارسة محظورة قانونا، إلا أن الواقع اليومي أثبت أن تعامل التجار مع المستهلكين بالفاتورة، قلما يحدث، باعتبار أن هذا الاستبعاد طال حتى الأعوان الاقتصاديين فيما بينهم. والسبب الرئيسي في ذلك هو التهرب من أدلة الإثبات، وأيضا طبيعة الممارسات باعتبارها تتمّ في سوق مواز، وغياب الردع، إذا تعلق الأمر بمثل هاته الممارسات. والإشكال الرئيسي بخصوص هاته الخروقات التي يتضرّر منها المستهلك، خصوصا خلال شهر رمضان، نظرا لتزايدها، هو المساس وعدم احترام «حق المستهلك في الإعلام»، لأن العديد من صور التعاقد لا تتم لو تم إعلام المستهلك كفاية .
ونطاق هذا الحق، يمكنه أن يتضمن الإعلام بالأسعار، الاعلام ببيانات المنتوج من خلال الإعلام عن طريق الوسم، وأيضا الإعلام بخصوص مدة صلاحية المنتوج. وبخصوص هذا الحق الأخير فإننا نجد عديد التجار يبيعون سلع منتهية الصلاحية، بأسعار جد منخفضة، في حين يفترض في هذه السلع الاستبعاد الكلي من السوق، باعتبارها مساس بصحة المستهلك، بحيث أدت هذه الظاهرة في العديد من المرات إلى وفاة بعض المستهلكين. هنا يبرز دور جمعيات حماية المستهلك، باعتباره دورا فعالا، لأننا يمكن أن نتواجد أمام فئة عريضة من المستهلكين التي تغريها الأسعار المنخفضة، ولكن دون وعيها بخلفية هذا الانخفاض، باعتباره حامل لمخاطر يمكنها أن تكون ظاهرة وآنية، كما يمكنها أن تكون مستترة ومستقبلية، وبالتالي لا يمكن للمستهلك تحمل النتائج المترتبة على عدم وعيه أحيانا، ووضعيته الاقتصادية الهشة التي تلزمه باللجوء للأسعار المتدنية، أحيانا أخرى، خصوصا وأن الدور التوعوي يعود بالدرجة الأولى لجمعيات حماية المستهلك، والتي يمكنها أن تساهم من خلال هذا الدور في مراجعة الموازنة في الحقوق بين التاجر والمستهلك. أكثر من ذلك، نلاحظ أن دورها يمكن أن يصل إلى غاية إمكانية رفع دعاوى قضائية، حيث مكنتها النصوص القانونية من التأسيس في الدعاوى كطرف مدني، للحصول على تعويض الضرر اللاحق.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024