سنة الصّدمة النّفطية والرّكود الاقتصادي

«أوبك +» بقيت صامدة ومؤثّرة..والأسعار قفزت إلى 52 دولارا

فضيلة بودريش

لم تكن سنة 2020 صعبة على النفط بسبب فيروس كورونا الخطير وحده بل منذ بداية العام الجاري كانت الأسواق مشبعة والطلب يفوق العرض، واختفى التوازن المطلوب أمام آلة ضخ الزيوت الصخرية الأمريكية التي هددت مرارا الاستقرار والأسعار، لكن ومع ذلك يحسب لــ «أوبك+» تحركها في الاتجاه الصحيح لتجاوز ما خلفته الجائحة من ضغط وأفق قاتمة كان يبدو معها بلوغ أسعار النفط خلال شهر ديسمبر حدود 52 دولارا ضربا من الخيال، إنها السنة التي تجمّد فيها النموو شل الاقتصاد وبقي النفط محاصرا.
كان من المستحيل مع مطلع العام الجاري التوقع بأي مؤشرات سواء كانت إيجابية أو سلبية لسوق الذهب الأسود، وبدت الوضعية جد صعبة على خلفية تفشي فيروس كورونا بعد عمليات الغلق وتوقف نشاط شركات الطيران منذ شهر مارس الماضي، ولا أحد كان يتوقع أن سعر نفط الوسيط الأمريكي في سابقة لم تحدث من قبل ينهار إلى مستوى غير مسبوق ناهز 40 دولاراً تحت الصفر للبرميل، بسبب تراجع الطلب وتخمة المخزون بسب تفشّي فيروس «كوفيد-19». وأفضت هذه العوامل السلبية عن تسجيل تباطؤ مؤلم في الاقتصاد العالمي بسبب الوباء، وتعميق الفائض النفطي الذي أجبر وسطاء الخام على دفع أموال للتخلص من البراميل التي تعهدوا بشرائها، أي اضطر البائعون الدفع لزبائنهم ليتسلموا النفط الخام منهم في ظل امتلاء منشآت التخزين عن آخرها، وانهارت البورصات وتضاعف التخوف، وجاءت هذه التطورات المرعبة بمثابة الزلزال الذي ضرب أسواق الذهب الأسود في حادثة تاريخية لن ينساها أحد.

العوامل الضّاغطة

لم تبق منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» وشركائها من المنتجين المستقلين صامتة أو مكتوفة اليدين، بل تحرّكت بإيجابية ووعي كبير كما جرت عليه العادة نحو الاتجاه الصحيح، وحاولت البحث عن أدق وأقرب الحلول التي تمنع من انهيار أسعار البرميل تحت عتبة 40 دولارا، وواصلت بثقة وتأني في نفس النهج الصحيح، الذي يقود إلى التخلص من الفائض الذي بقي يخل بالتوازن ويمنع حدوث الاستقرار وتصحيح الأسعار
ولا يمكن لأحد أن ينكر ما قدّمته «أوبك» للمنتجين، في ظل تلك الصعوبات التي حاصرتها، فجاء الحديث في عز أزمة الأسواق والأزمة الصحية عن توسيع شراكة «أوبك+» إلى أعضاء جدد بل حاول جميع المنتجين في العالم التكاثف لتصحيح الوضع الذي بات معه انهيار في الطلب والإنتاج والاستثمار، ولم تخف أمريكا نيّتها آنذاك ولأول مرة بعد أن كانت من العوامل الرئيسية الضاغطة والمسؤولة عن الفائض في ضرورة السير نحو منع انهيار الأسواق والأسعار.
علما أنّ المشاركين خلال الاجتماع الوزاري الثاني عشر للدول الأعضاء في منظمة «أوبك» والدول المنتجة للبترول من خارج المنظمة، اتفقوا على إعادة التأكيد على الالتزام القائم، وفقا لقرار إعلان التعاون بدءاً من 12 أفريل 2020، والذي جرى تعديله لاحقاً في شهري جوان وسبتمبر 2020، بإعادة 2 مليون برميل يوميا إلى الأسواق بشكل تدريجي، نظرا لمراعاتها لظروف الأسواق. وفوق كل ذلك تقاطعت الدول الأعضاء حول إعلان التعاون على إجراء تعديل طوعي على الإنتاج بمقدار نصف مليون برميل يوميا، في بداية شهر جانفي 2021، لتخفيض الإنتاج من 7.7 مليون برميل يومياً إلى 7.2 مليون برميل يومياً.

الجزائر..تغليب المسؤولية

اتّفق على تمديد فترة التعويض المقررة من طرف الاجتماع الوزاري الحادي عشر للدول الأعضاء في أوبك والدول المنتجة من خارجها والمنعقد في سبتمبر 2020، للفترة من شهر جانفي حتى نهاية مارس 2021، لضمان تعويض الإنتاج الزائد بالكامل من طرف جميع الدول المشاركة في إعلان التعاون.
وأكّد المشاركون أهمية استمرار التزام الدول المشاركة في إعلان التعاون بسوق مستقرة، وبالمصلحة المشتركة للدول المنتجة، وبإمدادات فعّالة وآمنة وذات تكلفة ميسورة للمستهلكين، وبعائد عادل على رؤوس الأموال المستثمرة.
وكعادتها بقيت الجزائر على نفس الرؤية ترافع لصالح تغليب روح المسؤولية والتوصل إلى اتفاق شامل وواسع وفوري لخفض فوري للإنتاج ولم تدّخر جهدا عبر بذل الجهود بهدف التقريب بين وجهات النظر والبحث عن حلول توافقية والمساهمة في أي جهد من شأنه تحقيق الاستقرار في سوق النفط لفائدة البلدان المنتجة والمستهلكة.

تلاشي التوتر التجاري

رغم أن مستويات 40 دولارا للبرميل، بقيت تخيم على خام برنت طيلة الأشهر الماضية، لكن أنباء عن قرب طرح اللقاح التي تزامنت مع اجتماع «أوبك+» الأخير، دفعت بالأسعار لتبلغ لأول مرة في 2020 إلى سقف 52,5 دولار للبرميل، وبالتالي قفزها لحدود ما قبل الجائحة، وبفعل ذلك بلغ متوسط سعر خام أوبك 42.61 دولارا للبرميل خلال نوفمبر 2020، مسجلا ارتفاعا شهريا بنسبة 6.3 %. كما شهد متوسط نمو أسعار العقود الفورية لمزيج خام برنت أداء مماثلا وسجل نموا 6.3 %، وبلغ في المتوسط 42.69 دولارا للبرميل، كما انعكس ارتفاع الأسعار أيضا على أحدث توقعات إدارة معلومات الطاقة الأميركية لأسعار النفط لعامي 2020 و2021.
في وقت رفعت الوكالة متوسط سعر العقود الفورية لمزيج خام برنت للعام 2020 إلى 41.43 دولارا للبرميل وإلى 48.53 دولارا للبرميل للعام 2021 مقابل توقعاتها السابقة البالغة 40.61 دولارا للبرميل و46.59 دولارا للبرميل لعامي 2020 و2021. ولم تخف منظمة «أوبك» مرة أخرى خفض الطلب على النفط للعام 2020 في تقاريرها، مشيرة إلى انخفاض قدره 9.77 ملايين برميل يوميا مقابل 9.75 ملايين برميل يوميا وفقا لتوقعاتها السابقة. وينتظر أن يصل الطلب العالمي إلى 89.99 مليون برميل يوميا في 2020.
إذا إن عودة النشاط الاقتصادي العالمي بات قريبا، في ظل التفاؤل الكبير بسلسلة من اللقاحات التي ينتظرها العالم بشغف واهتمام وتعطش، خاصة عقب الموافقة السريعة على هذه اللقاحات، ويضاف إلى ذلك ترقب تلاشي التوتر التجاري بين الصين وأمريكا، لأن الرئيس الأمريكي ترامب استنفذ عهدته الرئاسية، وفي طريقه لمغادرة البيت الأبيض في غضون أسابيع قليلة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024