رقم ثابت في عالم الشغل

فضيلة بودريش

رافق الاتحاد العام للعمال الجزائريين في مساره النقابي الطويل عبر ما يفوق الستة عقود كاملة من النضال المستميت لافتكاك مكاسب مهنية واجتماعية للطبقة الشغيلة، طموحات وتطلعات العمال والجبهة الاجتماعية وقاسمهم الانشغالات والهموم، وعايش الاتحاد العام جميع الانجازات والمكاسب التي افتكها العمال وكذا الإخفاقات والتحديات التي عصفت بالمؤسسات الاقتصادية، ورغم ذلك لم يتخل عن دوره المنوط به وبقي الصوت النقابي يصدح، واستمر الشريك الاجتماعي ممثلا في المركزية النقابية في تفاوضه من أجل تحسين الوضعية المهنية والاجتماعية للعمال بخطابه المسالم الذي يحرص فيه على الحفاظ على استقرار المؤسسة والسلم الاجتماعي وحماية مصدر رزق العامل من خلال الدفاع عن حقوقه المهنية ومنع غلق مؤسسته الإنتاجية.
يمكن اختزال مسار الاتحاد العام للعمال الجزائريين في العديد من المحطات المهمة، حيث كان شريكا استراتجيا في مختلف القمم واللقاءات الثلاثية والثنائية مع الحكومة وأرباب العمل يطرح على طاولة التفاوض الملفات الحساسة ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي، وكان بمثابة قوة اقتراح سواء تعلّق بحماية المنظومة الاجتماعية بالدعوة إلى رفع أجور عمالها وتنظيم علاقة أرباب العمل والعمال من أجل حماية حقوقهم المهنية، لأن انفتاح الجزائر على القطاع الخاص كان تحديّا بالنسبة للعامل الذي صار يطالب بحفظ حقوقه بعد أداء واجباته من أجر محترم وتأمين وطب عمل وما إلى غير ذلك، وبالمقابل وفي كل مرة كان الإتحاد العام للعمال الجزائريين أكبر وأقدم تنظيم نقابي يلتزم ويحرص على الحفاظ على السلم الاجتماعي، وساهم كثيرا في الحفاظ على المؤسسات الاقتصادية، خاصة العمومية، يتدخل لحل أي انسداد حدث،
متبنيا لغة الحوار التي يغلبها في مختلف لقاءاته التي تجمعه بالإدارة.
يمكن النظر إلى تجربة الاتحاد العام للعمال الجزائريين باهتمام كبير وتعمّق أكبر، ومع استقاء الدروس لمواصلة الحفاظ على المؤسسة الإنتاجية التي تبنى وتستمر بجهود العامل، لأن الهدف الجوهري الذي طالما دافع عنه صوت المركزية النقابية الحفاظ على مناصب الشغل، وكثيرا ما أنصفت العامل ووقفت إلى جنبه وساندته في مختلف تظلماته وأزماته مع الإدارة بدبلوماسيته وحنكتها النقابية المسالمة والتي تغلب منطق الحوار وإذابة جليد الخلافات، وأعادت المياه إلى مجاريها في العديد من الأزمات الشائكة على مستوى العديد من المؤسسات الاقتصادية الكبرى والصغيرة على حدّ سواء.
ولم يقتصر اهتمام الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي يملك خبرة رائدة في مجال التفاوض النقابي، بعد إبرام عقد النمو الذي ظهر في
البداية على شكل عقد اقتصادي واجتماعي منذ عدة سنوات، ليتطوّر إلى عقد للنمو تلتزم فيه كل من الحكومة وأرباب العمل والشريك الاجتماعي بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالموازاة مع ذلك بالسهر على تكريس الاستقرار والسلم الاجتماعيين اللذان يضمنان مواصلة الانتاج من دون أي انقطاع.
ولم يتوقف الاتحاد العام للعمال الجزائريين في التفكير في حماية القدرة الشرائية للجبهة الاجتماعية، بل جعلها ضمن الانشغالات التي تحتل صدارة الاهتمام، ففي كل مرة كان يطرح ملف الأجور في مختلف القمم الثلاثية، ويرافع تارة ويفاوض تارة أخرى للرفع من الأجر القاعدي ونجح في العديد من المرات في افتكاك زيادات مهمة للعمال، بل قام بإعداد مشروع  الميزانية العائلية التي تحدّد الميزانية التي تحتاجها أسرة متكونة من 5 أو 6 أفراد وما تحتاجه من نفقات شهرية.
و بالنظر إلى كل ما تحقّق وعلى ضوء تجربة طويلة وجادة أنصفت في الكثير من الأحيان العامل وانتصرت لتطلعاته المهنية والاجتماعية، ينبغي أن يواصل الاتحاد العام للعمال الجزائريين بنفس الخطى وذات الثقة والإرادة في الحفاظ على العمل النقابي وتثمينه وترقيته، والحرص على الاستمرار في الدفاع عن حقوق العامل وعلى وجه التحديد حماية المؤسسات الاقتصادية العمومية والتي تعدّ مكسبا كبيرا للجزائر وللعامل الجزائري، والتفرّغ للتنمية تجسيدا لما التزم به في العقد الاقتصادي والاجتماعي للنمو. والمركزية النقابية ينتظرها شوطا آخر من أجل دعم ومرافقة التحوّل الاقتصادي التي تشهده البلاد، لأن الاتحاد العام للعمال الجزائريين مطالب بالمساهمة في تحقيق التنمية التي تحتاج إلى جهود جميع الجزائريين بداية من العامل إلى غاية المسؤول ومواصلة تقديم مقترحاتها الاجتماعية والاقتصادية التي تصحّح وتوجه وتساعد على تجاوز المشاكل الظرفية والتحديات الحقيقية التي تواجه الاقتصاد الجزائري في المرحلة الراهنة وعلى المديين المتوسط والطويل، ورغم التنوع النقابي والحريات النقابية، لكن يبقى الإتحاد العام للعمال الجزائري صاحب أكبر تمثيل عمالي، الصوت الأقوى بتأثيره الكبير ينتظر منه الكثير في معركة التحوّل الاقتصادي والطاقوي المتاحة بين أيدي الجزائريين.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024