المسيرة مستمرة

فضيلة بودريش

تعود الذكرى المزدوجة لتأميم المحروقات وتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، ويعود معها التطلّع نحو تحقيق المزيد من النمو والكثير من التطوّر على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي على وجه الخصوص، وتبقى المعركة التنموية الجذرية والشاملة المنشودة في قلب تحديات النمو في الوقت الراهن، لأن المنظومة الاقتصادية توجد في مواجهة منافسة شرسة وأمام حتمية التموقع الجيد الذي لا مفرّ منه ولا بديل عنه عبر مختلف الأسواق الخارجية لا سيما القريبة منها، ويمكن القول أننا بحاجة إلى نفس خطوات الأمس وذات القرارات المصيرية والشجاعة التي من شأنها أن تحسم في تعبيد مسار التنمية بل أن كسب رهان التطور اليوم صار أكثر أهمية من أي قرارات أخرى.. فهل تنجح الجهود والإرادة القائمة في تجاوز أي تردد أو بطء في الأداء؟ صحيح أن المحيط الاقتصادي والسياسي العالمي تغيّر بشكل كبير، ولم يعد ذلك المناخ الذي كان سائدا في عقد السبعينيات، ولا شكّ أن الجزائر كما بالأمس تملك جميع مفاتيح ومقومات النجاح بداية من قدراتها البشرية المعتبرة وكذا ثرواتها الباطنية المتنوعة، لكننا في حاجة إلى من يثمّن ويقيم ويوجّه ويراقب ويضبط الأجندات ويسطر الأهداف ويسهر على تجسيدها على أرض الواقع، ويرافق المبادرات الجدية خاصة في مجال المقاولتية وتوسيع النسيج الاقتصادي الذي يبنى على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وحتى المصغرة، وكلها يعوّل عليها في منح نفس جديد للآلة الإنتاجية وقوة ورواجا للمنتوج الوطني، الذي لا ينبغي أن يخفق في بلوغ جودة عالية قبل أن يقتحم الأسواق الخارجية ويتناسب مع المعايير الدولية من أجل مصداقيته. إذا التخطيط وحده لا يكفي وعملية تسطير الاستراتجيات كذلك لا تكفي، لأن ورقة الطريق التي يمكن التعويل عليها وأرضية العمل التي يبنى عليها مشروع إرساء الاقتصاد الوطني المتطوّر والمنافس على مديين متوسط وطويل، يحتاج إلى تجند الجميع بداية من العامل البسيط إلى المسير والمسؤول، بذهنية أن كل شخص لديه مسؤولية اتجاه تنمية البلاد اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وتقاسم بعد ذلك جميع مظاهر الرفاهية والاستفادة من مختلف الثروات التي يتمّ استحداثها. وتأتي المرحلة المقبلة بمثابة الفرصة الذهبية لتحقيق التحوّل المنشود سواء تعلّق بالتحول الطاقوي الذي تنوي الجزائر إرساءه، وبالتالي التوجّه نحو بديل أمثل للثروة الطاقوية التقليدية نحو ثروة بديلة غير تقليدية وتتصدّرها الطاقة الشمسية الحرارية التي ينتظر خلال العشر سنوات المقبلة، أن تغيّر وجه العالم، حيث يتوقّع من استعمال الطاقات البديلة والسيارات الكهربائية، وبما أن الجزائر تعتبر أغنى بلد في العالم من حيث الطاقة الشمسية، مطالبة بالانطلاق اليوم قبل الغد لأنها في سباق سريع مع تحديات العولمة الرهيبة، والتي صارت تقوم على المنافسة الاقتصادية والمعركة على كسب أسواق أكبر، وبالتالي هذا من يجعلها تستمر في الإنتاج والابتكار والتسويق.  لا ينقص الجزائر سوى استغلال ما لديها بحرص وحكمة وبعد نظر ورؤية صحيحة ذكية، حتى تكون في مصاف الدول المتطوّرة وليس الناشئة، ولأن من لديه الغذاء والطاقة يمكنه أن يسيطر والجزائر تملك مساحة شاسعة من الأراضي الصالحة لزراعة ويمكن أن تنتج كل أنواع الأغذية، وفوق ذلك تمكّنت من إرساء صناعة غذائية مهمة بدأت ملامحها تتطوّر ومؤشراتها جد إيجابية بعد العديد من محاولات التصدير بل صارت القطاع الثاني الذي يصدر الإنتاج ويخلق الثروة ويستحدث مناصب الشغل بعد قطاع الطاقة الاستراتيجي، بالإضافة إلى انطلاقها في تصدير المواد الفلاحية التي تلقى رواجا في الأسواق العربية والإفريقية. ولا يخفى أن تغيير الذهنيات وترقية التسيير والاندماج في منحى تصاعدي يتحقّق تدريجيا، لكن لا ينبغي أن نستمر في الحديث عن التطوّر والاستراتجيات وننحصر في تنظيم الندوات والملتقيات، من دون أن نجسّد التوصيات وورقة الطريق والأرضيات ومن ثمّ نكرس كل ذلك على أرض الواقع بالصرامة والعمل ومضاعفة الجهود وتغيير السلوكيات القديمة بتثمين قيم العمل وروح الابتكار والمحافظة على الكفاءات والاعتماد عليها في التحوّل الجاد، وإلى جانب التركيز على التكوين.. ومن هذا المنطلق يمكن القول أننا قمنا بخطوات شجاعة نحو تعبيد حقيقي لمسار التنمية.. الذي لا يقلّ أهمية عن قرار تأمين المحروقات الذي كان صفحة قوية في وجه المستعمر. واستكمال مواجهة التحدي مفاتيحه بين أيدينا والنجاح ممكن إذا استكملنا المسار بشكل صحيح.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024