الثروات الوطنية ومكاسب عالم الشغل يمكن الحفاظ عليها بالحرص على العمل وإتقانه
يكتسي العمل قيمة أخلاقية واقتصادية في كل المجتمعات ويتضاعف ثقله في ببلادنا بالنظر لحجم التحديات الراهنة وتلك التي تلوح في الأفق، في وقت تشتد فيه وطأة العولمة التي يتسع نطاقها ملتهمة اقتصاديات بلدان ناشئة تسلل إليها تعثر النمو في لحظة يتراجع فيها مركز العمل ويفقد خصوصياته بسبب تراجع الكفاءات إلى الصف الأخير وهيمنة ثقافة سلبية لا قيمة تعير للمبادرة والجد والابتكار.
الدكتور نور الدين بعجي( أستاذ القانون بجامعة الجزائر 1) يبرز في هذا الحوار مدى الدور الذي يكتسيه الجانب الأخلاقي في سوق العمل وخاصة في مواكبة مؤشرات الإنتاج وحركية الأسواق لتامين ديمومة مناصب العمل والمؤسسة أيضا. كما يوضح الجانب القانوني للعمل باعتباره يندرج في نطاق قواعد النظام العام وبالتالي يجب ان يتم انجاز الواجب المهني مقابل الحق في الآجر وهي قاعدة عالمية.
وينبّه، بنظرة القانوني المهتم بالتطورات التي تعيشها البلاد، إلى الانعكاسات السلبية للحركة الاحتجاجية في حالة عدم مراعاة قواعد العمل الاقتصادي بالحفاظ على ديمومة الإنتاج وتحسين مؤشرات الإنتاجية لتكون الجزائر في الموعد مع سقف المنافسة العالمية.
الشعب: ما هي قيمة العمل في سلّم الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الظرف الراهن؟
د. نور الدين بعجي: إذا تناولنا الجانب الأخلاقي للعمل فان جميع القواعد الأخلاقية وفي كل الأديان تنص على قدسية العمل، وتصنفه في خانة الشرف، بدليل أن النبي داوود الذي أتاه الله عز وجل الملك وزكانا غنى ملوك الأرض، كان يفضل أن يأكل من عمل يديه، وهذا موثق بحديث الرسول الكريم (ص)، ومعنى هذا أن قواعد الأخلاق في كل الديانات تثبت أن قدسية العمل البشري فطرية في الإنسان.
وعندما نقيس تلك المعايير على واقع المجتمع الجزائري بتحليل واقعي، فإننا نجد، ماعدا فئة تحرص على تجسيد هذه القيمة، أغلبية الناس لا يتحمسون للعمل وينفرون منه، وكأنه من الجانب النفسي هناك رفض لذلك، فتراهم يفرون ويتنصلون من القيام بواجباتهم المهنية في مختلف القطاعات الاقتصادية والإدارية والخدماتية والاكتفاء بتوجيه النقد لغيرهم.
وهنا من الضروري أن ننتهج معيار النقد الذاتي في عالم الشغل، بحيث يجب أن نتفق جميعا على جعل الضمير هو المراقب لصاحبه حتى يمكن أن نخطو خطوات بناءة وخلاقة للثروة لتنمية البلاد عن طريق الدفع بوتيرة الاقتصاد والنمو إلى مستويات فيها معدلات مرتفع للإنتاج والإنتاجية. ولو يشتغل كل واحد تحت مراقبة الضمير يمكن للجزائر أن تتحول إلى واحدة من الدول المتقدمة إذا لديها كل الأسباب التي ترشحها لذلك.
العمل تحكمه قواعد ملزمة تمس النظام العام
وماذا عن الجانب القانوني؟
صحيح، تنص كل القواعد القانونية على وجوب العمل وهي قواعد ملزمة تمس النظام العام وبالتالي واجبة التطبيق.
بطبيعة الحال للحصول على أجر يستوجب ذلك انجاز العمل الملقى على عاتق كل واحد يتواجد في مؤسسة أو إدارة أو مرفق عام، وينبغي لكل واحد أن يتساءل، أليس الأجر مقابله العمل. فالعمل مصدر الرزق للفرد والمجموعة الوطنية، وعن طريقه فقط وفقا لمعايير اقتصادية سليمة يمكن للوطن ان يحقق خطوات كبيرة على مسار النمو في ظل العولمة الشرسة التي تستهدف خيرات الشعوب وأرزاق الأجيال.
إن الثروات الوطنية ومكاسب عالم الشغل لا يمكن أن يتم الحفاظ عليها إلا بواسطة الحرص على القيام بالعمل ضمن الإطار القانوني وبالمحتوى الاقتصادي مثل كل الشعوب التي عرفت كيف تنجز معادلة النمو.
الرجوع إلى الأخلاق و الضمير
تعرف الجزائر اليوم ديناميكية من خلال الحراك الذي يؤسس لمرحلة جديدة، كيف يمكن إدراج العمل في مسار التحول؟
ينبغي الرجوع إلى سلم الأخلاق وتحكيم الضمير، بحيث يراقب كل فرد نفسه ويحرص على الالتزام بالقيام بما يجب القيام بهذه في نطاق نشاطه المهني وعمله ووظيفته.
تجدر الإشارة إلى أن التوقف عن العمل أو تعطيل وتيرته في مؤسسات اقتصادية او جامعات او ترك المؤسسة بدون انجاز الواجب المهني يلحق الضرر بالاقتصاد الوطني.
إذا كان الحراك كما يجري سليما كل جمعة بحيث يعطي الفرصة للتعبير عن السخط والاحتجاج وممارسة المعارضة السياسية فهو مؤشر ايجابي، ولذلك يجب الحذر من دعوات ترمي للمساس باستقرار المؤسسات الاقتصادية التي تؤمن الدخل للعائلات وتضمن موارد مالية للبلاد.بعبارة دقيقة، إن من يدعو إلى تعطيل المنظومة الاقتصادية هو في صف العصابة وليس في صف الشعب.
هذا الوعي تم تسجيله في بداية الحراك، لما امتنع المواطنون وخاصة العمال عن الاستجابة لدعوات العصيان؟
بالفعل أدرك العمال مدى خطورة تلط الدعوات التي ترمي إلى إضعاف القدرات الاقتصادية للبلاد بما يضعها في مركز ضعيف أمام الشركاء والزبائن خاصة في المحروقات، وهذه نقطة تحسب لعمالنا من جانب الوعي وإدراك التحديات.لكن أسجل وجود مغالطات اليوم في استعمال الشارع من خلال ترويج لأرقام المحتجين، فلا أتصور أن ساحة أودان رقعة جغرافية تستوعب عشرات الملايين من الأشخاص، وإذا نظرنا، بتحليل حسابي، إلى منطقة جبل عرفات كرقعة جغرافية للحجاج فإنها لا تستوعب أكثر من 3 إلى 4 ملايين شخص، ولا اعتقد أن لها نفس مساحة ساحة أودان، لان الأولى شاسعة.
الملاحظ أن الشعب بفضل وسائل الاتصال المختلفة أصبح يتمعن في قراءة المؤشرات حوله، والمثل الشعب الجزائري صادق بقوله «الكذاب تعرّيه الأيام» بحيث أن الوقت يظهر المغالطات والألاعيب. لذلك عندما تحدّثهم عن تطبيق القانون والعمل ضمن الدستور يرفضون ويفضلون التوجه نحو المجهول، أي الرجوع إلى نقطة الصفر ومعناه في هذه الحالة التساؤل من جددي عن هويتنا علما أن الجواب متضمن في الدستور الحالي الذي يؤكد أن الإسلام والعروبة والأمازيغية قواسم مشتركة بين الجزائريين بينما يلاحظ من يدعو للتشكيك.
ينبغي التأكيد أن المؤسسة الدستورية الوحيدة التي تقف في المشهد لمرافقة التغيير دون تعثر للاقتصاد أو تثبيط لعزيمة المجتمع أو ثنيه عن مواصلة مسار البناء هي الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني، ذلك تبقى بوصلته الثابتة بيان أول نوفمبر.